فوز هذا الحزب خصوصاً في مناطق كبرلين المعروفة بانفتاحها انعكس خيبة ووضع ميركل وحزبها في مأزق لم يسبق أن واجهته ألمانيا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
ها نحن بعد عام من قرارتها التي غيرت وجه أوروبا نراقب كيف تدفع أنجيلا ميركل ثمن قراراتها التاريخية بشأن سياسة الأبواب المفتوحة للاجئين. فقد تمكن هذا الحزب من كسر أحد المحرمات الموروثة في الثقافة الالمانية منذ الحرب، وهذا المحرم يعني الحيلولة دون تمكين تنظيم يميني شعبوي من احتلال موقع ثابت في الحياة السياسية في هذا البلد. لكن هذا المحرم انكسر ووصل صوت اليمين بقوة. إنه نوع من التصويت الاحتجاجي أو العقابي ضد ميركل، خاصة أن حزب البديل هذا عرف كيف يستغل الاستياء المنتشر لدى فئة من الألمان بسبب سياسة اللاجئين التي اتبعتها ميركل ويكسب أصوات الخائفين والمترددين والمتطرفين..
هنا بدا من المهم متابعة ردة فعل ميركل وذلك ليس فقط بقراءة تصريحاتها، بل من الضروري متابعة مؤتمراتها الصحفية وكيفية اجابتها ورصد ردة فعلها كاملة. بصوتها المعتدل وملامحها المنضبطة واجهت ميركل منتقديها بصلابة رافضة أن تتراجع عن انحيازها لقرارات احتضان اللاجئين متمسكة بمسؤوليتها بشكل تام وتقبلها للنتيجة. اختصرت ميركل انتكاسة الانتخابات بقولها انها نتيجة مريرة للغاية وأنها تتحمل مسؤوليتها لكنها دافعت من دون تردد عن صوابية قراراتها بشأن اللاجئين. بالنسبة لها فإن مكمن الفشل هو في عدم القدرة على السيطرة على الوضع بشكل كاف لمدة أطول.
الأرجح أن ميركل امرأة شجاعة فهي استمرت في سياستها رغم إدراكها احتمالات الخسارة لكنها لم تحد عما أعتقدته صواباً ومازال المجتمع الالماني يجهد كي تصل قضية الهجرة واللجوء إلى نهايات ايجابية. ومن يتابع ردة فعل ميركل على هزيمتها يلحظ ذاك الهدوء في ادائها وهو هدوء يثير الأعجاب لشدة تناقضه مع تلك الهستيريا اليمينية الشعبوية التي تعصف بكل المسار السياسي في أوروبا والغرب عموماً.
لقد انحازت ميركل إلى خيار أخلاقي في مسألة اللاجئين مدعمة بأدبيات الدستور الالماني والاتحاد الاوروبي. لم تكتف بمبادئ وقوانين حقوقية بل هي دافعت عن مفهومها للعولمة ورفضت حصرها بحرية انتقال السلع والرساميل والتضييق على البشر. اعتبرت أن التبادل العالمي يجب أن يكون منسجماً مع ما ترفعه أوروبا من شعارات وهذا يعني فتح الأبواب لمن يطرقها من مهاجرين ولاجئين وها هي اليوم تدفع ثمنا غاليا لكنها لم تبدل من موقفها. هذا الموقف خصوصاً لسيدة تطمح في الترشح مرة جديدة لموقعها الريادي هو تحد يجد عقبات تتمثل في رهاب الإسلام في الغرب وصعود داعش.
حين سئلت ميركل ما إذا كانت ساذجة في قرارتها بشأن اللاجئين عادت المستشارة الالمانية الى ويلات الحروب كجزء أصيل من التاريخ الألماني واختصرت رؤيتها بأن الحفاظ على أوروبا موحدة يعني اظهار الانسانية تجاه الآخرين..
تقدم حزب يميني اليوم في ألمانيا يطرح تساؤلات أوروبية فمن سيحدد مصير القارة: هل هي شخصية مثل أنجيلا ميركل أم شخصية يمينية متطرفة كالفرنسية ماري لوبن. إنه الامتحان الذي تخوضه ألمانيا والدول المجاورة وهو امتحان يصعب حسم نتائجه خصوصاً أن المزاج العام يمكن أن يسلك مسارات غير متوقعة. لكن ما هو جلي تماماً هو أن سيدة شجاعة اسمها انجيلا ميركل انحازت لما يجب أن تكون عليه السياسة وهذا خيار يستدعي منا نحن أبناء الاضطراب والمأزق العربي أن نثمن ونطمح لمثله في دولنا.
التعليقات (3)