بين الفودكا ... والدم

بين الفودكا ... والدم
لا أعرف سورياً مهتما اليوم بما أعلنته الولايات المتحدة وروسيا من اتفاقهما على خطة قالوا إنها لإحلال السلام في البلاد، ولا أعرف سورياً مصدقا لهذه الاتفاقات، هو الذي عايش على مدار سنوات خمس القتل والدمار والتهجير والتشريد ولم يعرف اتفاقا حدّ من موته ولو مؤقتا، ناهيك عن أن هذا العالم لم ينصفه في ثورته وهي قضيته الأساسية التي يموت لأجلها، لكن دون إرادته (أعني معظم الشعب وليس كله) أصبحت ثورتهم ملفا دوليا وأزمة يشتغل فيها كل أحد وكل بلد ماعداه، وليس بعيدا أن يُفرض في نهاية مطاف ما، على هذا الشعب اتفاق ما ليواجهه، لكنني أميل إلى أن هذا الاتفاق لم يحن وقته بعد، وما يعرض الآن ليس إلا إنفاقا لوقت الإدارة الأميركية الراحلة التي ترمي عظاما لساكن الكرملين ليلتقطها تباعا ويخال نفسه توصل لاعتراف أميركي بأنه قوة عظمى وند وشريك في هذا التحكم بهذا العالم، ويحسب أنه يستفيد من وقت باراك أوباما الضائع ليجبره على توقيع ما لايريد، ويعلم يوتين جيدا أنه متروك وشأنه في سوريا ولن يعترض سلوكه أحد ويعلم جيدا أن الإدارة الأميركية غير معنية بتقديم أي تنازل ولو لفظي لإنقاذ السوريين من القصف الروسي أو قصف بشار الأسد ومرتزقة إيران، وما يجري هو مجرد مناورات ساذجة بين من يريد أن يحصل في نهاية الخدمة على بصمة يحسبها بيضاء في ملف أدمى العالم، وبين من لايرد أن يعطيه هذه الفرصة إلا بثمن ولن يدفع أحد الثمن إلا الشعب الثائر وهو أخر هَم الجميع.

نعم، حصل واجتمع كيري ولافروف عشرات المرات ليتباحثوا في الملف السوري، نعم جلسوا طويلا يتفاوضون ويتفاوضون لكن مشهد يوم الجمعة في جنيف يختصر الكثير من الكلام والتنبؤات عن طبيعة الاجتماعات، قطع بيتزا وزجاجتي فودكا روسية قبيل الإعلان عن اتفاق، "البيتزا من الوفد الأميركي، نحن نأتي بالفودكا". هكذا عقب وزير الخارجية الروسي للصحفيين، أما الاتفاق على السوريين فأعلن لاحقا، ونشرت تفاصيله المملة عن وقف لإطلاق النار في عموم سوريا بدءاً من غروب شمس يوم الاثنين 12 سبتمبر يليه إيصال المساعدات ومن ثم حرب مشتركة على تنظيم الدولة وجبهة فتح الشام من خلال مركز أميركي روسي مشترك وفيما لم يوضح شيء عن الانتقال السياسي "مثلا" أو مصير مليشيات إيران الأفغانية والباكستانية والعراقية واللبنانية، أو مصير بشار الأسد ونظامه!

بعد الإعلان والأنخاب وفتات البتيزا، قابلت مسؤولا في الخارجية الأميركية وكأي صحفي كان لابد أن أسأله عن حيثيات الاتفاق لكنني لم أفعل سألته كسوري عن ماذا لو سلمنا جدلا بجدية الاتفاق فماهي ضمانتكم سيدي لتنفذ روسيا ونظام الأسد الاتفاق على علله، فأجابني بأن لا ضمانات وروسيا دولة ذات سيادة واعتقد (يعتقد) أن عليها أن تحترم اتفاقاتها مع الدول، قلت: وهل هذا كافيا لإقناعكم بعد أربعة سنوات من المفاوضات الماراثونية على الأقل بعيدا عما جرى خلالها في سوريا، قال: لا، قلت إذاً لماذا تفاوضون من تشكون حتى بإلتزامه الأخلاقي تجاه عهوده، قال: لأجلكم ولأجل السلام، قلت: وهل ماتوصلتم إليه يضمن لنا السلام فعلا، قال: إذا نفذ، قد يفتح باب الانتقال لمرحلة أفضل، قلت: وهل ترى أن من اتفقتم معه علينا سيطبق، قال: أتمنى ولا اعتقد! سألته أخيرا هل تعتقد أن الشعب السوري سيكون معنيا حقا بهذا الاتفاق، قال: مؤكد أن أي اتفاق يوقف القصف والحرب سيكون جيدا للسوريين في الداخل وإلا بماذا هم معنيون؟ قلت: معنيون بالعيش كما كل البشر وبإسقاط بشار الأسد، فعقب بابتسامة قائلا: كلنا نعتقد أن عليه أن يرحل.

هكذا إذاً يدار ملف سوريا بكل مأسايه وعذاباته يدار بالاعتقاد والتوسل والمناورات والشك والمفاوضات الفاشلة، وبكأسي نبيذ روسي تنتهي الجلسات وبين الأنخاب والفودكا والدم تمر تفاصيل صغيرة عن اتفاقات وهدن وتمنيات.

التعليقات (1)

    مهاجر

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    أخي الكريم: سلمت يمناك على هذا الكلام، لكن هل عرفنا بعد موقف العرب ومن يدعي الاهتمام بقضيتنا بل إنهم ارتموا في احضان الاميركي ليصدقوا كل ماقيل لهم... (يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه) رحماك ربي لأهلي جميعهنّ.
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات