إذاً هل علينا الاعتقاد بأن الثورة السورية لا يمكن أن تصل لغاياتها على يد مخلص واحد، لا أجزم! لكن اعتقد أنها تحتاج لحالة كاملة تتجاوز الحالات الفردية دون أن تلغيها تستفيد من تجربتها دون تبنيها، بل يمكن القول بأنها تجمعها وتؤطرها كمادة أصل، نواة لطاقة دافعة باتجاه الخلاص، وهنا لابد من التنويه بأن الفردية لاتعني فقط شخصا بعينه بل أيضا تشمل فصيلا أو حركة أو جبهة، فأي منها وحده لن يكون بذاته مخلصا، ولن يكون أيضا الخلاص باستثناء وجوده أخيرا، وقد تكون تجربة "جيش الفتح" حالة جامعة قدمت نموذجا اتحاديا حقق غايات وضعها، وأصاب في كثير من الحالات، وأخطأ أيضا في بعضها، لكن بالعموم يمكن مقاربة حالته بحالة جمعت أقوياء وضعفاء بغية هدف واحد "قريب"، وتركت الأهداف البعيدة لأصحابها دون المساس بها، وقد يكون الشيخ عبدالله المحيسني نموذجا تأمليا لابد من درسه (بغية الاقتداء به أو اقتلاعه)، هو الشاب الثلاثيني المهاجر الباحث عن "الجهاد" نصرة للمظلومين حسب ما يقدم نفسه، وهو الذي قبل منصب القاضي العام لجيش الفتح كأول مهمة رسمية له في "جهاده الشامي"بعد أن تخلى معها عن كونه "المجاهد" المستقل الذي لا ينتمي لأي جهة ويعمل بالمقابل مع كل الجهات، ولابد من التذكير أن هذه العمل الرسمي في صفوف جيش الفتح كان بعد أن تدخل المحيسني طويلا كوسيط لحل الخلافات، وكانت أولى وساطاته بين "تنظيم الدولة الإسلامية" وحركة أحرار الشام لحل الخلاف الذي اندلع بينهما في شهر كانون الأول من العام 2013 بعيد وصله لسوريا بشهرين تقريبا، ومن ثم سعيه لحل الخلافات بين الفصائل من جهة والتنظيم من جهة أخرى وبين الفصائل أنفسهم، إلى أن طرح ما أسماه "مبادرة أمة" عام 2014، تلاها شهادته التي أدلى بها في شباط 2014 ضد التنظيم وحمّله فيها المسؤولية عن الخلافات الواقعة وتحول عن مهمة التوسط إلى مهمة مرافقة جيش الفتح كقاض شرعي ليبرز اسمه في معارك إدلب ويصبح رقما صعبا في المعادلة السورية وخاصة في الشمال لكنه حتما لن يرقى لدى بعض السوريين الثائرين لرتبة المخلص، كونه وفكره ومايعتقد "طارئ" على الثورة كما يعتقدون، لكن الرجل في الأونة الأخيرة أصبح مصدر قوة وتفاؤل للحاضة الشعبية وسندا قويا يعتد به في وجه دعاية "النمر" و"حسن نصر الله" و"عزرائيل الإيراني" وغيرهم.. وأصبح ظهوره فأل خير للكثيرين، وعندما يتواجد المحيسني في مكان أو معركة تكون احتمالات النصر أكبر.
وظهر الشيخ في حلب أخيرا، وصف البعض الفيلم القصير الذي عرض للحظات دخوله الأولى بأنه "دخول الفاتحين" ومن ثم توالت الصور عن وجوده في قلب حلب وعن وصوله للجامع الأموي في المدينة القديمة وتوعده لقوات الأسد بأن معركة كبرى يعد لها لم تبدأ بعد في حلب وغيرها ستغير المعادلة في سوريا.
أعود لأذكر بأن الخلاص الأخير لن يكون بحالة فردية لكن حالة المحيسني تستحق التأمل وهو الغريب عن البلاد وأهلها وتستحق التساؤل عن سلوك أوصل الرجل إلى مرتبة "الفاتح"، ولا أبالغ إذ قلت بأن غيره من أبناء سوريا أنفسهم لم يصلها، وقد يكون المزاج الشعبي الحالي في الشمال السوري يتوافق مع ما يقدمه المحيسني من رؤى وأفكار لكن إلى متى؟ وإلى أي مدى يمكن أن تتسع رقة الاتحاد "جيش الفتح" إذ يعتبر الحامل الأساسي لشخص المحيسني، وهل مشروعه ينطبق مع مشروع الثورة أو يتقاطع ببعض الأهداف؟ أسئلة كبيرة عن نموذج بات واقعا لايمكن تجاهله وإن كانت الثورة اليوم في حال أقرب منها للسعي في طريق الخلاص الأخير منها للوصول إليه، وكما أسلفت ثمة لذة في الطريق قد تكون دافعا للبعض لقبول المحيسني كنموذج ولجيش الفتح كأداة فعالة في ظل اتحاد قوى الشر جميعها ضد الشعب السوري...لكن الحالتين تستحقان الوقوف عندهما طريقنا إلى الخلاص الأخير والشيخ المحيسني.
التعليقات (24)