الثورة والاحتجاج الفرنسي على مؤامرة بوتين و أوباما حول سوريا

الثورة والاحتجاج الفرنسي على مؤامرة بوتين و أوباما حول سوريا
في مؤتمر صحفي عقده وزير الخارجية الفرنسي في موسكو بحضور لافروف في 6 تشرين الأول 2016 قال الوزير الفرنسي: لقد أتيت إلى هنا لأضع عينيّ في عيني لافروف و لأقول له مباشرة إن فرنسا لن تقبل تحت أي ظرف ما يجري الآن في سوريا و أنّ روسيا يجب أيضا أن لا تقبل، إنّ فرنسا ترى أنّه لا يوجد أي سبب يبرّر قتل المدنيّين، قاطعا الطريق على ذرائع لافروف بأنّ هدف قصف حلب هو محاربة المتطرّفين.

وصل وزير الخارجية الفرنسي إلى المؤتمر الصحفي و هو بمنتهى التجهّم بينما لافروف يسير خلفه بضحكة متزلّفة متذلّلة، عندما ترى لافروف المتعجرف بهذا الشكل الضعيف يتبادر إلى ذهنك مباشرة صورة جون كيري و هو يحاول التودّد للافروف خلال اجتماعاته معه ليحصل منه على بعض الفتات الّذي يحاول تسويقه للشعب الأميركي و العالم كانتصار , و بعد هذه الزيارة أعلن الكرملين أنّ بوتين سيزور فرنسا بعد عدّة أيّام في محاولة لترطيب الأجواء.  

خلال جلسة مجلس الأمن الّتي عقدت بعد يومين في 8 تشرين الأول قال المندوب البريطاني : إنّنا لا نشكر المندوب الروسي على استخدام الفيتو، إنّ روسيا تقوم بتدمير سوريا بالتعاون مع النظام السوري، وقال أنّه يجب إنهاء هذه المهزلة و إنّ استخدام الفيتو هو استخفاف بمركز الدول الدائمة العضويّة بمجلس الأمن , إنّ الروس يدمّرون المدارس و المستشفيات و يقتلون المدنيين، كانت كلمة المندوب البريطاني واضحة تماما بإدانة روسيا و بلغة بعيدة جدّا عن الديبلوماسيّة، و لم تكن كلمات مندوبي إسبانيا و نيوزيلندا  وأوكرانيا أقلّ حدّة في الهجوم على السياسة الروسيّة . 

غادر وزير خارجيّة فرنسا الجلسة مباشرة بعد استخدام روسيا حق الفيتو و عقد مؤتمرا صحفيّا تحدّث فيه عن نقطتين، الأولى عن ضرورة منع استخدام الفيتو في القضايا الإنسانيّة، و كان قد صدر نفس هذا المطلب من عدة أطراف في السابق نتيجة استخدام روسيا حقّ النقض لمنع إدخال مساعدات إنسانية للمناطق المحاصرة في سوريا، و لكنّها هذه المرّة صدرت من دولة تملك حق النقض , و النقطة الثانيّة هي المطالبة بمحاكمة مرتكبي جرائم  الحرب في سوريا و منها استخدام الأسلحة الكيماويّة و الّتي قالت لجنة تحقيق تابعة للأمم المتّحدة أنّ النظام السوري قد استخدمها بعد صفقة الكيماوي ممّا يجعل هذا النظام مسؤول قانونيّا عن جريمة حرب و يشكّل إحراجا للأطراف الّتي تريد إعادة تسويقه مثل الروس و غيرهم . 

لكنّ الإهانة الأكبر جاءت في من الرئيس هولاند شخصيّا في 9 تشرين الأوّل عندما قال: إنّ سكّان مدينة حلب هم ضحايا جريمة حرب و المسؤولون عنها سيحاكمون أمام محكمة الجنايات الدوليّة، و عند سؤاله عن جدوى زيارة بوتين لفرنسا بعد عشرة أيّام أجاب هولاند : ربّما سأستقبله و مازلت أسأل نفسي عن جدوى استقباله !!. ربّما هذه أكبر إهانة يتعرّض لها بوتين منذ أن بدأ سلوكه الاستفزازي حول العالم , فقد قال هولاند أنّه قد لا يرحّب و قد لا يستقبل الشخص الّذي يروّجه الإعلام الروسي كزعيم جديد أوحد للعالم . 

حاول الروس بغبائهم المعروف امتصاص الغضب الدولي بفكرة مضحكة، فقد صرّح أناتولي أنتونوف نائب وزير الدفاع الروسي بأنّ الحكومة السوريّة تعدّ دستورا جديدا بمساعدة روسيا , ربّما هو الدستور الرابع منذ انطلاق الثورة !!.  

الموقف الأوروبّي و الّذي فاجأ الروس قد أحرج كذلك الإدارة الأمريكيّة، فكل كلمة قيلت في اجتماع مجلس الأمن و ما سبقه و لحقه من مؤتمرات و لقاءات، لا تقصد روسيا فقط بل تشمل الولايات المتّحدة بنفس الدرجة لأنّها غضّت النظر و صمتت و حتّى تواطأت مع كل الجرائم الّتي ارتكبها الروس و حلفائهم، ويعلم الأوروبيّون ذلك و لم يكن تجهّم وجه وزير الخارجيّة الفرنسي أثناء لقاؤه كيري مختلفا عن وجهه أثناء لقاؤه لافروف و لكن الحقّ يقال فقد كان كيري أكثر وقاحة من لافروف لأنّه يظنّ أنّه طالما أن الطائرات الّتي تقصف حلب روسيّة و ليست أمريكيّة فهو ليس متّهما بجرائم حرب مثل نظيره الروسي لافروف فلا داعي للخوف والتذلّل.

 و تكلّم كيري في مؤتمره الصحفي المشترك مع الوزير الفرنسي عن ضرورة التحقيق في جرائم حرب ارتكبها الروس في سوريا لكنّه حاول الخروج من الموضوع بعد ذلك عبر الحديث عن الصراع العربي الإسرائيلي و أوكرانيا و الكونغو و حتّى لم ينسى تهنئة رئيس كولومبيا على جائزة توبل للسلام، و كان الوزير الفرنسي ينزع سمّاعة الترجمة الفوريّة في كل مرّة يخرج فيها كيري عن الموضوع السوري في إشارة لكيري أنّك لن تخدعنا بأساليبك المكشوفة بتجاهل  جرائم روسيا في سوريا. 

و في الداخل الأميركي أثناء المناظرة بين نائبي المرشّحين كلينتون و ترامب فاجأ بنس المرشّح الجمهوري المشاهدين عندما قال : إنّ هذا الزعيم البلطجي الضئيل الحجم لروسيا يملي الشروط على الولايات المتّحدة الآن , و ذلك في هجوم على سياسة الإدارة الأمريكيّة  و موقفها الضعيف تجاه الروس، و هذا ليس سوى نائب ترامب المرشّح المفضّل عند الكرملين للرئاسة و الّذي تراجعت حظوظه للفوز في الأيّام الأخيرة. 

كانت آمال الكرملين أنّه أثناء زيارة بوتين لتركيا في 10 تشرين أوّل سيكون التوازن العسكري و السياسي في الساحة السوريّة قد تغيّر بشكل نهائي لمصلحة الإبقاء على حكم عائلة الأسد معتمدين على تأييد الإدارة الأمريكيّة و المبعوث الدولي ديميستورا للحل على الطريقة الروسيّة و لكنّ الموقف الفرنسي و الّذي جرّ وراؤه الموقف الأوروبّي أحبط هذه المؤامرة الثلاثيّة و أصبحت روسيا في قفص الاتّهام بارتكاب جرائم حرب موثّقة،  كما أنّ الشريك الآخر لبوتين في جرائمه : الإدارة الأمريكيّة، أصبحت في أيّامها الأخيرة و المرشّحين لخلافتها لا يوافقون على سياسة هذه الإدارة تجاه سوريا و تجاه البلطجة الروسيّة بالعالم بشكل عام , و بالتالي أصبح بوتين بموقع الضعيف خلال زيارته لتركيّا و أصبحت فرصته بإغراء أردوغان ببعض الفتات حول منطقة آمنة محدودة لللاجئين أو تفهّم المخاوف التركيّة حول الموضوع الكردي مقابل الموافقة التركيّة على تسوية تبقي بشّار الأسد في السلطة أقل احتمالا رغم الإغراء باتفاقيّة السيل التركي للغاز الروسي لأوروبا و فوائدها الاقتصاديّة للطرفين . 

كما صعّدت السعوديّة لهجتها تجاه موقف السيسي من النظام السوري و أوقفت تزويد مصر بالمواد النفطيّة و طالبت الدول العربيّة بالوقوف مع الشعب السوري و مطالبه،  و تحدّثت بعض المعلومات عن وصول أسلحة جديدة للثوار في سوريا ترافقت مع هجمات في عدّة جبهات. 

و يرجع الفضل في ذلك بشكل كبير للثورة الفرنسيّة على الجريمة الروسيّة الأمريكيّة في سوريا، و أخيراً، في 10 تشرين أول 2016 أعلن لافروف أنّ روسيا مستعدة للتعاون مع الولايات المتحدة لحل الموضوع السوري بالطريقة الّتي تريدها الولايات المتحدة، و بأي صيغة من الصيغ إن كانت قديمة أو جديدة، هل هذا استسلام أم خدعة جديدة للافروف و بوتين الأيام المقبلة ستكشف ذلك . 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات