معركة الموصل في لحظة الحقيقة "إقليمياً"

معركة الموصل في لحظة الحقيقة "إقليمياً"
إذا كان صحيحاً أن معركة الموصل أصبحت قريبة أو وشيكة فربما يكون ارتكاب واحد من أكبر الأخطاء في العراق قريباً ووشيكاً أيضاً. ذاك أن أحداً لا يعارض طرد تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش)، لكن الخلاف على «ما بعد داعش» في محافظة نينوى وعاصمتها قائمٌ ولا بدّ من معالجته مسبقاً تداركاً لمشاركة ميليشيات «الحشد الشعبي» وتبعاتها الخطيرة المتوقّعة. وطالما أن ممثلي الموصل وعشائرها أكّدوا رفضهم لـ «الحشد»، منذ بدايات التحضير للمعركة، فلا مجال لفرضه عليهم، وإلا فإن حكومة بغداد الواقعة تحت الهيمنة الإيرانية وحكومة إقليم كردستان الهاجسة بأجنداتها الخاصة، فضلاً عن الطرف الأميركي المهووس بمجاملة إيران وتبادل الخدمات معها سيكونون بتأسيس حال شاذة في الموصل كفيلة بأن تعيد «داعش» وما هو أدهى منه.

الحاجة إلى توازن إقليمي يدعم الجهد العسكري في تحرير هذه المدينة كانت مطروحة باستمرار، لكن الأميركيين أهملوها وكأنهم لم يتعلّموا من أخطاء غزوهم واحتلالهم ولا من خطايا ما بعد انسحابهم، رغم أن الواقع واضح ومكشوفٌ أمامهم. فأتباع إيران، بقيادة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، أطاحوا لتوّهم بوزير الدفاع الموصلي ووزير المال الكردي، ويلوّحون بإسقاط وزير الخارجية وحتى بإسقاط رئيس الحكومة الحالي (أي بالحكومة نفسها) رغم أن الأخيرَين من حزب «الدعوة» رأس الحربة الإيرانية في العراق... ولكلّ ذلك هدفٌ واحد: إما قبول «الحشد» طوعاً ومن دون أي قيود، أو افتعال فراغ وفوضى سياسيَّين للتشويش على معركة الموصل وتخريبها قبل حصولها. فلا اعتبار لديهم للجيش العراقي بل يعادونه لأنه استطاع أن يبرهن احترافه وفاعليته في المعارك السابقة وباتوا يستشعرون خطراً على «دولتهم» التي أقاموها داخل الدولة، بل يعتمدون عليها لتعطيل الدولة.

ولعل المخاوف نفسها مطروحة أيضاً في «الحرب على داعش» في سوريا؛ إذ أظهرت عملية «درع الفرات» التي تقودها تركيا أن الذرائع التي كانت تدفع بها أميركا لتبرير عدم الاعتماد على السوريين أنفسهم ولتسويق الاعتماد على الأكراد إنما كانت حججاً واهية لتغطية أهداف خبيثة ومشتبهٍ بها. وعندما أشار الرئيس التركي إلى أن الأهالي يعودون إليها بكثافة بعد تحريرها فإنه كان يحدّد أهم الأهداف المتوخاة من المواجهة مع «داعش»، فإذا لم تتح للمهجّرين العودة إلى بيوتهم والشعور ببداية استعادة الأمان فإنها تحقّق عندئذ مرامي الإرهاب ومَن يقف وراءه. ينطبق ذلك مثلاً على الفلوجة والرمادي وتكريت التي «حُرّرت» لكنها لا تزال موحشة ومخيفة وغير آمنة، بل ينطبق أيضاً على ديالى التي بقي فيها معظم أهلها ويعانون من انتهاكات يومية على أيدي «الحشد».

من هنا فإن دعوة رجب طيّب أردوغان إلى أن يكون في الموصل أهلها بعد تحريرها، وكذلك في تلعفر وغيرهما، هي عملياً دعوة إلى مكافحة حقيقية للإرهاب الذي «أحرز تقدّماً بسبب سياسات الغرب»، بل أيضاً دعوة إلى تصحيح مسار «الحرب على الإرهاب» الذي حرفته إيران عن هدفه؛ إذ تحتاج إلى إخضاع الموصل لإجراء تغيير ديموغرافي يسهّل إقامة تواصل جغرافي بينها وبين سوريا عبر العراق، أسوةٍ بتغيير ديموغرافي مشابه تفتعله في سوريا. ولذلك يهدّد عراقيو إيران في بغداد بمواجهة مع الوجود التركي في بعشيقة كوسيلة أخرى لخلق صعوبات جديدة أمام المعركة، فالأهم عندهم أن تحقّق إيران أهدافها وليس تخليص الموصل من قبضة «داعش».;

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات