الشعوب تدافع عن أوطان لا عن مزارع خاصة

الشعوب تدافع عن أوطان لا عن مزارع خاصة
يحاول أبواق النظام السوري، وخاصة ما يسمى بإعلام الممانعة والمقاومة في سوريا ولبنان والعراق وإيران، منذ اليوم الأول للثورة السورية أن يصوروا انتفاضة الشعب السوري ضد الظلم والطغيان على أنها مجرد مؤامرة خارجية تقف وراءها إسرائيل وأمريكا وخصوم النظام في العالم، وأن الشعب السوري لم يثر مطلقاً، وليس عنده أي سبب يدعوه للثورة. وقد وصل الأمر ببعض المهرجين في وسائل إعلام الممانعة إلى اتهام المفكر الفرنسي بيرنار هنري ليفي بأنه هو من رتب الثورة في سوريا وغيرها. إنها طبعاً قمة السخافة والضحالة أن تتهم شخصاً واحداً مهما علا شأنه بالوقوف وراء ثورات بأكملها. كما أنه احتقار صارخ للشعوب أيضاً من خلال تصويرها على أنها مجرد قطيع يمكن لكاتب أجنبي أن يوجهها كما يريد، ويحرضها على حكامها. 

وكي لا يزعل أصحاب نظرية المؤامرة في وسائل إعلام الممانعة، سأتفق معهم جدلاً أن الثورة السورية مفبركة، وأنها مؤامرة كبرى على النظام بسبب مواقفه الداعمة للمقاومة ضد الصهيونية والإمبريالية. لكن أريد أن أسألهم في الآن ذاته: كيف قبلت غالبية الشعب السوري أن تنتفض ضد النظام إذا كانت مؤمنة بأنه قائد الممانعة والمقاومة في المنطقة؟ هناك تناقض في هذا الطرح، فلو كانت الشريحة الكبرى التي ثارت على النظام تعتقد فعلاً أنه مُستهدف بسبب مواقفه المشرفة في دعم المقاومة، لما كانت قد ثارت أبداً. لكن من الواضح أن غالبية السوريين لا يصدقون كذبة الممانعة والمقاومة التي يدعيها النظام.

ولو اتفقنا جدلاً مع "بتوع" الممانعة والمقاومة على أن ما يحدث في سوريا برمته مؤامرة، وليست ثورة شعبية، فلماذا لا تنجح المؤامرات الصهيونية إلا في سوريا الأسد؟. لقد تآمرت أمريكا قبل أسابيع فقط على الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، ورتبت ضده انقلاباً عسكرياً قذراً، لكن المؤامرة الأمريكية فشلت فشلاً ذريعاً في تركيا، رغم أنها كانت تريد أن تفعل بتركيا أكثر مما فعلت المؤامرة بسوريا. لقد حاول ضباع العالم تحريض الشعب التركي على الرئيس أردوغان بهدف تخريب تركيا، لكن الشعب التركي  لا يمكن ان ينساق وراء مؤامرات تستهدف الرئيس الذي رفع من شأن شعبه ووطنه ووضعه في المراتب الاولى عالمياً، فتصدى الشعب للانقلابيين  والمتآمرين على تركيا وأهلها، وأفشل المؤامرة فوراً.

أما في سوريا فما أسهل أن تحرض السوريين على رئيسهم وحكومتهم، فلدى كل سوري ألف ثأر وثأر مع النظام الذي سامهم سوء العذاب والظلم، ولم ينجز لهم سوى الفقر والقهر،  لهذا كان بإمكان أي "مفعوص" من الداخل والخارج أن يحرض الشعب على نظامه بهدف تخريب البلد ونشر الفوضى وعدم الاستقرار. ولو اتفقنا جدلاً مع الذين يعتبرون ان الثورة السورية ليست ثورة بل مؤامرة، فلماذا يا ترى نجحت المؤامرة في سوريا ودمرت البلاد وشردت العباد، ولماذا فشلت في تركيا وجعلتها أقوى؟ السبب بسيط: إن الذي يمكن له أن يساعد المتآمرين أو يفشلهم في أي بلد هو رأس النظام، فإذا كان محبوباً من شعبه بسبب حكمه الرشيد وانجازاته العظيمة لوطنه وشعبه كأردوغان، فإن المؤامرة ستفشل حتماً، فمن غير المعقول أن ينقلب الشعب على من أحسن إليه ورفع من شأنه. أما إذا كان النظام لم يحقق للشعب سوى البؤس والعذاب المخابراتي الحقير، فسيكون بمقدور أي كلب من الخارج أن يحرض الشعب للانتقام من النظام.

قالها لي مسؤول سوري كبير قبل سنوات قبل الثورة: قال: "ادع لنا أن لا يتحرك الشعب في سوريا، لأن غالبية الشعب السوري لها ثارات وثارات مع النظام، فلم يبق سوري إلا وأكل منا "كف"

وإذا لم تريدوا المقارنة مع تركيا، فسأحيلكم إلى مثال بسيط يحدث للكثير منا في حياته العملية. فلو كان مديرك في العمل لطيفاً وعادلاً معك، وجاءك شخص مُغرض ومتآمر وحرضك عليه، لا شك أنك ستبصق في وجهه، وستدافع عن مديرك. أما لو كان مديرك فظاً وظالماً معك، فلا شك أنك ستشتمه فوراً أمام المحرض، وربما تسأل المحرض عن أفضل طريقة للانتقام من المدير الظالم. كذلك الشعوب، فلو كان حكامها وحكوماتها عادلة وطيبة معها، لدافعت عنها وعن أوطانها بأسنانها. أما إذا كان الحكام والأنظمة ظالمة، فلا شك أن أي تحريض بسيط من الخارج سيدفع الشعوب للانتقام من حكوماتها وحكامها.

لهذا لا تلوموا المتآمرين الذين تتهمونهم بتحريض الشعوب على الثورات لأهدافهم الخاصة، بل لوموا أنفسكم لأنكم بسياساتكم الحقيرة والظالمة جعلتم القاصي والداني ينجح في تحريض شعوبكم عليكم.

إنها معادلة بسيطة جداً: فعندما يرى الشعب أن الدولة تحولت إلى عصابة لا يهمها سوى نفسها، فإن الشعب بدوره سيبحث عن مصلحته الخاصة،ولتذهب الدولة ولصوصها إلى الجحيم. باختصار، إن الشعوب تدافع عن أوطان، ولا تدافع عن مزارع خاصة لهذا الطاغية أو ذاك، حتى لو تآمر عليها الشيطان الرجيم.

التعليقات (18)

    يوسف

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    نظرية المؤامرة هي ليست استراتيجية يتبعها النظام لمواجهة ثورة الشعب بل هي صفة موجودة لدى النظام فالبخيل يتهم كل الناس بالبخل ليدافع عن نفسه والحرامي يتهم كل العالم بهذه الصفة ليبرر لنفسه وكذلك النظام يتهم الثوار بالخونة ويدعي ان الثورة مؤامرة لانها صفات موجودة لديه فالنظام هو الخائن وهو العميل وهو أول المتآمرين على الشعب وعلى البلد (روسيا ايران)

    ابو ايمن حمشو

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    كلام في قمة المصداقيه والتحليل ولامجال للنقاش والجدل بس يلزمها قليل من التفكير من مؤيدين نيرون سوريا

    حلف الممانعة و المماتعة

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    اسمه حلف المماتعة لانهم يتمتعون مع بعضهم البعض على نفس الفراش مع الصهيونية و لا يتمنعن الا و هن راغبات هذه هي علاقتهم مع بعضهم البعض في الممانعة و المماتعة

    صلاح قيراطة

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    جميل كل ما ذهبتم اليه استاذنا ، قرأت بتمعن ، واقول : ان النظام وعبر سياسات قام بها ، وفي مقدمتها التوريث كان قد هيأ الأرضية لأي حركة شعبوية ، فالفساد والافساد باتت مدرسة قائمة بذاتها ومن يخرج عليها ، يتم الباسه قضية فساد ، والفعل الطائفي الذميم والمكروه والمرفوض كان موجوداً وعندما يتم الاعتراض عليه يوصم المعترض بالطائفية ، اضافة الى السياسات الاقتصادية التي قادها الدردي صديق الرئيس ادت الى انعدام الطبقة الوسطى وهي صمام امان اي مجتمع ، وتغول الاجهزة الأمنية كان يصب على النار زيتاً .

    صلاح قيراطة

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    واما السياسات العقائدية والثقافية والاعلامية ومنذ اعتلاء الأسد الأب رأس النظام ، اهملت كثيراً وكان ديدنها الترويج لشخص الرئيس ، وبالتالي وهذا ديدنها لم تتمكن من ان تربط المواطن بوطنه ، بقدر ما ربطته بمصالح ، ومعروف ان من له ثمن لايؤتمن ، كل مامررت عليه انا موجود ونقر به لكن هذا ليس حكرا على سورية فكثيرة هي البلاد العربية التي تعيش ما عشنا ومع ذلك فإنها تعيش برداً وسلاما، اما سورية ففعلاً اريد بها الضرر لذلك حيكت الفتنة وكون الشعب مهيأ لما كنت قلته ، كان مطية سهلة لمرورها لابل دعمها بغباء مرعب

    صلاح قيراطة

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    والكارثي هي حملات الاعلام الممنهجة والتي لعبت على وتر التجييش الطائفي ، بين ابناء البلد الواحد فأيقظت الغرائز ، واشتعلت بعد خبو ظاهري حمأة الجاهلية ، اضافة الى انه كله استباح كله وكله استعان بكل من هب ودب ليسمح باخيه الأرض ، كما يكتب بعض مريدكم عندما ينشرون مقطعاً لكم من احد برامجكم ويقولون فيصل القاسم يمسح الارض ، فكله حتى المثقفين السوررين ينظر لأخيه وبفعل سياسات الشحن المغرض على انها ممسحة لابد ان تدوسها الأحذية ، باختصار يدانا او كتا وافوهنا نفخت نعم ، لكن الآخر هو من خطط ونحن من وقع .

    Abbas Sadran

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    تحياتي الك دكتور فيصل لفت انتباهي آخر سطر كتبتو حضرتك بإنو " الشعوب تدافع عن أوطان ولا تدافع عن مزارع خاصة " إذاً ما يفسر ما نحن فيه بأننا لم نكن يوما شعباً بل كنا قطعاناً في مزارع " مع احترامي للقطيع " و لن نتحول لشعب يدافع عن الوطن مالم تصهرنا نار الحرب لتتحد أجزائنا و تصبح كتلة واحدة.

    Safeaalmeshtafea

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    لا شك أن الشعوب العربية مقهورةومظلومة لاكنها تعودت على الخنوع ولا تجيد التعبير عن النفس بطرق حضارية حيث نلاحظ طرق الاحتجاج بالتخريب والتكسير. حيث المقارنة بين الاتراك والعرب غير عادلة لان الاتراك شعب يعرف معنى الديمقراطية والحرية .نحن العرب نعبد الأشخاص كيف العبد يصبح حرا. لا شك أننا فشلنا في تنشئة الأجيال تنشئة وطنية .

    عبدالعزيز ابراهيم

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    كلام جميل ولكن المشكلة في العقول المؤدلجه التي تتبع اصحاب العمايم واصحاب الشعارات وهولاء أسميهم الجهلة المتعلمين وهولاء سبب هلاك عقولهم وشعوبهم

    هاشم محمد

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    المقال في الصميم وكلام في محلو لكين بعد خراب سوريا وارجو من الحكام العرب أن يعرفو سبب الثورات لأنو الظلم والفساد في الحكم يجلب الدمار في الدول

    كوردي

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    صحيح ,,,لايمكن المقارنة بين الاسد والرئيس التركي اردوغان فهو محبوب لدى كل شعوب المنطقة بينما ال الاسد لايستحقون حكم سورية

    BADER JONAS

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    الاستاذ فيصل انت تتحدث بالمنطق وتستخدم العقل ولا اعتقد بانه قد غاب عنك بان المنطق قد تم تغييبه من زمان اما العقل فلم يعد له مجال ليتحرك فيه وما علينا في هذه الحالة الا التزام الصمت حتى لا نتهم بالرجعية ومعاداة القومية العربية التي لم تعد موجودة اصلا وقد يقودنا الحديث عن النظام السوري الى التطرق الى انظمة اخرى مشابهة وما اكثرها في هذه الرقعة من الارض.

    شكري من تونس

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    احنا في تونس مللنا من ساستنا و من ترهات برنامجك الرجاء منك التطرق الي الاوضاع في قطرائيل و شكرا

    أبوعلي

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    أنا من هنا في الولايات المتحدة الامريكية أتفق معك في كل ما قلته، لكن هل هناك حرب أهلية في سوريا قريب؟ لن الأمريكان مستعدون لدعم الأكراد الحليف الاستراتيجي الاول في المنطقة.

    سوري

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    سخيف

    Adel alali

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    الله يبرد كبدك يا دكتور والله انك هاااامة وقمة ومكانك الحقيقي مستشار اعلى لرئيس الدول العربيه جمعاااااااء

    ابو امير

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    شكرا جزيلا يادكتور على هذه المقالة.لكن عندي طلب اتمنى منك نشر مقالات كثيرة لتوعية ثوار سوريا .اي يجب نقل المعارك إلى مناطق النظام اي الساحل لأن أكثر الدمار في المناطق السنية الثائرة وهذا ماذكرته انا مرارا ولم جزيل الشكر

    زردشت

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    والله كلامك كلو صح يااستاذ فيصل وانا بحترمك كتير وكلامك كتير واقعي هادا نظام أقل ما يمكن وصفه به أنه نظام زبالة

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات