نعم، حصل واجتمع كيري ولافروف عشرات المرات ليتباحثوا في الملف السوري، نعم جلسوا طويلا يتفاوضون ويتفاوضون لكن مشهد يوم الجمعة في جنيف يختصر الكثير من الكلام والتنبؤات عن طبيعة الاجتماعات، قطع بيتزا وزجاجتي فودكا روسية قبيل الإعلان عن اتفاق، "البيتزا من الوفد الأميركي، نحن نأتي بالفودكا". هكذا عقب وزير الخارجية الروسي للصحفيين، أما الاتفاق على السوريين فأعلن لاحقا، ونشرت تفاصيله المملة عن وقف لإطلاق النار في عموم سوريا بدءاً من غروب شمس يوم الاثنين 12 سبتمبر يليه إيصال المساعدات ومن ثم حرب مشتركة على تنظيم الدولة وجبهة فتح الشام من خلال مركز أميركي روسي مشترك وفيما لم يوضح شيء عن الانتقال السياسي "مثلا" أو مصير مليشيات إيران الأفغانية والباكستانية والعراقية واللبنانية، أو مصير بشار الأسد ونظامه!
بعد الإعلان والأنخاب وفتات البتيزا، قابلت مسؤولا في الخارجية الأميركية وكأي صحفي كان لابد أن أسأله عن حيثيات الاتفاق لكنني لم أفعل سألته كسوري عن ماذا لو سلمنا جدلا بجدية الاتفاق فماهي ضمانتكم سيدي لتنفذ روسيا ونظام الأسد الاتفاق على علله، فأجابني بأن لا ضمانات وروسيا دولة ذات سيادة واعتقد (يعتقد) أن عليها أن تحترم اتفاقاتها مع الدول، قلت: وهل هذا كافيا لإقناعكم بعد أربعة سنوات من المفاوضات الماراثونية على الأقل بعيدا عما جرى خلالها في سوريا، قال: لا، قلت إذاً لماذا تفاوضون من تشكون حتى بإلتزامه الأخلاقي تجاه عهوده، قال: لأجلكم ولأجل السلام، قلت: وهل ماتوصلتم إليه يضمن لنا السلام فعلا، قال: إذا نفذ، قد يفتح باب الانتقال لمرحلة أفضل، قلت: وهل ترى أن من اتفقتم معه علينا سيطبق، قال: أتمنى ولا اعتقد! سألته أخيرا هل تعتقد أن الشعب السوري سيكون معنيا حقا بهذا الاتفاق، قال: مؤكد أن أي اتفاق يوقف القصف والحرب سيكون جيدا للسوريين في الداخل وإلا بماذا هم معنيون؟ قلت: معنيون بالعيش كما كل البشر وبإسقاط بشار الأسد، فعقب بابتسامة قائلا: كلنا نعتقد أن عليه أن يرحل.
هكذا إذاً يدار ملف سوريا بكل مأسايه وعذاباته يدار بالاعتقاد والتوسل والمناورات والشك والمفاوضات الفاشلة، وبكأسي نبيذ روسي تنتهي الجلسات وبين الأنخاب والفودكا والدم تمر تفاصيل صغيرة عن اتفاقات وهدن وتمنيات.
التعليقات (1)