من مثلث الموت إلى داريا
بدا حلم الوصول إلى الغوطة الغربية وفك الحصار عن داريا، قابلاً للتحقق في الربع الأخير من العام 2014، حين وصلت فصائل "الجبهة الجنوبية" التابعة للجيش السوري الحر، إلى مشارف الغوطة الغربية ولم تفصلهم سوى 30 كم عن داريا وبضعة كيلو مترات إضافية للوصول إلى جنوب دمشق وبلدات الغوطة الشرقية.
مع مطلع عام 2015 ظهرت للمرة الأولى الميليشيات الإيرانية في الجنوب السوري، والتي استطاعت بتكتيك قتالها المختلف، عما خبره الثوار من أسلوب قوات الأسد في القتال، وتحت غطاء ناري غير مسبوق التقدم والسيطرة على منطقة "المثلث" الاستراتيجي، الذي يربط أرياف "دمشق، درعا والقنيطرة" والذي عرف لاحقًا بمثلث الموت.
في المقلب الآخر، كانت غرفة العمليات الدولية المشتركة "الموك" ومقرها الأردن، التي تقدم الدعم للفصائل الثورية، تعيد توجيه البوصلة وتعمل على تشتيت فصائل الجنوب من خلال ابعادهم عن منطقة المثلث، ودعمهم لتنفيذ أعمال عسكرية في قلب حوران وشرقها فكانت معارك تحرير الشيخ مسكين واللواء 52 وبصرى الشام ومعبر نصيب الحدودي.
النظام يبتلع الشيخ مسكين
في هذه الأثناء كان النظام يحصن مواقعه، ويستقدم تعزيزاته العسكرية، مستغلاً انشغال الثوار بمعارك ثانوية في المنطقة، ليؤسس حصوناً يصعب على الثوار اختراقها، تمتد من مدينة البعث على الحدود مع الجولان المحتل غرباً، حتى تل غرين في ريف درعا الشمالي شرقا، مروراً بتلال كروم وجبا وبزاق والشعار وعيون علق وعشرات النقاط المدعمة بميليشيا "فوج الجولان" الذي يشكل أبناء المنطقة غالبية عناصره.
وبالعودة إلى الثوار، فقد حملتهم انتصاراتهم السريعة والمتلاحقة في قلب حوران وشرقها إلى الإعلان عن معركة "عاصفة الجنوب" التي كانت تهدف إلى تحرير مركز محافظة درعا، والقضاء على أي تواجد للنظام في المدينة ومحيطها على الأقل، لكن كثرة الأهداف وسوء التخطيط، أديا إلى فشل المعركة، الأمر الذي استغله النظام لاحقاً وأخذ زمام المبادرة عبر مهاجمة مدينة "الشيخ مسكين" وبلدة "عتمان" بريف درعا، حيث تم احتلالها بعد معارك استنزاف طويلة أفقدت فصائل "الجبهة الجنوبية" ثقتها ببعضها، وتسببت بشرخ واضح بين مكوناتها.
الموك توقف الدعم عن "الجبهة الجنوبية"
بالتزامن مع العدوان الروسي على سوريا، في 30 أيلول الماضي، بدأت غرفة عمليات "الموك" بتقليل الدعم تدريجياً، لمعظم فصائل "الجبهة الجنوبية"، وذلك ضمن اتفاقيات دولية، الأمر الذي أدى إلى برود الجبهات مع النظام في عموم منطقة درعا وحوران، لاسيما أن معارك الفصائل مع لواء "شهداء اليرموك"، المتهم بمبايعة تنظيم "الدولة"، تسنزف الكثير من المقاتلين والعتاد.
اجتماع عاصف لفصائل "الجبهة الجنوبية"
عقدت غرفة "الموك" مؤخراً اجتماعاً مع 24 فصيل من أصل 52 تتبع لـ"الجبهة الجنوبية"، تراجعت خلاله الدول الداعمة عن قرارها بوقف الدعم العسكري لتلك الفصائل، وذلك على خلفية تقارير وصلت إلى "الموك" مفادها أن "الجبهة الجنوبية" على وشك الانهيار، بسبب ايقاف الدعم عنها من جهة؛ وعدم قتالها النظام من جهة أخرى، وعليه فقد تم إعادة الدعم المالي إلى فصائلها، كما أدخلت على الفور شحنتان من السلاح، بالإضافة إلى شحنة من صواريخ الغراد لفوج المدفعية.
يؤكد مصدر عسكري لـ"أورينت" أن الاجتماع ساده أجواء من التوتر والاتهامات المتبادلة بين قادة الفصائل، وانتهى بتشكيل ثلاث غرف عمليات ( غرفتان لقتال داعش وواحدة لقتال النظام)، والسماح للفصائل بقتال النظام على أن تبقى الأولوية لقتال تنظيم "داعش" مع وعود بالدعم اليسير في قتال النظام بعد القضاء على التنظيم.
السلاح في المستودعات لقتال "داعش" فقط
وفي السياق، انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي تسجيل صوتي للقيادي في "جبهة ثوار سوريا" (قاسم أبو الزين) أرسله قبل يومين إلى قائد عسكري في داريا يقول فيها حرفياً "أن غرفة الموك هي التي تمنع فتح المعارك لفك الحصار عن داريا، مشيراً إلى أن الذخيرة الموجودة في المستودعات هي لقتال "داعش" فقط، خاتماً رسالته " إلكم الله".
"فيتو الموك"
بدأ تهجير أهالي درايا بريف دمشق الغربي يوم أمس الجمعة، بسب تقاعس فصائل حوران عن فتح الجبهات وفك الحصار عن المدينة المحاصرة منذ 4 سنوات، قبلها بساعات، خرجت مظاهرات في عدة مدن وقرى بريفي درعا والقنيطرة نصرة لمدينة داريا، حيث رفعوا خلالها شعارات ضد القادة "المتخاذلين" وجميع الفصائل في المنطقة، ونددوا بتقاعسهم عن القيام بأي عمل عسكري، وفتح الجبهات للتخفيف عن داريا لمنع سقوطها.
إذاً، "فيتو" غرفة "الموك" على فصائل الجبهة الجنوبية منع فتح الجبهات في حوان وانقاذ درايا، خصوصاً أن لواء "شهداء الإسلام" كبرى الفصائل العاملة في داريا منضوي في "الجبهة الجنوبية".
ماذا عن "الفصائل الإسلامية"؟
هذا كان حال فصائل "الجبهة الجنوبية" التابعة للجيش السوري الحر، فماذا عن الفصائل الإسلامية في حوران، وهنا يجب أن نذكر أنه بعد انجاز الجزء الأول من تحرير مدينة "الشيخ مسكين" في مطلع عام 2015 سحبت جبهة "فتح الشام" (النصرة سابقاً) قواتها من المعركة، وزجت بها في مواجهة لواء "شهداء اليرموك"، حينها انفردت الجبهة باتهامه ببيعة تنظيم "الدولة" وشرعت في قتاله ثم انضمت إليها حركة "أحرار الشام" الإسلامية.
وبعد أكثر من عام من الصراع كانت جبهة "فتح الشام" قد انهكت عسكرياً، وانفض عنها الجزء الأكبر من عناصرها خوفاً أو رفضاً لهذا القتال، بينما كانت حركة "المثنى" الإسلامية في هذا الوقت تنسج تحالفاً مع لواء "شهداء اليرموك"، نتج عنه السيطرة المشتركة على أجزاء واسعة من ريف درعا الغربي، في مشهد ينذر بقرب إعلان "الإمارة" في الجنوب والحاقها بـ"دولة الخلافة التابعة لـ"أبو بكر البغدادي" في شمال سوريا.
هذه التطورات المتلاحقة في ريف درعا الغربي، دفعت فصائل "الجبهة الجنوبية" إلى الزج بنفسها في الصراع، بأوامر من غرفة "الموك"، وتجدر الإشارة هنا إلى أن غرفة الموك كانت رفضت الانخراط، في البداية، في معارك مع جبهة "فتح الشام" وحركة "أحرار الشام" ضد لواء "شهداء اليرموك" بل وعاقبت الفصائل التي شاركت.
"المعركة المؤجلة لانقاذ داريا"
قبل ثلاثة أشهر من الآن، بدأت جبهة "فتح الشام" وحركة "أحرار الشام" وعدد من الفصائل الإسلامية، بالتحضير لمعركة تحرير مدينة البعث مركز محافظة القنيطرة بهدف إنهاء وجود النظام في المحافظة، ومن ثم التوجه لكسر الحصار عن بلدات الغوطة الغربية، ولا سيما داريا، إلا أن عوامل عدة أهمها الخلافات المستمرة بين "الجبهة والحركة" حالت دون إطلاق المعركة، بالتزامن مع تأكيد فصائل "الجبهة الجنوبية" أن جبهة "فتح الشام" رفضت اشراكها في العمل العسكري، ما دفع الأخيرة إلى البحث عن نقطة أخرى تخرق من خلالها سد النظام وتكسر حصار ريف دمشق الغربي وصولاً إلى داريا فوقع اختيارها على منطقة "مثلث الموت" إلا أن هذه المعركة لم تبدأ أيضاً .
يرى نشطاء في حوران، أنه لا يوجد تفسير مقنع أو عائق منطقي يحول دون فتح المعركتين طيلة الشهور الثلاث الماضية، إلى أن سمعوا باتفاق "إخلاء داريا"، حينها فقط اتضحت الصورة لديهم ليقطع الشك باليقين، في أنه أمر قد دبر في غرف لا يرتادها عناصر و قادة الفصائل في حوران.
التعليقات (30)