إعلان.. بل بيان موسكو

إعلان..  بل بيان موسكو
بداية يجب التأكيد أن ما صدر عن اللقاء الثلاثي الروسى التركى الايرانى في موسكو لم يكن إعلان بالمعنى السياسي الدقيق للكلمة، إنما مجرد بيان صحفي ختامي كما يحدث في العادة في اللقاءات السياسية والديبلوماسية بين الدول، أي أننا لسنا أمام عملية أو آلية موسكو، وبالتأكيد ليس  عملية الاستانة، وإنما مجرد بيان صحفي – سيء لا أكثر ولا أقل. 

الأمر الآخر الذي يجب التأكيد عليه أنني لم أحب البيان، لم أرتح للغته السياسية ومضامينه، ورغم الإشارة إلى القرار رقم 2254، إلا أن التعبيرات جاءت سيئة ومضللة، وبدت أقرب إلى مواقف موسكو وبدرجة أقل طهران وطبعاً ليس أنقرة. 

أمر ثالث يجب التأكيد عليه أيضاً، أنني لا أضع ولا يجب أصلاً أن نضع تركيا مع روسيا وإيران في سلة واحدة. روسيا وإيران أعداء الشعب السوري، ارتكبوا مباشرة جرائم حرب موصوفة، وجرائم ضد الإنسانية، وما كان للنظام أو العصابة الطائفية  المتسلطة أن ترتكب هذا الكمّ الكبير من الجرائم بحق الشعب السوري لولا الدعم السياسي العسكري الأمني الإعلامي والنفسي من النظم الاستبدادية القمعية في موسكو وطهران. 

تركيا مختلفة بالتأكيد فهي صديق للشعب السوري، ولم يكن بالإمكان تصور صمود الشعب السوري ومواجهته لآلة بل آلات القمع الطائفية والإيرانية والروسية دون الاحتضان التركي الرسمي والشعبي  عوضاً عن ان اسطنبول كانت تاريخياً أخت حلب الشام القاهرة القدس حيفا يافا والموصل، هذا لم يكن يوماً حال طهران. ولا حال موسكو طبعاً. 

بناء على المعطيات السابقة يمكن الاجتهاد لقراءة بيان موسكو سياسياً، أهم ما فيه  قطعاً أنه لم يطلق عملية موسكو، أي أننا لسنا بصدد عملية سياسية أخرى على غرار جنيف أو حتى فيينا، التي أرادتها موسكو بتواطؤ أمريكي بدلاً عن جنيف والجزء الملآن من كوب، بيان موسكو أنه تعاطى أو تقريباً تجاهل قصة الاستانة، واكتفى فقط بأخذ العلم بدعوة الرئيس الكازاخي لعقد الاجتماعات أو اللقاءات المتعلقة بالقضية السورية في بلاده، وهذا يؤكد الاستنتاج السابق من جهة. ومن جهة أخرى يقدم فكرة عن هدف أو أهداف اللقاء الثلاثي الذي سعت القيادة الروسية لرعايته. 

أرادت موسكو إعطاء بعد سياسي لعملية إجلاء أهل حلب غير الطوعي، أرادت تبييض صفحتها أو لفت الانتباه عن الجرائم التي ارتكبتها، أو غطتها ودعمتها في حلب وسورية بشكل عام، وأرادت ربما خلق عملية سياسية بالمعنى الميداني، بمعنى أنها تفهم أن من الصعوبة بمكان، وربما الاستحالة تعميم الخيار الشيشاني خيار داريا وحلب على كامل الأراضي السورية، وتريد تكريس الواقع الميداني وخطوط القتال الحالية وفرض التهدئة على كامل الأراضي السورية بما يسمح بتحسين موقعها عند أي استئناف جدّي للعملية السياسية ليس في موسكو، وحكماً ليس في الاستانة. 

موسكو أرادت كذلك تحجيم ترويض إيران أو التأثير عليها مباشرة، لمنعها من عرقلة التفاهم الذي تم التوصل إليه مع تركيا لإجلاء أهالى حلب - غير الطوعى – طبعاً، وأرادت كذلك ربما منع إيران من المضي قدماً في خيارها العسكري المجنون التدميري في سوريا، والذي تعرف موسكو أنه مستحيل وعدمي، وبلا جدوى. وهنا يمكن تمييز تفكير مختلف بين موسكو وطهران، حيث تمارس الأولى بلطجيتها وجرائمها من خلال جيشها وأجهزتها  الرسمية بشكل مباشر، بينما تعتمد الثانية على الميليشيات غير الرسمية كونها ما زالت تعيش  حال الانفصام بين الدولة والكيانات العميقة الموازية التي تتحكم بها وتخضعها لمشيئتها مثل الحرس الثوري. 

روسيا سعت كذلك الى فرض رؤيتها فهمها للقضية السورية ، وحتى تصوراتها ومحدداتها لأى حل سياسى محتمل ، فأدخلت مصطلحاتها الخبيثة المضللة الى البيان الختامى من قبيل الدولة السورية متعددة الاعراق والاديان ، وحتى مصطلح العلمانية الذى بدا غريباً ومنافقاً قبوله من دولة بنظام دينى منغلق ومتعصب مثل ايران،  بينما لا تبدو انقرة حساسة للمصطلح مع فهمها وتفسيرها الخاص له ، علماً ان موسكو فعلت نفس الشىء فى بيان فيينا الأول شهر أيلول سبتمبر العام الماضى قبل ان يتم تدارك الأمر من قبل الرياض الدوحة وانقرة فى بيان فيينا الثانى منتصف تشرين أول أكتوبرمن العام نفسه .  

 ايران من جهتها أرادت تبييض صفحتها وطمس جرائمها الموصوفة في سورية، وسعت أيضاً لتزوير موقفها وتقديم نفسها، وكأنها وسيط وليس طرف إلى جانب النظام فى جرائمه ضد الشعب السورى ، هى أرادت كذلك تكريس كدورها كطرف معرقل ومانع لأى إتفاق ثنائى أو جماعى من دونها. 

تركيا سعت من جهتها للمضى قدماً فى تفاهم إنقاذ أهل حلب والثواروالسعى لتكريس حالة التهدئة ومنع  الذهاب نحو تعميم خيار داريا وحلب على كامل الاراضى السورية ، سعت كذلك للحفاظ على تفاهم مع موسكو لعقلنة ما لمواقف وممارسات هذه الاخيرة ولتوسيع شرخها أو ابتعادهاعن طهران ، غير انها أخطات فى عدم ابداء الحساسية للمصطلحات والمفاهيم الواردة فى البيان الختامى ، والتى سبق ذكرها-الدولة متععدة الاعراق والاديان-مع الاشارة الى أنها لا تتحسس اصلاً من مصطلح العلمانية ، مع  تفسيرها الخاص الذى يعنى حسب الرئيس أردوغان وقوف الدولة على مسافة واحدة من مكونات المجتمع المختلفة ، والأهم ان هذا أمر يحسمه الشعب السورى وفق المعايير الانسانية والديموقراطية والمواثيق الدولية ذات الصلة. 

كان يجب على تركيا ان تنتبه كذلك الى غياب الحضور العربى عن مناقشة قضية هى عربية بالاساس،  ويبدو أنها تنبهت ولو متاخرة  لثغرات ونواقص اللقاء الثلاثى وبيانه ، حيث تحدث الرئيس أردوغان نفسه الجمعة-23 كانون اول ديسمبر- عن أهمية الحل السياسى وعن إتصالات مع السعودية وقطر-اضافة الى روسيا وايران- واى لقاء قادم يجب ان تحضر فيه الدول العربية ، والمفارقة ان مندوب روسيا فى الامم  المتحدة تحدث كذلك عن مشاركة الرياض فى الجهود الحالية،  وهو أمر محمود ولازم وسيسمح فى حال حدوثه  كما جرى  فى فيينا العام الماضى،  بتعديل المفاهيم والمصطلحات الخاطئة والمضللة واللئيمة الواردة  فى بيان موسكو. 

الهيئة العليا للتفاوض -والائتلاف طبعا -عليها مسؤولية كبيرة  كذلك ، ولا يجب ان تتعاطى مع تركيا كما تتعاطى مع موسكو وايران وعليها ألا تخوض اى سجال اعلامى معها مع تحفظاتها ورفضها للبيان و وتقديم كامل ملاحظاتها وأرائها فى اللقاءات المباشرة والغرف المغلقة، والسعى مع الرياض والدوحة والاتحاد الاوروبى واشنطن والامم المتحدة وانقرة طبعاً للعودة الى الية جنيف ووضع بيان موسكو فى مكانه الطبيعى مجرد بيان ختامى سىء لا يلزم الشعب السورى وقواه الحية والاجتهاد وبذل الجهود  لتعديله و تجاوزه فى اول  فرصة  قادمة. 

التعليقات (2)

    ابو حمزه

    ·منذ 7 سنوات 4 أشهر
    مهمه فعلو وجمعو فنضال الشعب السوري مستمر

    منصف بنعلي

    ·منذ 7 سنوات 4 أشهر
    يا ماجد اعرف انك انقلبت على عقبيك. ..لحاجة ملحة. ..ولكن ليس إلى هذا الحد من الاسفاف.
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات