مُضربون ومُعتقلون.. وغير مُكترثين

مُضربون ومُعتقلون.. وغير مُكترثين
أنهت المجالس المحلية الكردية في الحسكة إضرابها عن الطعام تنديداً بالاعتقالات التي قام بها حزب الاتحاد الديمقراطي والإدارة الذاتية. 

وكانت قوات الأسايش قد اعتقلت مجموعة من أعضاء وقواعد المجلس الوطني الكوردي في سوريا بعد خروجهم لاستقبال جنازة بشمركة استشهد في حربه ضد داعش.

المضحك المُبكي في الموضوع أن لا الاتحاد الديمقراطي ولا الإدارة الذاتية اهتمت أو اكترثت لموضوع الإضراب مع أن مجموعة من المضربين عن الطعام ساءت حالتهم الصحية بشكل مفرض، وكأن المُضربين أو مكان الإضراب يقع خارج نطاق فرض سيطرتهم العسكرية والأمنية. 

لقد قُدمت العديد من التعريفات والدراسات والأبحاث عن التعددية السياسية، لكن إحدى هذه التعاريف التي يمكن الركون إليها هي التي ترى أن على الحكومات والأنظمة أن لا تساند المجموعات المألوفة فقط سواء في الحقوق الاجتماعية أو المدنية أو السياسية أو غيرها، ولا يجوز أن تعتبرهم هم فقط مواطنون، وأن هذه الدول حتى يمكن وصفها بالدول الديمقراطية الليبرالية الدستورية لابد أن تبتعد عن إلغاء أو نسف حقوق الأطراف السياسية المختلفة مع الجهات الحاكمة.

الإضراب والاعتقال فجر النسق والرتم المضمر بين الكرد في سوريا. لم تعد للأمنيات ولا للرجاءات أي مكان في لعبة لي الأذرع. بل أن الاعتقال والإضراب افضح أن عملية عض الأصابع قد انتهت منذ فترة طويلة واليوم دخل الكورد مرحلة نسف وجود الأخر، وهذه الأخيرة تخص من يُقدم على إلغاء وجود الأخر وبغض النظر عن الطريقة أو الأسلوب.

إن تطور الحياة السياسية في أي رقعة جغرافية، عادة ما تكون مرتبطة بجملة من الظروف الداخلية والخارجية، وهي تعود كذلك إلى الظروف الذاتية والموضوعية التي تُلقي بظلالها على نمطية الحياة من جوانبها المتعددة الموجودة في بلد ما. ومع أن حياة الشعوب وتجاربهم تكون واضحة من خلال النظام السياسي الموجود في دول أو أنظمة حكم أو مشاريع حكم، إلا أن درجة التأثير والتأثر تكون الثروة على مقياس التواصل الحضاري مع الشعوب ذي تجارب التحرر والعيش الكريم. 

لابد من  التركيز على أن الهوية والخصوصية الكردية في سوريا تبلورت قبل استلام الاتحاد الديمقراطي للحكم خلال السنوات الماضية، وليس هناك في العالم أجمع أي شيء يؤدي إلى الاضطراب في السلم الأهلي ونشوء نزاعات، أكثر من المعاملة التي يتلقاها الأخر المختلف عن المُسيطر، تحت ظروف معينة وتمييز صارخ.

لذا فإن معطيات تفجير الوضع الكردي – الكردي كثيرة، ومؤشرات التقارب تكاد تكون معدومة باستثناء المزاج الأمريكي ومشروعه في المنطقة الكردية وما يترتب على ذالك من إلزام الاتحاد الديمقراطي بالعمل المشترك مع المجلس الكردي من عدمه، أو مبادرة رئيس الإقليم مسعود البارزاني إلى عقد اجتماع خامس للقوى السياسية، ووفق نمطية الاجتماع المتأرجح ما بين عقد هدنة جديدة أو عقد اتفاقية حقيقية سيتحدد موقع الكورد ضمن الخارطة السياسية السورية.

يُعرف ميشيل فوكو القمع على أنه ليس مجرد منع بل هو إقصاء وإسكات وإعدام ما يجب قمعه بمجرد ظهوره وقطفه بمجرد نضوجه، أنه يعمل وفق آلية ثلاثية من التحريم والتغييب والصمت حتى بإزاء الموضوع الذي يضربه القمع لا شيء يمكن قوله أو رؤيته أو معرفته . ثمة قمع مفرط يغزوا الثقافة والفكر والوجود الكردي مسرحه ولاعبيه الرئيسيين هم الكرد أنفسهم، وهذا العنف تعدى مجرد الخطاب العنفي أو العنف اللفظي بل انه بدأ يتجاوز العنف المُمارس ضد المُعترضين أو المختبئين خوفاً أو ستراً للرأس. فمن أين يجيئنا هذا العنف؟ سؤال بما يحمل من عُمق وغرابة عن المجتمع الكردي، فإنه يحمل ببداهة مفرطة جوابه البراق، حيث يحملنا مباشرة إلى طبيعة وشكل الحكومة أو السلطة القائمة وليس بالضرورة النظر إلى الفاعلين الأساسيين في السياسة أو المجتمع، فلا أحد ينحوا منحى السلوك العنيف دون أن يرافقه شعوراً بالغبن والظلم والحيف الواقع عليه، بل أضحى يشعر أنه منعزل ومُبعد ع واقعه المعيش. العنف رد فعل طبيعي تماماً لحالة القمع وكبت الإرادة المفروض على الشخص. 

والحال كهذه فإن العنف يزداد مع ازدياد سيطرة المظلومين والمفلوكين شعورياً على مقاليد ومناحي الحياة الإدارية والسياسية والاجتماعية. علماً أن العنف يخترق الذروة حين يبدأ السستام السياسي باتهام أبنائه أو شركائه أو معارضه ومخالفيه.

ويبقى السؤال الكردي: من هو المظلوم ومن يمارس العنف، ومن يشعر بالخوف من الأخر، ومن يمارس أقصى درجات العنف ضده.  علماً أن استمرار العنف وارتكازه المستمر بطابعه الأدواتي المميز، سيؤول للسلطة نحو الهاوية، أي يقوم بتدميرها.

التعليقات (1)

    طارق السيد أحمد

    ·منذ 7 سنوات 6 أشهر
    هذا الكاتب يبرر ظلم الأسايش للأكراد والعرب بأنهم كانوا مظلومين مثل من يبرر ظلم العلويين لنا بأنهم كانوا مضطهدين مثل من يبرر ظلم الصهاينة لنا بأنهم كانوا مضطهدين
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات