لقاء لوزان… الخلفيات والافاق

لقاء لوزان… الخلفيات والافاق
عقد لقاء لوزان السبت بمشاركة أمريكا روسيا تركيا السعودية قطر وحضور متأخر لإيران العراق مصر والاردن. وكما أعلن من قبل واشنطن وموسكو، فإن  هدف اللقاء تمثل بمناقشة الوضع في سورية ومحاولة البحث عن حلول  للواقع الميداني والسياسي المأزوم خاصة في حلب.

مبدئياً يمثل لقاء لوزان اعتراف مباشر بفشل القناة الثنائية الأمريكية الروسية، بعدما استفردت بالعمل بالنيابة عن المجموعة  الدولية التي انبثقت عن قمة فيينا نهاية العام الماضي، وهي القناة التي همّشت أو استبعدت معظم المعنيين بالقضية السورية - بما فيهم النظام السوري نفسه - ووصلت طبعاً إلى طريق مسدود بعد الفشل في تحقيق نجاح ملموس في القضيتين البارزتين المطروحتين على بساط البحث، والمشغول عليهما من قبل لجنة العمل الإنساني لإدخال المساعدات، ورفع الحصار والإفراج عن المعتقلين ولجنة وقف إطلاق النار من أجل فرض التهدئة على كامل الأراضي السورية لإنجاح عمل المجموعة الأخرى، كما لتهيئة الظروف أمام الحل السياسي وفق إعلان جنيف وقرار مجلس الأمن رقم  2245.

رغم الفشل الثنائي إلا أن واشنطن وموسكو ترغبان في مواصلة الاستحواذ على القضية السورية، حتى ضمن لقاء لوزان موسع الذي يمثل في حدّ ذاته رغبة أمريكية روسية في منع الآخرين من التحرك بحرية أو على الأقل ضمان ألا تتجاوز حركتهم الخطوط الحمر المرسومة أمريكياً على الأقل، على اعتبار أن لا خطوط حمر واضحة وصريحة لموسكو، التى لعبت وتلعب أصلاً ضمن المتاح أو الفراغ المرسوم والمصنوع أمريكياً، وعن سبق إصرار وترصد.

تلكؤ إيران فى تاكيد إعلان حضورها وتاخير ذلك حتى اللحظات الاخيرة  ليس سوى تحايل وتلاعب للتأكيد على أهميتها أو تأثيرها، والأهم من ذلك هو تعبير عن رغبة سياسة إيرانية راسخة لا تحبذ اللعب تحت الأضواء، وفي العلن، وإنما في السرّ وبعيداً عن الكاميرات، وضمن قنوات ثنائية مع واشنطن لا ثلاثية أو متعددة. وهنا تحضر ذهنية الميليشيا المولعة بها طهران بعيداً عن ذهنية الدولة أو القيود الرسمية التي قد تحول دون اتباع السياسة التشبيحية والإجرامية بشكل معلن.

حضور مصر والعراق كان زائداً ولا داعى له وهو يعبر فى حد ذاته عن إصطفاف مصرى واضح الى جانب محور موسكو طهران المنطقة الخضراء-بغداد- القرداحة وضاحية بيروت الجنوبية خاصة بعد خروج القاهرة من مجموعة اصدقاء سورية  والعاصمة المصرية المستنزفة والغارقة فى مشاكلها والعاجزة حتى عن مساعدة نفسها لن تكون بوضع يسمح لها بمساعدة الاخرين بعدما باتت جزء من الازمة وليس الحل فى المنطقة  والاهم من ذلك ان مجرد الاعلان عن الحضور المصرى العراقى كان تاكيد على عدم اهمية المؤتمر او على الاقل عدم جاهزيته للخروج بقرارات حاسمة أو حلول عادلة نزيهة للقضية السورية.

بدا لافتاً  طبعاًغياب باريس ولندن عن لقاء لوزان، وهذا يعود إلى الاحتقان مع موسكو في الفترة الأخير، خاصة بعد الفيتو الروسي في مجلس الأمن ضد القرار الفرنسي، وتصعيد وزير الخارجية البريطاني ضد الجرائم الروسية فى حلب، غير أنه أي الغياب يعود أساساً إلى ضيق واشنطن من المواقف الأوروبية المرتفعة التي تتجاوز السقف الأمريكي، والتي تحرج واشنطن بعدما خلقت الأخيرة قناة ثنائية منفصلة مع الروس، وروّجت لفكرة التوصل لحل سياسي عبر العمل  الثنائي المشترك، والزعم أو ابتلاع طعم رغبة موسكو في ذلك ، بعد الاعتراف أو الإقرار الغربي بدورها، أو احتلالها لسورية في تناقض مع الموقف العكسي الذي اتخذه الغرب نفسه في أوكرانيا، علماً أن روسيا فعلت فيها نفس ما فعلته سورية.

يفترض أن اللقاء سعى إلى بلورة قواسم مشتركة بين القوى الرئيسية المعنية بالملف السوري أو العودة بطريقة ما إلى تفاهم وقف إطلاق النار الأمريكي الروسي في 9 أيلول/سبتمبر الماضي غير أن الملحّ الآن هو وقف المجزرة في حلب، وإدخال المساعدات إليها بعيداً عن نموذج التهجير والتطهير العرقي، وهذا أمر مشكوك فيه طبعاً قياساً إلى المواقف الروسية المعلنة، وحتى مواقف النظام نفسه.

اللقاء سعى كذلك إلى منع القطيعة، وإبقاء القنوات الأمريكية الروسية سالكة بعد التصعيد الأخير بينهما، والاحتفاظ ولو نظريا بفرصة التوصل إلى وقف إطلاق نار أو تهدئة ما تسمح بإدخال المساعدات، وتنفيس الغضب العربي الأوروبي والعالمي من مجزرة حلب.

 غير أن أهم أهداف اللقاء تمثل بسعي إداراة أوباما لعدم تدهور الأوضاع في سورية إلى الأسوأ قبل الانتخابات، وقبل التسليم والتسلّم بين الرئيسين وعلى الأقل  العمل لإبقاء الوضع على حاله، إن لم يكن بالإمكان تحسينه ولو نسبياً مع رفع الحرج عن الرئيس أوباما أو إجباره على اتخاذ خطوات عسكرية ضد سياساته المتبعة منذ سنوات، ما يعني إقرار علني ومباشر بفشلها ووضع ذخيرة في يد منافسيه الجمهوريين على أعتاب الانتخابات الرئاسية والتشريعية ايضاً.

لا شك أن واشنطن خشيت أيضاً من تأثير تراجعها أو عجزها أمام روسيا والنظام على معركتها الرئيسية مع داعش في الموصل، وحتى في سورية نفسها، ومع السقف المتصاعد للموقف العربي الإسلامي التركي السعودي ضد مجزرة حلب، والسياسات الأمريكية بشكل عام باتت التهدئة مطلوبة للعمل لبلورة قواسم مشتركة أخرى تسمح على الأقل بإبقاء الوضع في سورية على حاله، دون تغيير كبير، ولكن مع التركيز على مشاركة كل القوى حتى المتناقضة منها في معركة الموصل في العراق، وهي مهمة قد تكون مستحيلة خاصة مع قناعة أوباما المتجذرة بالاستعانة بإيران وحلفائها الإرهابيين من الحشد الشعبى الذين لا يطلبون أثمان باهظة من الإدارة، وتتماشى أيضاً مع رغبتها بالانكفاء، وعدم الانخراط في المنطقة.

مشاركة تركيا لافتة طبعاً في لقاء لوزان، خاصة أنها كانت من القوى التي وقفت وراء عقد اللقاء كما أعلن رئيس الوزراء بن على يلدريم، وهي أي المشاركة كما الحوارات الخلفية تمثل اعتراف واضح وصريح بأنقرة كلاعب رئيسي في الملف السوري، خاصة بعد عملية درع الفرات، و التقارب اللافت مع السعودية قطر ودول الخليج بشكل عام. تركيا طرحت طبعا مقترح  تضمن مجموعة أفكارعن وقف إطلاق النار، إدخال المساعدات الى حلب تحديداً، والعمل المشرك ضد التنظيمات الإرهابية دون تمييز او تفضيل، وإقامة المنطقة الآمنة لإيواء اللاجئين، وتهيئة الظروف أمام الحل السياسي والمفاوضات وفق إعلان جنيف وقرار 2254 المنظمان للعملية السياسية في سورية مع التأكيد طبعاً على وحدة الاراضى السورية ورفض الافكار والخطط التقسيمية والانفصالية.

.عموماً بدا مستبعداً احتمال توصل لقاء لوزان إلى نتيجة ملموسة وفورية، وهو هدف أساساً إلى إبقاء قنوات التواصل مفتوحة بين مختلف الفرقاء أو على الأقل إبقاء الواقع على ما هو عليه، ومنع ذهابه نحو الأسوأ. مع السعى لايقاف مجازر حلب وادخال المساعدات الى المناطق المحاصرة أو خلق بيئة مناسبة لمقاربة مختلفة من النواة الصلبة لاصدقاء سورية وتحديدا  أنقرة الرياض والدوحة بمساندة من باريس ولندن لدعم الثوار بأسلحة نوعية لافشال الخيار العسكرى الروسى وتخيير موسكو بين الحل السياسى  وفق اعلان جنيف وقرار 2254 او مواجهة حرب استنزاف فى سورية لا يمكن ان تربحها لا هى ولا حلفاؤها بما فيهم النظام الميت اكلينيكا والذى تسعى موسكو عبثا وبجنون لاعادته الى الحياة من جديد . 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات