حلب ما بين نار عدو وتسويات مشبوهة!

حلب ما بين نار عدو وتسويات مشبوهة!
ما حدث ويحدث في حلب، ليس معركة بين نظام ومعارضة، ولا حربا أهلية، وهي ليست معركة متكافئة الأطراف، بل حرب إبادة اجتمع فيها كل شذاذ الآفاق، وأكثرهم خسة ونذالة، وأشدهم كرها للعرب والمسلمين وحقداً عليهم، فمن النظام الأقلوي، إلى ميليشيات أدعياء القومية العربية، إلى إيران وأشياعها من عرب وعجم، وصولاً إلى روسيا التي أعلنتها حربا مقدسة على مسلمي الشام، حتى مصر تشارك بعدد من طياريها، قيل إنهم ثمانية عشر طياراً.

 

المجازر التي ترتكبها روسيا ونظام الأسد بحق حلب، لم تتوقف ولو ليوم واحد، لكنها كانت الأعنف والأكثر دموية خلال الثلاثة أشهر الأخيرة، فقد ترافقت مع حملة برية مركزة، حشدت لها إيران كل ما إستطاعت جمعه من مرتزقة، وأرادتها معركة فاصلة أسمتها "قيامة حلب"، معركة دعمتها روسيا بغطاء جوي وبحري صاروخي من خلال أكثر من 30 قطعة بحرية، ما بين فرقاطة ومدمرة وطراد وسفينة بينها 4 غواصات، ترابط جميعها قبالة سواحل اللاذقية وطرطوس.

تصلنا الصور من حلب وكأنها أفلام إثارة وعنف، لا يمكن للعقل تصور واقعيتها، لكنها حقيقية أبطالها مدنيون عزل، بشر من لحم ودم، هي مشاهد ليست سينمائية لكنها صناعة أممية، قررت أنها لن تسمح للسوريين بالإنتصار على النظام الديكتاتوري المستبد. هي صور لم تحرك حتى العرب والمسلمين الذين إعتادت أعينهم على هذه المشاهد فما عادت تؤثر فيهم، وهذا إن دل على شيئ فإنما يدل على سقوط إنساني أخلاقي ديني كامل، فلا غيرة أو حمية ولا حتى شيئ من إنسانية.

حمية العرب اليوم، لا تشبه حميتهم إبان مسرحية العام 2006، وذلك عندما تحرك العرب من محيطهم إلى الخليج، دعما لحزب الله، فجندوا آلتهم الإعلامية، والسياسية، وحشدت الجماهير، وجمعت التبرعات دعما لحزب إيران، الذي تسبب بدمار لبنان من خلال معركة كاذبة أتاحت له السيطرة على كامل الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة، بل وإعادة تأهيل بنيته التحتية في أكثر من منطقة وموقع.

بوتين يعلنها حرب مقدسة، وإيران تعلن الجهاد في الشام، بينما العرب مشغولون بمكافحة الإرهاب السني؟!

أكثر من 100 ألف نازح عراقي عربي مسلم من الموصل، بسبب القصف الأمريكي وأكثر من 30 ألف نازح من حلب بفعل القصف الروسي، بينما جامعة العرب تندد بالإرهاب التركي؟!

كم هي مخزية تلك الصور التي بثتها ميليشيات إيران الشيعية لعناصرها وهم يتجولون بسياراتهم بينما تصدح مكبرات صوتها بلطميات وأغاني طائفية، هي شماتة ومحاولة إذلال الحلبيين المهجرين من منازلهم، والذين تم تصويرهم على أنهم مواطنون تم إجلائهم من مناطق سيطرة العصابات الإرهابية، ليكتمل المشهد بعد يوم واحد فقط بقصف مدفعي يستهدف تجمعا للاجئين في حي "جب القبة" الحلبي أوقع أكثر من 45 شهيداً، هي مجزرة تلتها مجازر. 

المفارقة أنه بالتوازي مع جرائم مغول العصر من فرس وروس وسوريين باعوا إنسانيتهم ووطنيتهم، نفاجأ أن بعض أطياف المعارضة السياسية والفصائل المسلحة تجتمع مع الروس وتفاوضهم في تركيا، ولا نسمع أو ندري بما يدور إلا من خلال ما يتم تسريبه في وسائل الإعلام العالمية، لم يخرج أي من مندوبي هذه الفصائل ليخبر شعبنا ويصارحه بحقيقة ما يحدث، وكأن هذا الشعب الذي إحتضنها، وصبر من أجلها على شظف العيش والحصار والتدمير، لا يستحق أن يعلم بما يحدث.

ما يحدث تحت الطاولة وداخل الغرف المغلقة، غير ذاك الذي يخرج للعلن، حتى بعد ستة أعوام لاتزال المعارضة بشقيها العسكري والسياسي تمارس بحق شعبنا، تقية تشبه إلى حد بعيد تقية الأنظمة العربية، وتقية إيران الدينية، وهو ما أدى إلى تعميق التشرذم الفصائلي، وفتح الباب أمام تقديم التنازل تلو التنازل، الأمر الذي تسبب بالإنهيار الحاصل على الجبهات وخسارة المحرر من الأرض. 

ما ضر ثورتنا شيئ كتقديس الأسماء، والتعصب للقريب والحزب والفصيل، فأصبح الجميع الا ما رحم ربي، يتحدث بمنطق فرعون: {مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَادِ} (غافر-29)

مفاوضات بين روسيا ومندوبين عن بعض الفصائل المسلحة برعاية تركية، يقابلها محادثات روسية أمريكية في جنيف، وعرض أوروبي مالي لنظام الأسد مقابل موافقته على تسوية سياسية، ومشاريع قرارات في مجلس الأمن، حراك محموم تسعى روسيا من خلاله للخروج بنتائج تتسلح بها أمام مؤتمر باريس بعد أيام، فهي تعتقد أن التسوية التي تم بموجبها إخراج أهالي داريا من مدينتهم، إضافة لما تلاها من إتفاقات في مدينتي خان الشيح والتل تصلح لأن تكون أساسا لكافة الإتفاقات المقبلة وعلى رأسها خروج المسلحين من حلب.  

لست هنا بوارد الطعن بمجاهدينا وثوارنا، الذين قدموا التضحيات العظيمة، والذين كانوا هم أنفسهم ضحية أطماع القيادات الفاشلة، لكن ألا يحق لنا أن نسأل هؤلاء القادة عن أسباب ما يحدث من تشرذم وإنهيارات وخسارة لأرض كان ثمنها آلاف مؤلفة من الأرواح التي صعدت إلى بارئها، أليس السبب هو حرصكم على امتيازاتكم ومصالحكم الشخصية؟ والظهور بمظهر القوي القادر على تنفيذ الأوامر؟ وصولا إلى الحصول على الدعم وقطعة من الكعكة السورية؟

هل قتل شعبنا وهجر ودمرت مدننا وقرانا ليحكمها بدل لص واحد، مجموعة لصوص ومرتزقة يتنفعون ويعتاشون على دماء شعبنا؟

حلب التي كانت بيضة القبان في ثورتنا، أصبحت في حكم الساقطة عسكرياً حتى وإن لم تسقط بشكل كامل وإستمرت فيها المعارك، ولو عدنا أسابيع قليلة إلى الوراء، فسنجد أن معركة فك الحصار عن الأحياء الشرقية قد نجحت وإلى حد كبير، لتنطلق بعدها معركة تحرير الشطر الغربي من المدينة، فما الذي حدث، وكيف إنقلبت موازين القوى رأساً على عقب؟

إذا أردنا ان نعرف ماذا يحدث في حلب، فعلينا أن نعرف ماذا يحدث في تركيا؟!

هل كانت حلب ثمناً لتحسن العلاقات الروسية التركية، وإنطلاق معركة درع الفرات لتأمين الحدود الجنوبية لتركيا؟ وهل أثرت مشاركة فصائل المعارضة التي حشدتها تركيا لمعركتها؟ هذه المعركة التي قال عنها الرئيس التركي إنها جاءت لإسقاط نظام الأسد، لكن الرئيس التركي لم يوضح لنا الطريقة التي سيسقط فيها نظام الأسد الذي بات اليوم في أحسن حالاته، بينما تراجعت تركيا عن تصريحات رئيسها بعد زيارة الوزير لافروف، لتقول إنه لا مطامع لها في الأرض السورية أو العراقية، وأنها تدعم تسوية سياسية؟

تركيا وبعد تحسن علاقاتها بروسيا باتت هي الراعي لمفاوضات فصائل المعارضة مع روسيا، حتى تلك المحسوبة على الولايات المتحدة، لكن تركيا ومع هذا تبدو غارقة في سلسلة أزمات ولعبة توازنات متناقضة، ولا يبدو أنها قادرة على الموائمة فيما بينها، فالتقارب مع روسيا، جاء في وقت جدد فيه الإتحاد الأوروبي رفضه إنضمام تركيا إليه، في حين أنها إستبعدت من معركة الموصل، لترد بنيتها الإنطلاق باتجاه منبج والباب والرقة، لكن الأمريكيين قطعوا عليها الطريق بإعلان وحدات حماية الشعب الكردية إنطلاق معركة الرقة.

كافة المعارك في الموصل والرقة والباب ومنبج، لازالت تراوح مكانها، ولا يبدو أننا سنشهد تطورات مهمة قريبا، لكن الثابت هو أن المعارك ضد تنظيم الدولة في سورية، إستنزفت الرصيد البشري من مقاتلي الفصائل السورية، وخاصة تلك المحسوبة على تركيا، ففشلت معركة الحفاظ على المحرر من مدينة حلب، وتوقفت معركة الشهيد مروان حديد بعد إفتعال المشكلة مع جند الأقصى، وسقطت التل وقدسيا وخان الشيح، وباتت الغوطة الشرقية مهددة، في حين أن إدلب نفسها أصبحت في مرمى نيران الطيران الروسي الأسدي الذي يتحضر لإسقاط آخر حواضن الثورة في الشمال السوري.

تركيا ستكون الخاسر الأكبر من كل ما يحدث على الساحة السورية، خاصة إذا ما إستمر هذا الإنهيار، الذي لن يؤدي سوى إلى حصارها وزيادة تعقيدات الوضع على الساحة السورية، فحتى لو سقطت حلب وإدلب لا قدر الله، إلا أن هذا لن يعني إستتباب الأمر للأسد وداعميه الروس والشيعة، بل سيؤسس لنقلة نوعية، قد نشهد خلالها زوال شركات المقاولة الثورية وولادة نوع جديد من أنواع الفصائل واستراتيجية قتالية جديدة تقلب الطاولة على الجميع.

في هذا الوقت تمارس روسيا عربدة عسكرية وإجراما قل نظيرهما، وذلك على أمل إخضاع الشعب السوري، بينما تستمر إيران بإرسال أشياعها وما يتم تشكيله من ميليشيات طائفية على غرار سرايا وئام وهاب (التوحيد) إلى سورية، ويعلن مسؤولوها عن خططهم وطموحهم بإنشاء حكومة إسلامية عالمية، وهو ما تحدث عنه دجال الضاحية في الثمانينيات عن إقامة دولة الولي السفيه، هذا الحديث الذي كان ذات يوم حلما صعب المنال لكنه وبفضل التخاذل العربي بات أقرب إلى الحقيقة، وبمساعدة الروس الذين يصرحون أنه لولاهم لرفعت الرايات السوداء فوق دمشق، لكنهم ساعدوا في رفع الرايات الخضراء والصفراء والحمراء فوق مساجد السنة وفي أكثر من مدينة سورية، فهذه ليست رايات طائفية إرهابية، كونها تقاتل المسلمين العرب السنة.

المحزن في الأمر أن إيران تتدخل في سورية علنا، فترسل حرسها وأشياعها جهاراً نهاراً، وتؤسس فيالق الباسيج، بينما لا يجرؤ أي من أصدقائنا على التدخل أو حتى التهديد به؟ فإذا كان أصدقاؤنا لا يجرؤون على التدخل ومواجهة إيران في سورية، فلماذا يشرذمون فصائل المعارضة، بدل توحيدها ودعمها وإطلاق يدها في مواجهة المشروع الصفوي؟ أم انهم أيضاً لا يجرؤون؟

يبقى الأمل معلقاً على ثلة من أبناء الأمة الشرفاء المخلصين الذين لن يفرطوا بدماء الشهداء، وسيستمرون في مقارعة الظلم والإجرام، بالرصاصة والكلمة ورغيف الخبز وعلبة الدواء، فشعب صبر وصمد كل هذا الوقت، لابد وأن ينتصر، لكنها الشام تتطهر، من الفساد والمفسدين لتعود خيراً مما كانت عليه، كيف لا وهي خيرة الله من أرضه. 

التعليقات (2)

    ابو عمر المصرى

    ·منذ 7 سنوات 5 أشهر
    احسنت التحليل لابد من التطهير اولا ثم التمكين لان الله جل فى علاه لا يخلف وعده ابدا

    Adeeb

    ·منذ 7 سنوات 5 أشهر
    مقال .. يشخص الواقع .. تم النشر .
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات