لماذا فشلت مفاوضات أنقرة؟

 لماذا فشلت مفاوضات أنقرة؟
فشلت مفاوضلت أنقرة بين قادة الثورة السورية الميدانيين في حلب وضباط روس، والتي جرت برعاية واستضافة من السلطات التركية. المفاوضات فشلت لأن روسيا لم تملك أصلاً إرادة لإنجاحها، وربما هى اضطرت للحضور لمسايرة الأتراك فقط.

فيما يتعلق بالحضور فقد حضر ممثلون لثلاثة عشر مجموعة سورية مقاتلة في حلب، باستثناء داعش و"النصرة" طبعاً، بحضور مجموعات كانت روسيا تصر دائماً على اعتبارها إرهابية مثل أحرار الشام، وهى جلست معهم لأن لا أحد يسايرها في هذا التفكير ناهيك عن مسايرة لأنقرة، ولأنها كما قلنا لم تكن تنوي أصلاً الوصول إلى نتيجة إيجابية وملموسة.

كان لافتاً غياب المجموعات المدعومة أمريكياً أو تلك التي درّبتها وسلّحتها الولايات المتحدة، علماً أن تركيا تبدو حساسة جداً تجاه هؤلاء، خاصة مع الشروط التي تضعها واشنطن بضرورة محاربة داعش فقط، وليس النظام كما لاصرار ادارة اوباماالمنصرفة على اعتبار البى كى كى السورى بمثابة العمود الفقرى للمجموعات المدعومة معها  .

لم يحضر طبعاً ممثلون عن النظام وإيران، لأن أنقرة ترفض أساساً التفاوض مع هؤلاء أو التعامل مع مجموعات تتعاطى معهم، أو حتى تقوم بأى نوع من الاتصالات السياسية أو العسكرية  والميدانية معهم .

عقدت المفاوضات للنقاش حول مقترح  مبعوث الأمم المتحدة الى سورية دي مستورا وخطته الرباعية للوضع فى حلب. والتى كانت روسيا أبدت انفتاحاً على التعاطى الايجابى معه ، الاقتراح  تضمن خروج مقاتلي جبهة "النصرة"، مقابل وقف القصف، إدخال المساعدات، وإبقاء مجلس الحكم المحلي شرق حلب. وكان  مجرد عقد المفاوضات  يعبر عن انفتاح تركيا والقوى العسكرية الثورية وحتى روسيا نفسها على الاقتراح ونقاش آلية وسبل التنفيذ.

 غيّرت روسيا موقفها خلال المفاوضات، وطالبت أولا بخروج 900 مقاتل، علماً أن مقاتلي النصرة يبلغ عددهم 400 في الحد الأقصى، ما يعني أن موسكو دمجت معهم مقاتلي أحرار الشام، أيضاً وبعد ضمان موافقة تركيا والمقاتلين على فكرة خروج النصرة، والنقاش حول العدد،  غيرت موسكو موقفها ، وطالبت بخروج كل المقاتلين من شرق حلب وبدون ضمانات جدية فيما يتعلق بالوضع بعد ذلك وهددت باعتبارهم إرهابيين، وهو المصطلح الذى سينسحب على كل مسلح يبقى في المنطقة.

 عموما فقد أرادت  موسكو كسب الوقت فقط، وهي تبنت الخيار الشيشاني منذ البداية تجاه حلب والقضية السورية بشكل عام ، وأرادت مسايرة تركيا فى مبدأ أو فكرة اللقاء نفسها ، لكنها على قناعة طبعاً أن ملف حلب كما الملف السوري أو التسوية السياسية بشكل عام تتعلق بواشنطن، وليس أنقرة مع  الحرص على إبقاء القنوات مفتوحة مع هذه الأخيرة.

موسكو وحلفائها يسعون الى تحسين مواقعهم قبل تسلم  الرئيس الامريكى المنتخب دونالد ترامب للسلطة بشكل فعلى . وهم يعتقدوا أن حلب بمتناول أيديهم حتى وهى مدمرة، وساعتئذٍ لن يكونوا مضطرين لتسوية وفق إعلان جنيف أو حتى آلية فيينا، ولا حتى أي تسوية بالمطلق.

تركيا من جهتها أرادت فعل شىء لإنقاذ حلب، ووقف تدميرها، وهي سعت لاستغلال علاقتها الودية والجيدة مع موسكو فى الفترة الاخيرة، كما توقف الاتصالات واللقاءات الروسية الأمريكية، وفهمت  طبعاً أن موسكو لن ترفض عقد اللقاء من حيث المبدأ، وبعيداً عن طهران - وأداتها فى قصر المهاجرين - وربما عقاباً لها على ما فعلته بالباب، كما لا يمكن استبعاد تفكير أنقرة في ترسيخ وتكريس شرعية المجموعات الثورية المقاتلة ذات الخلفية الإسلامية مثل أحرار الشام، التي طالما نادت موسكو بضمها إلى لائحة المجموعات الإرهابية.

على عكس ما أشيع بالإعلام، وكان اصلاً مجرد انطباعات أو آراء لمسؤول غربي، ولس معلومات لا حتى تصريحات روسية أو تركية، فإن أنقرة لم تطرح معادلة الباب مقابل حلب، ليس فقط لأن الرئيس أردوغان رفضها علنياً وعلى الملأ، وإنما لأن مشكلة الباب ليست مع روسيا – طهران تمثل لروسيا مثل الأسد والحشد الشعبي اللبنانى لطهران - إنما مع الولايات وحلفائها وتحديدا بي كاكا السوري، فقد رفضت واشنطن وعلنياً تحرير الباب على يد الجيش السوري الحر، وأعطت الأولوية لتحريرها على يد أداتها في بي كاكا السوري، حتى مقابل انسحاب هؤلاء من منبج لطمأنة أنقرة. وهنا أيضاً تبدو خلفية موقف ادارة اوباما واضحة لجهة طمأنة حلفائها الجدد في طهران، كما تكريس موقفها بعدم الحسم في مصير النظام ، أنقرة من جهتها رفضت المقايضة الامريكية بشدة، وأصرت على معادلة الباب ومنبج معاً والحضور الجدى في معركة الرقة،لمنع التطهير العرقى والتغيير الديموغرافى أو حضور الارهابيين فى المعركة ، وهو ما ساهم في تليين موقف واشنطن في الفترة الأخيرة.

لا يمكن استبعاد  حقيقة أن التحول  النسبى فى موقف واشنطن من ملف الباب يأتى فى سياق إبعاد أنقرة عن موسكو أو حتى مراعاة مواقف الإدارة الأمريكية الجديدة المؤيدة لتفاهم أوسع مع تركيا، والابتعاد عن العلاقات مع المجموعات الإرهابية، ولكن تبقى النتيجة أو الاستنتاج نفسها في كل الأحوال تركيا لم تناقش قصة الباب مع موسكو، لأن التفاهم حصل أصلاً منذ البداية مع انطللاق عملية درع الفرات، ولأن المشكلة ليست مع روسيا، ولأن مشاغبة أو تشويش طهران لم تؤد إلى نتيجة سوى قصف ما زال غامض-ربما ليس لطهران- حتى الآن لنبل والزهراء.

فى العموم لم تؤد مفاوضات أنقرة إلى نتيجة، لأن روسيا لم تمتلك الإرادة، وربما أرادت كسب الوقت أو تخفيف الضغوط السياسية والإعلامية ضدها، أو حتى حث واشنطن على استئناف الحوار والمفاوضات معها، من أجل حلب والملف السوري بشكل عام، غير أن القيادة الروسية المستهترة بأوباما وإدارتها، والتي تعرف حقيقة ضعفه، عجزه، أو بالأحرى لامبالاته تجاه سورية، لن تصل إلى اتفاق جدي معه في الوقت الضائع، وستنتظر حتماً إدارة ترامب مع أمل كبير بالتفاهم، ولو على حساب طهران، وحتى النظام نفسه.

الهدف النبيل كان يستحق المحاولة بالتأكيد من قبل القيادة التركية، وتحول روسيا بقبول غربي ودولي إلى القوة الأبرز بسورية سبب اضافى يدفع أنقرة لمزيد التواصل معها، ولكن ضمن الثوابت التي حددتها القيادة التركية تجاه القضية السورية العادلة والمتمثلة بوحدة التراب السوري، محاربة الإرهابيين دون تمييز أو تفضيل، واعتبار أن لا مستقبل للأسد في سورية بعد ما ارتكبه من مجازر ضد الشعب السوري، وتدمير ممنهج للمدن والحواضر السورية ، وفي هذا الصدد، تمثل عملية درع الفرات والمنطقة الآمنة التي فرضتها شوكة في حلق النظام، ومن يسعون إلى تعويمه، وكأن شيء لم يقع، أو يسعون إلى تقسيم البلد وإقامة مزيد من الكيانات الإرهابية فيه.

التعليقات (1)

    Muhammadkattaa

    ·منذ 7 سنوات 4 أشهر
    بارك الله بهمم إخواننا الترك وأعزهم بعده آمين
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات