الشيخ "المحيسني".. والخلاص الأخير

الشيخ "المحيسني".. والخلاص الأخير
قد يكون "الخلاص الأخير" مشتركا أساسيا في كثير من العقائد والديانات السماوية منها والأرضية، وتتفاوت الدلالات عن هذا الخلاص وكيفيته وطبيعة الإيمان به، لكن بالمجمل يمكن الاختصار بأن أي نهاية تعتبر خلاصا، لكن الوصول لخلاص أخير وبشكل مرضٍ هو المراد للجميع، وبذلك تكون الحياة سعيا حثيثا يستمر بجهاد  طوال العمر ينتهي غالبا دون ضامن، إلا بقدر التضحيات التي قدمت في طريق الوصول، لكنها أيضا لا تقدم ضمانا، وتبقى في سياق المحاولة أو السعي، وفي هذه الاشكالية تقع قضية اللذة والوصول فالتضحية كثيرا ما تجمّلها لذة ويهونها نشوة قد تحد من أثر وعورة الطريق، وبذلك قد يكون الطريق أهم عند الكثيرين من الوصول ذاته، أو ييعادله، وقد يكون عمق الإيمان بأن الخلاص لابد له من أثمان يدفعها البعض ليصل أخر دافعا لتقديم هذه الأثمان.. هذا التوصيف للخلاص يقدم لأي نظرية دارسة للثورة السورية وإيمان أصحابها بأنها ستصل للخلاص الأخير المستحب أو المطلوب، وفي طريقها الطويل (إلى الآن) دُفعت الكثير من الأثمان وقدمت التضحيات دون أن ينتظر من قدم، نتيجة آنية، بل سكب تضحيته في سيل يعتقد أنه يهدر جارفا سيقتلع الطغاة، وينظف مجراه من كل الحثالات ويوحد يوما الطاقات في واحدة كلية متحدة تتحكم بصيرورة النتيجة، وهذا ينفي تماما صفة الفردية عن المخلص.

إذاً هل علينا الاعتقاد بأن الثورة السورية لا يمكن أن تصل لغاياتها على يد مخلص واحد، لا أجزم! لكن اعتقد أنها تحتاج لحالة كاملة تتجاوز الحالات الفردية دون أن تلغيها تستفيد من تجربتها دون تبنيها، بل يمكن القول بأنها تجمعها وتؤطرها كمادة أصل، نواة لطاقة دافعة باتجاه الخلاص، وهنا لابد من التنويه بأن الفردية لاتعني فقط شخصا بعينه بل أيضا تشمل فصيلا أو حركة أو جبهة، فأي منها وحده لن يكون بذاته مخلصا، ولن يكون أيضا الخلاص باستثناء وجوده أخيرا، وقد تكون تجربة "جيش الفتح" حالة جامعة قدمت نموذجا اتحاديا حقق غايات وضعها، وأصاب في كثير من الحالات، وأخطأ أيضا في بعضها، لكن بالعموم يمكن مقاربة حالته بحالة جمعت أقوياء وضعفاء بغية هدف واحد "قريب"، وتركت الأهداف البعيدة لأصحابها دون المساس بها، وقد يكون الشيخ عبدالله المحيسني نموذجا تأمليا لابد من درسه (بغية الاقتداء به أو اقتلاعه)، هو الشاب الثلاثيني المهاجر الباحث عن "الجهاد" نصرة للمظلومين حسب ما يقدم نفسه، وهو الذي قبل منصب القاضي العام لجيش الفتح  كأول مهمة رسمية له في "جهاده الشامي"بعد أن تخلى معها عن كونه "المجاهد" المستقل الذي لا ينتمي لأي جهة ويعمل بالمقابل مع كل الجهات، ولابد من التذكير أن هذه العمل الرسمي في صفوف جيش الفتح كان بعد أن تدخل المحيسني طويلا كوسيط لحل الخلافات، وكانت أولى وساطاته بين "تنظيم الدولة الإسلامية" وحركة أحرار الشام لحل الخلاف الذي اندلع بينهما في شهر كانون الأول من العام 2013 بعيد وصله لسوريا بشهرين تقريبا، ومن ثم سعيه لحل الخلافات بين الفصائل من جهة والتنظيم من جهة أخرى وبين الفصائل أنفسهم، إلى أن طرح ما أسماه "مبادرة أمة" عام 2014، تلاها شهادته التي أدلى بها في شباط 2014 ضد التنظيم وحمّله فيها المسؤولية عن الخلافات الواقعة وتحول عن مهمة التوسط إلى مهمة مرافقة جيش الفتح كقاض شرعي ليبرز اسمه في معارك إدلب ويصبح رقما صعبا في المعادلة السورية وخاصة في الشمال لكنه حتما لن يرقى لدى بعض السوريين الثائرين لرتبة المخلص، كونه وفكره ومايعتقد "طارئ" على الثورة كما يعتقدون، لكن الرجل في الأونة الأخيرة أصبح مصدر قوة وتفاؤل للحاضة الشعبية وسندا قويا يعتد به في وجه دعاية "النمر" و"حسن نصر الله" و"عزرائيل الإيراني" وغيرهم.. وأصبح ظهوره فأل خير للكثيرين، وعندما يتواجد المحيسني في مكان أو معركة تكون احتمالات النصر أكبر.

وظهر الشيخ في حلب أخيرا، وصف البعض الفيلم القصير الذي عرض للحظات دخوله الأولى بأنه "دخول الفاتحين" ومن ثم توالت الصور عن وجوده في قلب حلب وعن وصوله للجامع الأموي في المدينة القديمة وتوعده لقوات الأسد بأن معركة كبرى يعد لها لم تبدأ بعد في حلب وغيرها ستغير المعادلة في سوريا.

أعود لأذكر بأن الخلاص الأخير لن يكون بحالة فردية لكن حالة المحيسني تستحق التأمل وهو الغريب عن البلاد وأهلها وتستحق التساؤل عن سلوك أوصل الرجل إلى مرتبة "الفاتح"، ولا أبالغ إذ قلت بأن غيره من أبناء سوريا أنفسهم لم يصلها، وقد يكون المزاج الشعبي الحالي في الشمال السوري يتوافق مع ما يقدمه المحيسني من رؤى وأفكار لكن إلى متى؟ وإلى أي مدى يمكن أن تتسع رقة الاتحاد "جيش الفتح" إذ يعتبر الحامل الأساسي لشخص المحيسني، وهل مشروعه ينطبق مع مشروع الثورة أو يتقاطع ببعض الأهداف؟ أسئلة كبيرة عن نموذج بات واقعا لايمكن تجاهله وإن كانت الثورة اليوم في حال أقرب منها للسعي في طريق الخلاص الأخير منها للوصول إليه، وكما أسلفت ثمة لذة في الطريق قد تكون دافعا للبعض لقبول المحيسني كنموذج ولجيش الفتح كأداة فعالة في ظل اتحاد قوى الشر جميعها ضد الشعب السوري...لكن الحالتين تستحقان الوقوف عندهما طريقنا إلى الخلاص الأخير والشيخ المحيسني.

التعليقات (24)

    عواد

    ·منذ 7 سنوات 9 أشهر
    يا سيدي بالنظر للسياسيين السوريين والقاده المنحلين اخلاقيا لا يوجد امل بشئ واكبر دليل الجبهه الجنوبيه اذا كان الرجل ليس لديه. جنسيه سوريه فما المشكله هو سوري اكثر منا جميعا نحن من ترك البلاد او تامر عليها

    عامر

    ·منذ 7 سنوات 9 أشهر
    كلام جميل ونسأل الله ان يوحد كلمة المجاهدين الثوار فـ بالوحدهـ يتحقق النصر و الثبات

    محب للثوره السوريه

    ·منذ 7 سنوات 9 أشهر
    ارجو عدم الترويج لاسماء المحيسني اوالسعودي اوغيره عليكم بتوحيد صفوفكم وتحرير بلدكم واي شخص يمد لكم يد المساعده يمدها لله ثم لكم وليس لمجد شخصي. فارجو عدم التطبيل فاهل الشام اقدر بالتمجيد كزهران علوش مثلا فله فضل عظيم في انشاء جيش الفتح

    نضال نعيثة

    ·منذ 7 سنوات 9 أشهر
    ياحبذا توضيح من علي حميدي في كلمته المفتاحية نفهم منه مقاله أو مراده.

    عمر

    ·منذ 7 سنوات 9 أشهر
    قالوا شيخ محيسني

    أبوزيد الحموي

    ·منذ 7 سنوات 9 أشهر
    نرجوا مقابلة متلفزه للشيخ المحيسني وشكرا

    ابوزيد الحموي

    ·منذ 7 سنوات 9 أشهر
    قال عليه الصلاة والسلام من لم يشكر الناس لم يشكر الله وانا أيضا اتشكرك اذزكرت الشيخ المجاهد الشهيد بأذن الله زهران علوش شورأيك عند كثيرين من الناس هوخائن ياأخي يقول عليه افضل الصلاة إىضاء الناس غاية لاتدرك وأسف اذا قلت مالايرضيك

    مجاهد

    ·منذ 7 سنوات 9 أشهر
    لو الله ولولا الشيخ المحيسني لكانت الثوره بخبر كان والدليل على هذا الكلام الغوطه على اساس متوحده وهيه اسم بس أما مجوعه فصائل جيش الفتح كلها تحت رأيه واحده

    ابوالعلمين المشوح

    ·منذ 7 سنوات 9 أشهر
    المحيسني اشرف من الشرف بزاتو

    شادي العبود

    ·منذ 7 سنوات 9 أشهر
    حياك الله ياشيخنا عبدالله المحيسني

    محمد شرف...

    ·منذ 7 سنوات 9 أشهر
    جيش الفتح يستحق كل التحية والدعاء ولكن. المشكلة بشكل عام وبشكل دائم مع جميع الفصائل هية الاجندات الخارجية.. توقف المعارك بسبب ورقة سياسية او مباحثات بين دولة او اكثر من اطراف الصراع. فتتوقف المعارك فجأة لمصالح تلك الدول على حساب دم الابرياء.. بسورية كما حصل بجنوب سوريا وشمالها ولكم مني كل التحية وكأن الصراع لاجل مكاسب ومصالح دول وليس لاهداف انسانية او هية لله كما يقال فالتجارب تكرر نفسها

    مصلح صالح

    ·منذ 7 سنوات 9 أشهر
    ماهو الفضل ؟ لما قتلوه إذا ومم قتله؟

    من عباد الله

    ·منذ 7 سنوات 9 أشهر
    سلام عليكم ثبتكم الله

    عواد

    ·منذ 7 سنوات 9 أشهر
    يا سيدي لولا زهران علوش التابع لال سعود لدخل الثوار دمشق محررين٢٠١٢وانا كنت في دمشق عندما انسحب من المعركه وترك فجوه وكاد النظام ان يسقط زهران له فضل على النظام و هو تابع لال سود التابعين لامريكا وهي لا تريد للثوره الخير

    مهاجر

    ·منذ 7 سنوات 9 أشهر
    سيد حميدي: مقالك جيد فالفكرة بناءة وواقعية وعالجتها بطريقة منطقية لا تخلو من بعض الإشارات.إلا أنني استطعت كشف بعض(الألغام) الفكرية التي وضعتها انت بين سطور مقالك، وأهمها إشاراتك الغامضة المريبة إلى الشيخ المحيسني حفظه الله.وسؤالي لك ما ضرّ الرجل إن كان حجازياً أو بمنطقك أنه غير سوري، ألم ترَ أن هناك سوريين من هو أخبث من الايرانيين وأشد إجراماً من بشار. أهلا وسهلا ومرحبابكل مسلم شريف مخلص وان كان من القمر فهو عندي سوري وأجله أكثر من أخي ابن امي وابي.

    مهاجر

    ·منذ 7 سنوات 9 أشهر
    إن كان قصدك سئ فعليك من الله ما تستحق. وإن كان غير ذلك فنرجو توضيح وبيان رأي حضرتك.

    طائر بلا جناح

    ·منذ 7 سنوات 9 أشهر
    كان الشهيد عبد القادر الصالح على نفس الطريق و لو كتب له البقاء لربما كان الآن ذو شأن كبير في الثورة. .. المحيسني شخص مؤمن بقضية و هو يضحي بنفسه من أجلها فتجد خطاباته من الخنادق و ساحات الوغى لا من الفنادق و قاعات المؤتمرات بالإضافة إلى علمه الشرعي و الكاريزما الخاصة و هي أمور لم يفلح أحد من الثوار بجمعها و في النهاية أمام وحدة القضية لا فرق بين عربي و آخر أيا كان انتماؤه الجغرافي. .

    شوية يونس

    ·منذ 7 سنوات 9 أشهر
    الشعب السوري قالها ويقولها مالنا غيرك يا الله...وبالله ينتصر..ثم الشكر لكل من ساند

    عواد

    ·منذ 7 سنوات 9 أشهر
    زهران علوش قاتل جيش الامه الذي حرر الغوطه وسجنهم وعلى خلاف مع احرار للشام و انسحب في ٢٠١٢ عندما دخل الثوار دمشق ويتلقى دعم من السعوديه و امريكا وسلامه فهمكم والسوءل لماذا يقاتل جيش الفسطاط في الغوطه ومعاركه مع النظا

    عواد

    ·منذ 7 سنوات 9 أشهر
    السؤال الذي يطرح نفسه لماذا لا يعترض الؤيدين للنظام على قاسم سليماني اوحسن زميره بل ويجنسوهم فعلئ كل مشكك ان يراحع انتماؤه لمن

    عواد

    ·منذ 7 سنوات 9 أشهر
    السؤال الذي يطرح نفسه لماذا لا يعترض الؤيدين للنظام على قاسم سليماني اوحسن زميره بل ويجنسوهم فعلئ كل مشكك ان يراحع انتماؤه لمن

    خالد ابو عمر

    ·منذ 7 سنوات 9 أشهر
    المعارضين لفكرة الجهاد كبديل للثورة او التمرد بالتعبير العلماني لا يرغبون بالدخول بالحرب مع احد ولا يريدون ان يضحوا ولو باموالهم من اجل انقاذ سوريا من (الشيعة المتدينين) حتى آذانهم ومن " المؤدلجين والمتدينين " حتى آذانهم من الصهاينة. سوريا بين فكي الكماشة ولا احد يستطيع الوقوف امام هذا الرعب والاجرام الشيعي الصهيوني الا بالايمان

    خالد ابو عمر

    ·منذ 7 سنوات 9 أشهر
    ومن اجل هذا لن ينتصر امثالك من العنصريين ومدعي الوطنية

    مهدي انعيمي

    ·منذ 7 سنوات 9 أشهر
    عبدالله اامحيسني اشرف من الكثير الله ينصرو
24

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات