قانون قيصر.. صفعة لأوباما.. رسالة لترامب

قانون قيصر.. صفعة لأوباما.. رسالة لترامب
أقر الكونغرس الأسبوع الماضي قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا الذي اتهم بشار الأسد بارتكاب جرائم حرب قتل 400ألف مواطن، ، تشريد 14 مليون آخرين. وتدمير نصف سورية وبعدما استعرض أسلحة الإبادة التي يستخدمها بشار ونظامه ضد الشعب السوري، دعا إلى معاقبته وداعميه في روسيا وإيران، تحديداً كما دعا المجتمع الدولي إلى عدم مواصلة السكوت على الجرائم التي يرتكبها النظام وحلفاؤه بحق الشعب السوري.

القانون الذي كان معد وجاهزاً للتصويت منذ شهر تموز/يوليو الماضي تدخل البيت الأبيض، أولاً لتخفيف مضمونه ولهجته، ثم لمنع التصويت عليه في تشرين أول/أكتوبر بحجة أنه يؤثر سلباً على المفاوضات الأمريكية الروسية من أجل العودة إلى التهدئة والعملية السياسية في سوريا.

رفض أوباما إقرار القانون لأنه كان طوال الوقت بمزاج تعاون وتنسيق مع داعمي النظام الأساسيين أي روسيا وايران، وهو تغاضي عن بقاء الأسد في السلطة، وكان منفتحاً ليس فقط على دور له في الفترة الانتقالية، وانما حتى  على مشاركته في الانتخابات الرئاسية القادمة. كما قال وزير الخارجية جون كيري في التسريب الشهير الشهر الماضي.

أوباما يعرف طبعاً أن إيران وروسيا هم داعمي النظام وسبب بقائه، حتى الآن ولو بشكل ضعيف ومحدود وعلى نصف الأراضي السورية، وهو كان يريد الصفقة المزدوجة معهم، أولاً التسوية مع إيران حول ملفها النووي بذريعة أو وهم دخول التاريخ، ولم يكن يمانع إعطائها بشار وسورية وحتى العراق كهدايا لها لتشجيعها على التنازل عن مشروعها النووي ، وقد وعبر عن ذلك صراحة في جداله الشهير مع وزير الدفاع المستقيل تشاك هيغل حول مقاربته أو بالأحرى تنازلاته الإيرانية، وهو من جهة أخرى يحتاج طهران وميليشياتها في العراق بحجة محاربة داعش، وأيضاً بوهم دخول التاريخ بمحاربة وهزيمة  التنظيم، الذى أقام له حلفاء إيران دولته بركائزها وأسسها الجوهرية مثل الأرض الموارد والسلاح.

في سورية لم يعترض أوباما على التدخل والاحتلال الروسي، وبدأ الأمر أولاً مع صفقة تخلى النظام عن سلاحه الكيماوي بعد جريمة الغوطة-2013- التي كانت بمثابة سحب السلاح من المجرم مع اعطائه الحق أو غض النظر عن مواصلة جرائمه بوسائل وأسلحة أخرى، وأراد التوصل كذلك إلى تسوية سياسية معها باعتبارها قائدة لتلك العملية، ولهث وزير خارجيته جون كيري من تنازل إلى تنازل خلف موسكو، لدرجة القبول بالأسد رغم جرائمه الموصوفة، ليس فقط خلال المرحلة الانتقالية، وإنما حتى في المرحلة النهائية والتنافس في الانتخابات الرئاسية القادمة، قبل أن يكتشف أن روسيا تفضل فى الحقيقة الخيار الشيشاني، وتريد تنازلات إقليمية دولية أمريكية وغربية كبرى من أجل إيقاف المجزرة بحق سورية وأهلها.

يمثل إقرار القانون إذن فضيحة صفعة لأوباما وإدارته الراحلة، وبالحد الأدنى يظهره كمتغاضي أو متواطىء في الجرائم التي يرتكبها النظام وحلفاؤه في سورية، ومن ناحية أخرى فإنه يمثل رسالة واضحة لترامب وإدارته الجديدة بعدم الذهاب بعيداً في التقرب والتودد لروسيا، أو إضفاء شرعية على النظام بحجة مساهمته في الحرب ضد تنظيم داعش.

القانون يظهر بالتأكيد توحد أو توافق المؤسسة السياسية والحزبية في واشنطن تجاه القضية السورية، ومقاربة موحدة لأسبابها وحيثياتها، تدين نظام بشار الأسد بارتكاب جرائم حرب موصوفة بحق الشعب السوري، وهذا الفهم لا يتعلق فقط بالمدلولات القانونية بمعنى معاقبة الفاعلين على جرائمهم، وعدم نجاتهم بافعالهم وإنما سياسي يتعلق بشكل التسوية أو الحل السياسي، المفترض أن لا يكون لبشار أي دور فيه، ولو في المرحلة الانتقالية.

القانون يراكم من جهة أخرى الصعوبات أمام أي ميل لترامب للتفاهم والتقارب مع روسيا أو مواصلة غض النظر عن بشار ونظامه، واعتبارهم جزء من الحل، وليس المشكلة، وهو يظهر أن التقدم فى العملية السياسية لا يتحقق بالتودد أو النفاق لروسيا، إنما بالضغط الجدي عليها وتهديدها بمواجهة العزلة والعقوبات تماماً كان الحال في أوكرانيا.

ترامب الذى يحتاج إلى المؤسسة والحزب الجمهوري، ولا يستطيع الاستغناء عنهم، إذا ما أراد المضي قدماً في برنامجه الانتخابي وتحقيق إنجازات اقتصادية واجتماعية داخلية ملموسة وسريعة، سيكون مضطراً للاستماع إلى وجهة نظرهم في القضايا الخارجية، وتحديداً العلاقة مع روسيا وايران بما في ذلك القضية السورية طبعاً.

القانون يظهر بالتأكيد المزاج السياسي الأمريكي في الكونغرس ، وحتى في الادارة الجديدة نفسها مع التعيينات الاخيرة ،  المزاج المتشدد مع ايران وغير المندفع أو اللاهث وراء التعاون مع روسيا ، وستكون عودة في القضايا الخارجية الى منهج الجمهوريين التقليدي بدون  محافظيهم الجدد-المنتهين عموما- وهو منهج يعتبر روسيا عدو،  والتسوية معها لا تكون بتقديم إنجازات أو مكاسب مجانية لها ، وفى الحد الأدنى القطع مع فكرة اوباما عن عدم الممانعة في تقديم سورية لها ولحلفائها شرط التجاوب مع عملية سياسية ما تستلزم منهم تقديم تنازلات جدية وملموسة، حتى مع القفز فوق روح وجوهر اعلان جنيف ، لصالح  الفكرة الإيرانية المتمثلة بحكومة الوحدة الوطنية، مع دورما لبشار في المرحلة الانتقالية وحتى النهائية للحل السياسي ، ولكن مع مواكبة جدية من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، ودستور جديد يقطع مع ذهنية الاستبداد والحزب الواحد ، وهى الفكرة التي انهارت واتضح أنها سراب ليس إلا،  مع نزوع  موسكو وطهران الى الحل العسكري والخيار الشيشاني، لفرض الاستسلام على المعارضة الارهابية كلها بنظرهم  طالما لا تقبل بالانضواء تحت عباءة النظام وحلفائه.

قانون قيصر سينعكس كذلك على وهم أو أكذوبة محاربة الارهاب التي تبناها الرئيس المنصرف اوباما ، والتي  تعتمد على إرهابيين موصوفين و حتى دول متورطة علناً بدعم الارهاب وجلب الميليشيات الاجرامية الى سورية  كما في الحالة الايرانية ، وسيكون  بالتأكيد اعتماد أكثر على حلفاء الولايات المتحدة التقليدين في تركيا والسعودية و التشدد تجاه بشار الاسد وحلفائه ووضعهم بالتالي  أمام تغيير جدى لموازين القوى على الأرض او القبول بعملية سياسة واقعية نزيهة وقابلة للحياة على أساس إعلان جنيف دون تذاكي و تحايل.

لابد من الاشارة الى حقيقة أن لا أحد يطلب تدخل عسكري أمريكي مباشر، كما يتحدث أوباما دائماً في محاولة للفت الانتباه والتنصل من مسؤولياته، وتواطؤه وسكوته عن الجرائم الذي ارتكبها حلفاؤه الجدد في سورية، والمطلوب فقط دعم المعارضة أو رفع الفيتو عن دعم أصدقائها لها ، وتحديد خطوط حمر سياسية لروسيا بالتوازي مع السعي لتغيير جدي لموازين القوى على الأرض.

يجب الانتباه كذلك الى أن مواقف قادة كبار في الحزب الجمهوري مثل السيناتور جون ماكين، ومسؤولين بارزين  اخرين في الكونغرس كما في الادارة الجديدة ، المتشدد تجاه ايران والمنفتح بالمقابل على التعاون مع تركيا في مواجهة الارهاب وتفهم موقفها تجاه القضية السورية ، ستنعكس إيجاباً على السياسة الامريكية الجديدة في المنطقة ، واذا ما وقع اوباما فعلاً قانون قيصر كما هو متوقع فان هذا سيضيق بالتأكيد الخيارات أمام ترامب تجاه إيران و روسيا في سورية تحديداً.

التعليقات (3)

    فرحان

    ·منذ 7 سنوات 5 أشهر
    هذا الاوباما سيسجل سبقا في تاريخ التخاذل والدونيه والتخانث وسيجني على كل السود وبسببه سيكون هو اول وآخر رئيس اسود يحكم البيت الأبيض

    نبيل حواش محمد السيد عامر مصر

    ·منذ 7 سنوات 5 أشهر
    قانون قيصر.يحاكم من.. امريكا..روسيا..تركيا..ايران..دول الخليج..حزب الله..وباقى الجماعات الاخرى..ولاتنسى نتنياهو كل هؤلاء شركاء فىدمار سوريا وقتل وتهجير الشعب الاعزل..فضلوا المصالح على حساب الانسان ..

    نبيل حواش محمد السيد عامر مصر

    ·منذ 7 سنوات 5 أشهر
    قانون قيصر.يحاكم من.. امريكا..روسيا..تركيا..ايران..دول الخليج..حزب الله..وباقى الجماعات الاخرى..ولاتنسى نتنياهو كل هؤلاء شركاء فىدمار سوريا وقتل وتهجير الشعب الاعزل..فضلوا المصالح على حساب الانسان ..
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات