باسيج إيران السوري "الفيلق الخامس"

باسيج إيران السوري "الفيلق الخامس"
في محاولة منها لتعويض النزيف البشري الكبير لجنودها وقادتها العسكريين، الذي فاق الألف بإعترافها، ولسد العجز الحاصل على الجبهات، وعدم رغبتها بإرسال جنود إيرانيين، وعدم قدرتها على إرسال مزيد من أشياعها العراقيين، المنخرطون في معارك الموصل الطاحنة ضد العراقيين السنة، ولحين تجهيز وتخريج دفعات جديدة من الشيعة الأفغان والباكستانيين، أعلنت إيران وعلى لسان وكيلها في دمشق نظام الأسد "الأقلوي" يوم الثلاثاء، الثاني والعشرون من شهر نوفمبر \\\\ تشرين الثاني عن تشكيل فيلق عسكري جديد، أسماه النظام الفيلق الخامس إقتحام، وأسمته إيران "باسيج سورية"، وذلك على لسان العميد محمد رضا نقدي قائد قوات التعبئة الإيرانية التابعة للحرس الثوري الإيراني المعروفة بإسم "الباسيج" الذي صرح لصحيفة الشروق الإيرانية قالاً: إنه سافر إلى سورية وساهم مع الجنرال "همداني" في تشكيل قوات "الباسيج" هناك، وأن نتائج تشكيل هذه القوات قد ظهرت على الأرض بتحقيق نظام الأسد إنتصارات على المعارضة.

دعونا نتذكر أنه وقبل التدخل العسكري الروسي المباشر أواخر شهر إيلول \\\\ سبتمبر من العام 2015 كان نظام الأسد قد دخل مرحلة حرجة وصل فيها لأسوأ حالاته عسكرياً منذ بداية الثورة السورية في العام 2011، لقد كان حينها مهددا بالسقوط بشكل جدي، وذلك نتيجة تقهقر جيشه وميليشياته على كافة الجبهات، لكن التدخل الجوي الروسي المكثف، وتحرك وحدات حماية الشعب الكردية بغطاء أمريكي روسي، حالا دون ذلك، لتتحرك غرفة "الموك" وتعطي الأوامر لفصائلها بعدم التدخل في معارك الشيخ مسكين وعتمان، اللتان سقطتا بيد نظام الأسد وميليشيات إيران، بل وتعطي الأمر بفتح معركة إجتثاث حركة المثنى ولواء شهداء اليرموك بعد شيطنتهما.

"الفيلق الخامس إقتحام" يعتبر إستنساخاً للباسيج "الصفوي" الإيراني، ومحاكاة للحشد الشعبي "الشيعي" في العراق، الذي حولته إيران لباسيج عراقي، حيث تَشكّل من الميليشيات الشّيعة العراقية، ليضم لاحقا ميليشيات مسيحية، وهو تماما ماحدث في سورية، فالفيلق الخامس "باسيج سورية بدأ بالعلويين ثم الإسماعيليين فالمسيحيين، ليعلن لاحقاً عن فتح باب التطوع لمن يرغب من الطوائف والأقليات الأخرى، وذلك في محاولة لإكسابه الصفة الشرعية والوطنية، أملاً في إستقطاب المزيد من العناصر.

فكرة تشكيل هذا الفيلق ليست جديدة، لكنها اليوم تكتسب شرعية وزخما كبيرين من خلال تبني نظام الأسد لها وإشهارها، أو بالأصح رضوخه للأمر الواقع المتمثل بسيطرة الإيرانيين والروس على قراره، خاصة وأنه يعاني من النقص الحاد في العنصر البشري، فالإعلان عن تشكيل باسيج سوري تم في الشهر الثالث من العام 2015 من خلال تصريح لمستشار القائد العام للحرس الثوري الإيراني، اللواء حسين الهمداني، الذي قال: إن "الحرس الثوري الإيراني بدأ بتأسيس مجموعات دينية جديدة تابعة له في سورية تسمى "كشاب"، وتضم شباباً علويين، وإسماعيليين، ومسيحيين، وحتى سنة، معتبراً أن إنشاء قوات "الباسيج" في سورية من أهم إنجازات إيران خلال الأعوام الماضية.

تصريح "الهمداني" ترافق حينها مع تصريح المعمم "مهدي طائب"، رئيس مقر "عمّار" الاستراتيجي للحروب الناعمة، والذي يمكن إعتباره بمثابة غرفة تخطيط للحرس الثوري، حيث قال: إن "سورية هي المحافظة الإيرانية رقم 35 في ظل حكم الأسد"، مضيفاً أنها محافظة إستراتيجية ذات أهمية قصوى بالنسبة لإيران.

باسيج سورية الإيراني لن يكون سورياً، لكنه سيضم سوريين مؤدلجين بمرجعية شيعية، مهمتهم تنفيذ المخطط الصفوي الإيراني في سورية والمنطقة! 

"الباسيج" إختصار للعبارة الفارسية: "سازمان بسیج مستضعفین"، والتي تعني "قوات تعبئة الفقراء والمستضعفين"، وهي قوات شعبية شبه عسكرية تتألف من متطوعين، وأُسِّست بأمر من الخميني في نوفمبر \\\\ تشرين الثاني من العام 1979. أليست مفارقة أن يتم الإعلان عن تشكيل فيلق باسيج سورية في نفس الشهر؟

يقول الخامنئي: وخلال لقائه قادة ومسؤولين في الباسيج بتاريخ 27 نوفمبر\\\\ تشرين الثاني 2014، إن إيران "أصبحت غير قابلة للهزيمة بسبب وجود الفكر والعمل الباسيجي، الذي وصل إلى العراق وسورية ولبنان وغزة، وسيصل إلى القدس المحتلة قريباً!!

أما قائد قوات الباسيج الجنرال محمد رضا نقدي، فقد صرح لوكالة الأنباء الطلابية الإيرانية، مطلع عام 2014 أن إيران تعتزم إنشاء وحدات جديدة للباسيج في الأردن ومصر، بعدما خاضت تجربة تشكيلها في فلسطين ولبنان؟!

الباسيج الإيراني منظمة عسكرية أمنية إجتماعية فاعلة، قمعت الإحتجاجات الشعبية والطلابية في إيران، وقاتل عناصرها في العراق وسورية، وتضم في عضويتها أكثر من خمسة ملايين إيراني من أبناء الريف الفقراء، الذين تطوعوا فيها مقابل إمتيازات مادية ودراسية، (40% من مقاعد الجامعات للباسيج) ويتكون من قسمين الأول: "كتائب عاشوراء" للذكور و"كتائب الزهراء" للإناث".

مثلما أن الغرب بات يعتمد إستراتيجية إستخدام الأدوات البشرية المحلية، فإن إيران تستمر في ممارسة هذه الإستراتيجية التي خففت عنها عبئ إنخراط جيشها المباشر، في المعارك التي تخوضها ضد العراقيين، والسوريين، واليمنيين، وحتى اللبنانيين السنة، ومن يدري فقد تفتح بواسطة خلاياها النائمة، جبهات جديدة في دول عربية أخرى قريبا. 

يمكننا القول إن الولايات المتحدة الأمريكية وبعد هزائمها المذلة في العراق وأفغانستان، قد إقتبست إستراتيجية إستخدام الأدوات البشرية المحلية هذه من إيران، التي باتت هي نفسها أداة في يد غيرها، كونها توفر عليهم دفع فاتورة دم ضخمة، فنجاح إيران في إستقطاب وأدلجة أشياعها العرب وإستخدامهم أدوات في تنفيذ مخططها الصفوي في المنطقة العربية، أغرى الآخرين بإستنساخ تجربتها وتوظيف المتوفر من أدوات في منطقتنا، وما أكثرهم؟!   

في نظرة سريعة على بيان تشكيل الفيلق الخامس إقتحام، الذي لم يلقي له الكثيرون بالاً رغم أهميته وخطورته، سنجد أنه محاولة للإستفادة من زخم التقدم العسكري الذي حققه نظام الأسد بدعم إيراني روسي على عدة جبهات، وهو ترجمة لقرار إيران تشكيل هذه القوة العسكرية، والتكفل بنفقاتها، فالرواتب مغرية وتتراوح ما بين 200 و350 دولار للجندي وصف الضابط وقد تصل إلى 500 دولار للضابط، في حين أن رواتب العنصر في جيش الأسد لا تتعدى 100 دولار، و200 دولار لعناصر ما يسمى "الدفاع الوطني".

مما جاء في بيان تشكيل الفيلق: أنه "واستجابة للتطورات المتسارعة للأحداث وتعزيزاً لنجاحات القوات المسلحة الباسلة وتلبية لرغبة جماهير شعبنا الأبي في وضع حد نهائي للأعمال الإرهابية على أراضي الجمهورية العربية السورية تعلن القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة عن تشكيل "الفيلق الخامس إقتحام" من الطوعيين بمهمة القضاء على الإرهاب إلى جانب باقي تشكيلات قواتنا المسلحة البطلة والقوات (الرديفة) و(الحليفة) لإعادة الأمن والاستقرار إلى كامل أراضي الجمهورية العربية السورية".

صحيح أن هذا التشكيل الجديد سيكون خليطاً غير متجانس من الموظفين، والعاطلين عن العمل، والطائفيين، والعنصريين، واللصوص، وقطاع الطرق، والمجرمين، وأرباب السوابق، إلا أنه وبلا أدنى شك سيكون فيلقا بالمعنى الحقيقي للكلمة كونه سيضم ما لا يقل عن 20 ألف عنصر، لكن طموحات إيران تتعدى هذا الرقم، خاصة إذا ما قامت بإحتواء ودمج ميليشياتها، العاملة على الأرض السورية في هذا الفيلق الذي سيكون تحت قيادة ضباط من الحرس الثوري الإيراني ووحدات من حزب الله اللبناني.

لكن ما لا يعلمه المتطوعون في هذا التشكيل الجديد، الذي أكد في تسميته على صفة "إقتحام" هو أنهم سيكونون الأرخص، وسيتم التضحية بهم من خلال جعلهم رأس حربة في المعارك، تماماً على غرار ما يحصل مع الحشد الشيعي في العراق، وما حصل مع باسيج إيران إبان الحرب العراقية الإيرانية بين عاميْ 1980 و1988، حيث أُسندت إلى قوات الباسيج مهمة اقتحام حقول الألغام العراقية، وتمهيد الطريق أمام الجيش النظامي الإيراني، ما أدى لمقتل عشرات الألوف من عناصر الباسيج.

جيش الأسد وإلى ما قبل التدخل الروسي كان يضم 3 فيالق متهالكة، لكن روسيا وفي إطار خطتها لدعم النظام وتسويقه سياسيا قامت في الشهر العاشر من العام 2015 باستحداث فيلق رابع من خلال دمج عدد من مجموعات الشبيحة والتشكيلات الغير نظامية، لتعود إيران وتعلن عن تشكيل فيلقها الخامس، الذي سيؤدي حتما لترقية تابعها الأسد لرتبة "مشير"، وهذا أحد أسباب موافقة تابعها الأسد على فكرة تشكيل الفيلق.

نظام الأسد شجع حتى الموظفين على الإنضمام إلى الميليشيا الجديدة، وبموجب عقد مدته عام واحد قابل للتجديد، مع الاحتفاظ برواتبهم وتعويضاتهم التي يتقاضوها من أماكن عملهم، إضافة إلى الراتب الذي ستلقونه من الفيلق.

من المتعارف عليه أن الفيلق يضم أربع فرق، يتراوح تعداد عناصر كل منها، ما بين 20 و30 ألف جندي، وهو ما لا يتوفر حاليا، فأصبحت فيالق وفرق النظام خلبية "وهمية" وأشبه ما تكون بفيالق وفرق المعارضة المسلحة، التي لا يتناسب تعداد عناصرها مع ما يطلق عليها من ألقاب وتسميات!!

الفيلق الخامس إقتحام، لا يشبه فيلق المعارضة الخامس الذي تشكل بتاريخ السابع من شهر سبتمبر \\\\ إيلول من العام 2014 في ريف إدلب، بدعم من "الأصدقاء" بهدف قتال تنظيم الدولة الإسلامية، ولا فيالق نظام الأسد منتهية الصلاحية، لكن من المتوقع أن يمثل هذا الفيلق التابع للحرس الثوري، نقلة نوعية في الصراع السوري ولعبة التوازنات العسكرية على الأرض، وسينقل الصراع الطائفي وتخندق الأقليات إلى مستويات جديدة، كونه ذراع إيران الطائفية الضاربة في سورية، وبعدد ربما سيفوق 100 ألف مقاتل، لن يكون لنظام الأسد أي سيطرة عليهم، حتى مع إعلان تبعية الفيلق لما يسمى "الدولة السورية"، التي وعلى العكس سيخضع نظامها لإمرة "باسيج سورية" الإيراني، وعلى غرار ماهو حاصل في لبنان والعراق، وحتى في إيران نفسها! 

مثلما أن النار بحاجة إلى وقود، فإن الحرب بحاجة إلى بشر، يتم حشدهم تحت أسماء وعناوين وشعارات شتى، منها ما هو وطني أو قومي أو ديني أو حتى مادي بحت، لكننا سنجد أنه في الحالة السورية فإن نظام الأسد وإيران قد رفعوا كافة هذه الشعارات، فمن ثارات آل البيت "كسرى" إلى التماهي مع شعارات محاربة الإرهاب، فالشعارات الوطنية والقومية، وصولاً إلى إطلاق يد ميليشياتهم، كي تنهب كل ما تستطيع الوصول إليه من أموال وممتلكات المسلمين في العراق وسورية، وما "أسواق السنة" التي تباع فيها المسروقات في هذين البلدين، إلا خير شاهد وأكبر دليل على ما يرتكبه مغول العصر من جرائم وعمليات سلب ونهب.

في أحدث تصريح من نوعه، أكد رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، اللواء محمد باقري، لوكالة تسنيم المقربة من الحرس الثوري قبل أيام قليلة، أن مئات الآلاف من ميليشيات الباسيج التابعة للحرس الثوري ينتظرون إذن المرشد للقتال في سورية. باقري برر إرسال إيران قواتها وميليشياتها الطائفية إلى سورية والعراق وغيرها من البلدان العربية، بالقول: إن "هؤلاء المقاتلين "مدافعو الحرم" دخلوا ميدان الحرب من أجل توفير الأمن وترسيخ قواعده في إيران وبلدان العالم الإسلامي"!

إيران ومنذ شهور عديدة تحشد للمعركة التي أسمتها "قيامة حلب"، وهو ما حذرنا منه مراراً وتكراراً، لكن لا حياة لمن تنادي، فالكثير من فيالق وجيوش وحركات وفرق وألوية "المعارضة المسلحة"، عبارة عن تشكيلات خلبية "وهمية" متناحرة لا تكاد تجتمع على معركة إلا وتنفض عن بعضها فلا تكملها، أما السبب فهو التبعية وتضارب الأجندات والبحث عن داعم، مع العلم أن كافة أسباب وموجبات الوحدة قد توفرت لها، بعض هذه الفصائل لا يتجاوز تعداد عناصرها 250 عنصراً، وبعضها لا يتعدى العشرات، لكنها مشيئة الداعم، أرادت لنا أن نبقى مشرذمين من خلال هذا الكم الكبير من الفصائل المتناحرة، التي يعتبر كثير منها كغثاء السيل، لا يسمن ولا يغني من جوع!

التعليقات (2)

    عامر

    ·منذ 7 سنوات 5 أشهر
    كلام جميل لكن هذا الفيلق كما هي الفيالق التي قبل لن يستطيع عمل اقتحمات من دون غطاء من الطائرات الروسية لكن المصيبة هنا هو دخول الاقليات على الخط بشكل مباشر بجانب الحلف الصفوي الارذكسي بعد ما كان سابقاً بشكل شبه سري اما ما يتعلق بالمعارضة وخاصة جماعة الموك نقول يا حيف وراح تندم في وقت لا ينفع الندم

    خليل المقداد

    ·منذ 7 سنوات 5 أشهر
    صدقت أخي عامر لكن يبقى الأمل بالله وبالثلة الصادقة المخلصة الصابرة التي سيكتب الله النصر على يديها
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات