إدلب.. والإرهاب

إدلب.. والإرهاب
إبادة المدن المحررة من قبل العدوان الروسي ودول التحالف مع إيران وميليشيات حزب الله وباستخدام الدمية الموجودة في القصر الجمهوري والتي يدافع عن وجودها كل وحوش العالم وإرهابييه ليست بالتأكيد حرباً على الإرهاب وهذا ما يعرفه كل مواطن سوري سواء أكان معارضاً لحكم الأسد أم مؤيداً له، فالمؤيدون الذين يساندون الأسد في تدميره للمدن السورية وتهجيره لسكّانها وقتلهم بكلّ الأساليب والوسائل يدركون جيداً _وإن أعلنوا عكس ذلك_ أنّ المقصود من الحرب القضاء على الثورة السورية والتي اختصت بها الأكثرية السنية في سوريا، ولذلك بات الهدف الجلي من هذه الحرب القضاء على هذه الأكثرية كونها الحامل الوحيد للثورة وكونها العنصر الوحيد القابل لأن يلصق به صفة الإرهاب بعدما عمل النظام العالمي برمته على شيطنة المسلمين وجعل الدين الإسلامي ديناً إرهابياً في أذهان البشرية جمعاء. 

تأتي الهجمة الشرسة الأخيرة على محافظة إدلب ضمن هذا السياق العام وتختص إضافة عليه بأسباب ذات خصوصية.

فلم يعد خافياً على أحد أنّ محافظة إدلب هُمِّشت خلال حكم الأسد وسُميت مدنها المدن المنسية بسبب الحذاء الذي رُمي على حافظ الأسد أثناء زيارته الأولى – والأخيرة - "في أوائل السبعينات" إلى المحافظة ، وقد خلق هذا الحذاء حالة حقد عمياء عند حافظ الأسد سرعان ما انتقلت عدواها لكل مفاصل النظام ومؤسساته الأمنية وتجلت عند مؤيديه على شكل احتقار للمحافظة واستصغار لشأنها ووسمها دائماً بالتخلف ما نزال حتى اليوم نستشعره بوضوح عند عبيد الأسد.

يتضافر اليوم مع هذا البعد النفسي الذي يضمر الحقد مع الغضب الناجم عن عناد أبناء المحافظة على المضي قدماً بالثورة حتى وإن تخلى عنها قسم مهم من السوريين وكذلك المشاركة العملية الفعالة في معارك حلب حيث يشكل الأدالبة قسم مهم من الثوار، وأخيراً جاء سقوط الحوامة الروسية في الريف الشرقي لمدينة سراقب، كل هذا يفسر هذه الهجمة الشرسة على المحافظة، ولا يقتصر الأمر على القصف بالطيران أكان تابعاً لعصابة الأسد أم كان تابعاً لعصابة بوتين أو حتى لعصابة التحالف الدولي ، بل تعمل الكثير من إدارات الاستخبارات الدولية والإقليمية على استكمال مهمات الطيران بأدوات أخرى كعمليات التفجير الانتحارية والتي تسارع فيها داعش على التبني المباشر وآخرها التفجير في معبر أطمة الحدودي الذي راح ضحيته خمسون شخصاً.

مع ذلك لا نستطيع حصر أسباب الهجمة الشرسة بما سبق فقط ، إذ ثمة سبب يعد في غاية الأهمية ويتجلى في الحراك المدني والتجربة المدنية السلمية التي لم يستطع الأسد شراء أهلها كما حصل في محافظات أخرى كما لم يستطع على الرغم من الاختراقات الكثيرة أن يسيطر على الفصائل المسلحة فيها فلجأ إلى دسّ من يقومون باغتيال قياديي الفصائل والشخصيات المهمة وحتّى الإعلاميين الذين يملكون تأثيراً قوياً على الناس ويعد الشهيد خالد العيسى والإعلامي هادي العبد الله  نموذجاً لذلك ، ولا ننسى عملية اغتيال قادة أحرار الشام في اجتماعهم عام " 2014"

 

لقد عُرف عن عصابة النظام حقدها الأعمى على كل ما من شأنه أن يشير إلى حالة مدنية ديمقراطية تعكس وعياً حضاريا تجلى ذلك في اعتقاله لهذه النوعية من الشباب والشابات ومعظمهم قد تم تصفيتهم داخل المعتقلات لذلك نراه اليوم يصب جام غضبه على تجربة شباب كفر نبل مثلاً هذه التجربة المميزة منذ بدء الثورة السورية ، وكذلك يصب جام غضبه على شباب معرة النعمان الذين يتظاهرون من أكثر من ثمانين يوماً ضد سلوكيات إحدى الفصائل المتدعشنة، ومع ذلك يبقى أبناء المحافظة في حالة صمود أسطوري وتشبث بالأرض لم يسبق له مثيل فالناس في محافظة إدلب لم يفقدوا الأمل وما زالوا على الرغم من خروج مدنهم من الخدمة نهائياً يعيشون فيها ويمتلكون اليقين بالنصر!

تجربتان لم يستطع الأسد ومحور الممانعة ومن ورائهم روسيا ودول التحالف القضاء عليهما فلجأ إلى إبادة مدنها، تجربة الدفاع المدني القائمة على جهود محلية وشخصية وبأبسط الأدوات، وتجربة الإدارة المحلية للشؤون المدنية والمحاكم وتسيير أمور الناس 

سراقب نموذجاً:

تكاد مدينة سراقب تتفرد بين مدن ريف إدلب والمناطق المحررة في أمرين: حيطانها التي تنبض بوحدة وطنية وحس حضاري، والثاني عدم نزوح أهلها إلى المخيّمات. بالإضافة إلى كونها مركزاً طبياً وملجأ للنازحين في بداية الثورة من كل المدن السورية والمدن المحيطة بها عندما كانت تحت يد النظام.

احتوت سراقب سكّان أريحا حين سيطر عليها جيش الأسد وهجّر أهلها ودمر قسماً كبيراً منها في مجازر مشهورة عام 2012.. 

حين استهدفت سراقب بالطيران المكثف بعد تحرير أريحا وإدلب والقضاء على معسكر المسطومة والشبيبة ومعمل القرميد الذي كان يقذفها بالحمم يومياً، صار أهلها ينزحون خارج المدينة لكن أثناء الغارات فقط ينزحون إلى البراري ثمّ يعودون ليلاً. هذه التجربة الفريدة بالنزوح حافظت على عدد سكّان المدينة، ومشافيها التي ينقل إليها المصابون من كل المدن وصارت تقريباً المركز الذي يلجأ إليه سكّان الريف والمدن المجاورة للبيع والشراء والحصول على الدواء والتداوي. 

لم تخفَ الأسباب التي قام النظام وحلفاؤه بقصف سراقب مؤخراً بغارات تجاوزت السبعين غارة استخدم فيها النابالم المحرّم دولياً، وإن استخدم النظام جثث الطيارين الروس ذريعة للقصف، فالكل يعرف أنّ جثث الطيارين ليست في سراقب، وأنّ الهدف هو القضاء على المدينة التي أصرّ أهلها على البقاء فيها واحتواء النازحين من المدن المنكوبة الأخرى وأصرّ أطباؤها على العمل في أشدّ الظروف قسوة وفي ظل عدم توفر مستلزمات الجراحة ومساعدة المصابين، كما أصرّ شبابها أن ينظفوا مدينتهم بعد كل غارة وفرق الدفاع المدني جاهزة للعمل في كل وقت! 

والكادر المدني يقوم بعمله على أكمل وجه.. كيف يمكن لروسيا الفاشية أن ترى تلك التجربة وتسكت؟ كيف تستطيع أن ترى بعد خمس سنوات من القتل والتدمير والتهجير وفي وقت باع البعض أهلهم للنظام، أناساً ما زالوا متمسكين بكلمة "ثورة" وما زالت حيطانهم تتوهج بالألوان التي يسطرون بها عبق أرواحهم قبل أن يسلموها لخالقهم؟

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات