ضيافة عزرائيل

ضيافة عزرائيل
زيارة وفد الحوثيين إلى إيران ومواليها هي فعل رمزي لا يُراد منه إلا الاستعراض. فلا لبنان ولا العراق ولا إيران نفسها ستعترف بالكيان السياسي الذي بدأ الحوثيون يخططون له بديلا للحكومة الشرعية.

الجميع يعرف أن المساحة التي يتحرك فيها المتمردون الحوثيون ضيقة. وقد تضيق أكثر مع زيادة الأخطاء التي يرتكبونها على مستوى الحوار السياسي مع الأطراف المعنية بالأزمة بشكل مباشر، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية.

في حالة من هذا النوع فإن الذهاب إلى إيران هو خيار انتحاري، بالمعنى الذي يجعل منه نوعا من غلق الأبواب التي كانت إلى وقت قريب مواربة. فإيران ليست طرفا معنيا بالأزمة اليمنية ولن تكون كذلك في أي وقت. ما نجحت إيران فيه في سوريا لن يكون متاحا لها في اليمن.

ولكن الحوثيين، وهم مجرد ميليشيا مسلحة خارجة على القانون سمحت لها الظروف التاريخية التي مرت بها اليمن بعد خلع علي عبدالله صالح من استضعاف الدولة، لا يملكون سوى خيار الهروب إلى الأمام، بعد أن نسفوا الجسور التي تعيدهم إلى منطقة الوفاق الوطني.

لقد أبدت الأطراف الأخرى ومنها الأمم المتحدة قدرا هائلا من التسامح معهم، هم في الحقيقة لا يستحقونه، غير أنهم رفضوا كل أنواع التسويات السياسية التي كان في إمكانها أن تعفيهم من جرائمهم، بل وتشركهم في الحكم.

ما يستحقونه فعلا هو لقاؤهم التاريخي بأبي عزرائيل في بغداد. قد يشكل ذلك اللقاء نوعا مـن الفضيحة بالنسبـة إلى ذوي العقول السوية، ولكنه بالنسبة إلى القتلة والأفاقين وقطاع الطرق استحقاق يليق بهم. فأبوعزرائيل هذا واحد من رموز العراق الجديد، حيث الفتنة الطائفية تتطلب اختراع رموز لمـا يمكن أن تنتجه من انحطاط إنساني، يضع كل القيم الأخلاقية على الرف ليمارس دوره في تدمير مكتسبات العقل البشري.

لقد تم استخراج ذلك المعتوه من العفن الطائفي الشيعي ليكون بمثابة صورة للوحش الشيعي الذي يقاتل الوحش السني، تماهيا مع الخرافة التي تنسب تنظيم داعش الإرهابي إلى السنة. كما في رسوم الأطفال المتحركة فإن صراع الجبابرة لا ينطوي على أي نوع من الرحمة ليكون فعل القتل في النهاية ممارسة لتدمير الآخر، من غير أي موانع أخلاقية.

أبوعزرائيل حالة مرضية أنتجها واقع، انهارت فيه الأخلاق وانعدمت فيه القيم الإنسانية في العراق. وهو ما ينسجم تماما مع المزاج الحوثي، وهو مزاج مريض بانفصاله عن الواقع اليمني (العربي أيضا). الصورة التي تم تداولها عن اللقاء تبدو مضحكة في تكوينها المتخلف، غير أنني على يقين من أن دلالاتها ستكون موجعة للشعب اليمني. أهذا ما يعد الحوثيون به الشعب في المستقبل؟

ولكن لن يعثر الوفد الحوثي في بغداد عن أفضل من أبي عزرائيل ممثلا لطموحاتهم وطموحات أشباههم من أمراء الطوائف في العراق.

وقد لا يكون مستبعدا أن يطلب الحوثيون من إيران تصنيع نسخ من أبي عزرائيل لحملها معهم إلى اليمن، فشعب اليمن الذي أشتهر أفراده بحمل السلاح من غير أن يستعملوه لم يعرف في تاريخه ذلك النوع من السفاحين الذين يمزجون القوة العضلية بالعته الفكري. من جهتها فإن بغداد فخورة بأن تقدم أعز ما لديها لضيوفها.

بدلا من انستاس ماري الكرملي وجواد علي وطه باقر وعفيفة إسكندر وجواد سليم وحسب الشيخ جعفر وفوزي رشيد والجواهري ونوري جعفر وعاتكة الخزرجي ومصطفى جواد والمخزومي وعلي جواد الطاهر يتقدم أبوعزرائيل ليكون ممثلا لبغداد. إهانة كبيرة لبغداد سبقتها إهانة حلول رموز الحثالة الحوثية ضيوفا عليها.

ولكن الأمر يخف حين نعرف أن لا شيء من بغداد الحقيقية كان في استقبال الحوثيين الذين لا يمتون بصلة لأصالة الشعب اليمني. لقد استقبل مريدو الزيف الإيراني في العراق أشباههم من اليمنيين بأبي عزرائيل. وهو ما يليق بالطرفين. أمام الصورة لن يتمنى العراقيون واليمنيون إلا شيئا واحدا؛ أن يأخذ عزرائيل الجميع في ضيافته.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات