الرقّة.. ما الفرق بين عزلها وتحريرها؟

الرقّة.. ما الفرق بين عزلها وتحريرها؟
أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية في بيان رسمي الثلاثاء الماضي 8 تشرين الثانى وبعد انتهاء زيارة رئيس الأركان المشتركة الجنرال جو دانفورد لأنقرة، أنه تم التوصل إلى خطة أمريكية تركية بعيدة المدى من أجل تحرير مدينة الرقة من داعش المحافظة عليها، وإدارتها بعد ذلك حسب ما ورد  حرفياً في بيان وزارة الدفاع الأمريكية.

البيان كما الزيارة المفاجئة وغير المعلنة مسبقاً لرئيس الأركان الأمريكي لأنقرة، جاء بعد أيام قليلة من إعلان ناطقين باسم بي كاكا السوري بدء ما وصفوه بمعركة عزل الرقّة، وليس تحريرها، وأن بي كاكا السوري سيشارك وحده في العملية. وأنه تم التوافق مع واشنطن على استبعاد تركيا وثوار الجيش السوري الحرّ منها.

طبعاً، كالعادة كان ثمة مبالغات في تصريحات مسؤولي بي كاكا المتبجحة والمنفصلة، وجرى تجاهل أو القفز على الفرق بين عملية عزل المدينة، ثم معركة تحريرها، فيما بعد وجرى التهويل والزعم أن ثمة 30000 عنصر جاهزين للمشاركة في عملية العزل. وهذا الرقم مبالغ فيه جداً طبعاً، ويتم الحديث عن 8000 عنصر فقط، وبالتأكيد هم غير قادرين حتى عن عزل المدينة بالمعنى العسكري الدقيق، ناهيك عن خوض معركة تحريرها فيما بعد.

رئيس الأركان الأمريكي دانفورد كان قدّم شروحات وإيضاحات مهمة، إضافة إلى بيان وزارة دفاعه تحدث فيها عن اقتناعه بأن بي كاكا السوري ليس الحلّ المناسب للسيطرة على الرقّة وحكمها، وأنه سيتم بالتأكيد الاعتماد على أبناء المدينة والمنطقة، وعلى مقاتلي الجيش الحرّ، وأن التباحث سيستمر مع تركيا حول معركة التحرير التي ستستمر شهور طويلة. وكما جاء في البيان فقد جرى التوصل فعلاً إلى خطة  طويلة المدى لتحرير المدينة المحافظة عليها وإدارتها فيما بعد. 

نائب رئيس الوزراء التركي نعمان قورتلموش أضاء على جزء اخر من المشهد ، حيث قال بعد اجتماعات مجلس الوزراء التركى الاثنين الماضى-7 تشرين ثانى نوفمبر- أن واشنطن قدمت تعهدات بعدم دخول بى كا كا السورى إلى الرقة ، وأن بلاده لن تقبل ابداً هذا الأمر كما أى عمليات تغيير ديموغرافي أو تطهير عرقي في المنطقة . 

بدا وكأن ثمة تضارب أو تناقض بين تصريحات مسؤولي بي كاكا وبيان وزارة الدفاع الأمريكية، وتصريحات رئيس الأركان الجنرال دانفورد في أنقرة، ناهيك عن  السعى للتمييز الواضح والصريح بين عملية عزل المدينة التي ستستغرق أسابيع، وربما شهور، وبين معركة تحريرها من داعش والتي ستستغرق بالتأكد شهور طويلة.

واشنطن بدت  فى عجلة من أمرها لإطلاق معركة الرقة لتحقيق أهداف سياسية واعلامية وحتى عسكرية تتعلق برغبة الرئيس الأمريكى باراك اوباما والادارة الحالية في تحقيق إنجاز ما قبل الرحيل،  أو حتى منع داعش من إرسال مقاتلين من المدينة إلى الموصل -وربما العكس - واخترع الأمريكان مصطلح أو قصة عزل المدينة الآن وليس تحريرها،  للتخفيف من التوقعات نظراً للاقتناع أن المعركة ستكون طويلة شهور وليس اسابيع كما لابقاء كل الخيارات على الطاولة خاصة فيما يتعلق بالمواقف والتصورات التركية التى قال  الجنرال دانفورد أنه يعمل عن كثب لتفهمها وبلورة رؤية أمريكية تركية مشتركة للمعركة كما لقتال داعش بشكل عام .

الإدرة الأمريكية تعرف طبعاً أن خارطة الطريق  المشتركة بين الجيش الحر وتركيا تتضمن مدن الباب منبج ومن ثم الرقة و الأولوية الآن هي لإقامة المنطقة الآمنة -5000 كم- التى سيتم توسيعها ايضاً كما قال رئيس الوزراء بن على يلدريم منذ ايام ، وبالتالي فإن  الرقة  ليس على جدول الأعمال في المدى المنظور على الأقل بعكس رغبة وجدول الاعمال الامريكى المعمول به حاليا .

اذن أرادت واشنطن إطلاق معركة الرقة بمرحلتها الأولى المتمثلة بعزل المدينة ، واستمرت فى نفس السياسة المتمثلة بالاعتماد على بى كا السوري نظرا للكلفة السياسية وحتى الميدانية المنخفضة وربما أرادت تعويضه وابقائه تحت جناحها،  نظراً لوعدها الصريح للاتراك بانسحابهم أو إجبارهم على الانسحاب من مدينة منبح وعدم احتلال مدينة الباب والتواجد فى منطقة غرب الفرات ، والتخلي بالتالي عن حلم و بالاحرى وهم الكيان العرقي المتتد والمتواصل جغرافيا من الفرات شرقاً حتى عفرين غرباً .

إدارة اوباما التى لا تريد إجراء تغيير جذرى على سياساتها فى محاربة داعش في الرمق الاخيرمن عمرها كما لا تريد تكبيل أو فرض خططها علي الادارة الجديدة ، تعرف  جيداً الحساسية التركية تجاه بى كا كا السورى و الإصرار على التواجد فى معركة الرقة كما كان الحال في معركة الموصل لحماية مصالحها المتطابقة مع مصلحة الثوار السوريين و أهل المنطقة او المنطقتتين بالاحرى، وهى أي واشنطن ليست بوارد خسارة انقرة لدورها المهم والمركزي والذي لاغنى عنه فى محاربة داعش وحلف الناتو بشكل عام ، ومن هنا جاء رئيس الأركان دانفورد الى أنقرة بشكل مفاجىء،  للتباحث حول كل ذلك اضافة طبعاً إلى القلق الأمريكى من زيارة رئيس الاركان التركي الى موسكو الاسبوع قبل الماضى ،  والتى تمحورت حول قتال داعش كما معركة الباب التى يصر الجيش الحر على تحريرها مدعوما طبعاً من القوات التركية .

هنا اطلقت واشنطن فكرة المرحلة الثانية والأساسية من معركة الرقة والمتعلقة بتحريرها المحافظة عليها وإدارتها  فيما بعد،  والتى ستتم وفق الشروط او الضمانات التى تطالب بها تركيا التى لا غنى عنها فى المعارك الكبرى ، وتتضمن كراسة الشروط والضمانات عدم مشاركة بى كا كا السورى فيها،  والاعتماد على القوى المحلية وأبناء المدينة والمنطقة، والقوات العشائرية التى دربتها أوساهمت تركيا بتدريبها وتجهيزها إضافة طبعاً الى قوات الجيش الحر المنخرطة الآن فى عملية درع الفرات والتى تحتاج إلى شهور للانتهاء منها .

ربما تكون قصة عزل الرقة سياسية إعلامية ودعائية أكثر منها عسكرية وميدانية، والمعركة الحقيقة أي معركة التحرير لن تنطلق قبل شهور، وقبل استلام الإدارة الأمريكية الجديدة لمهامها ، علماً أن المعركة كبرى وتحتاج إلى عشرات الآف المقاتلين ومواكبة حثيثية ليست جوية فقط وإنما استخباراتية برية من قوات خاصة لدول التحالف الدولي ، ومن الصعوبة بمكان الاستغناء عن الحضور التركي المركزي الذى سيكون متسقاً مع أسس وركائز السياسة التركية المعلنة والحاضرة طبعاً فى الخطة الأمريكية التركية طويلة المدى لتحرير المدينة المحافظة عليها وإدارتها بعد طرد داعش منها بنموذج أقرب الى نموذج جرابلس منه الى نموذج منبج -الفالوجا .  

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات