الطائفية وراء الهجوم على "سمرقند"

الطائفية وراء الهجوم على "سمرقند"
لم يجد مسلسل اعتمد على حقبة تاريخية وألبسها لبوس الواقع انتقاداً واستياءً منذ بدء الدراما السورية بإنتاج هذا النوع من المسلسلات حتّى الآن أكثر من مسلسل "سمرقند".. والواقع بل السياسة الحالية والمواقف من الثورة السورية هي الدافع الأوّل لهذا الهجوم.

اتكأ المسلسل _كما جاء في مقال منشور في صحيفة السفير اللبنانية الموالية لنظام الأسد_ على رواية الكاتب اللبناني أمين معلوف "سمرقند" ولم يلتزم المسلسل بالخط الدرامي المرسوم في الرواية بل حاد عنها وانقلب عليها وبحسب كاتب المقال فإنّ ذلك كان بهدف (إلباس الداعشية لبوس الباطنية ونزع صفة السلفية عنها وإرجاعها إلى جماعة حسن الصباح وبالتالي تبرئة ابن تيمية والوهابية منها). إذن فالمشكلة القائمة ليست بانقلاب السيناريو على النص الروائي أو في أداء الممثلين أو في البعد عن الواقع كما جاء في المقال بل المشكلة تكمن في البعد الطائفي المراد تكريسه في المسلسل من وجهة نظر الصحفي اللبناني الشيعي، الذي لم يكن اعتراضه على هذه الجزئية فقط في المسلسل الذي نفى (أنّ الدواعش هم أحفاد ابن تيمية والوهابية) بل أيضاً لأنّ المسلسل حاول أن يزاوج بين عقيدة الإمامة "الشيعية المنشأ" وحركة حسن الصباح الإرهابية!

كاتب المقال يرى أنّ حركة حسن الصباح الذي ترأس فرقة "الحشاشين" أو ما يعرف بالإسماعيلية، وأقام في قلعة "الموت" هي حركة إرهابية قامت على القتل والإرهاب، وأنّ المسلسل قام بنية مبيتة بالخلط بينها وبين الحركة الشيعية وزاوج بينهما ليلد هذا التزاوج مخلوقاً هجيناً هم "الدواعش"! وهذا ابتذال وتعدٍ على الحقائق التاريخية اعتمد فيه من قاموا بهذا العمل على جهل الناس بالتاريخ وعدم رغبتهم في البحث عن الحقائق. 

ربّما كان كاتب المقال على علم بقصّة حسن الصباح وكيف شكّل فرقته، والوسائل التي اتبعها في تجنيد حاشيته وجيشه، وقد تكون تلك الطرق الملتوية التي استطاع مؤسس فرقة الحشاشين من خلالها السيطرة على عقول أتباعه وإقناعهم بأنّه يملك أمرهم ويستطيع إرسالهم إلى الجنة وإعادتهم منها، وذلك من أجل أن يكسب إيمانهم المطلق به فيذهبون إلى الموت راضين ويقومون بالاغتيالات الموكلة إليهم برباطة جأش ولا يخشون الموت بعدها فقد رأوا بأعينهم الجنة والحور العين فيها وعرفوا ما ينتظرهم بعد الموت! 

وربّما اعتمد في معلوماته تلك على رواية "الموت" للكاتب السلوفيني فلاديمير بارتول الصادرة عام 1938.. وهي رواية مترجمة إلى العربية يحكي فيها الكاتب قصة "حسن الصباح" مؤسس فرقة الحشاشين وعلاقته بالشاعر الفارسي عمر الخيّام.. لكن الرواية ليست توثيقاً للتاريخ بل استعار الكاتب شخصيات تاريخية وقدمها _حسب رؤيته الخاصة_ لكيفية صنع حسن الصباح لجنته على الأرض وكيف بنى قلعته المنيعة وكيف هزم أعداءه بخططه المحكمة ودهائه، لكن شاء بعض القرّاء أن يروا أنّها حقيقة بأكملها، مع العلم أنّ الرواية بالمطلق مهما اعتمدت على التاريخ لا يمكنها أن تكون وثيقة تاريخية لأنّها تأخذ من خيال كاتبها وآرائه وعواطفه ومواقفه ومعارفه، وكلّ ذلك يلبس لبوس التاريخ فيبدو حقيقة لكنّها ليست حقيقة واقعية.. بل حقيقة روائية بحتة.  

لا شكّ أنّ كاتب المقال خنقته طائفيته إلى درجة إلقاء التهم جزافاً ولم يجد بأساً من وصف الفرقة الإسماعيلية بالإرهاب ليبعد طيف الإرهاب عن الشيعة الذين ينتمي إليهم فعلى ماذا يراهن والشعب السوري يرى بأعينه إرهاب الشيعة وحزب الله منذ بداية الثورة السورية وحتّى اللحظة؟ 

التاريخ الدموي الإسلامي كما يصفه كاتب المقال ليس حكراً على فرقة أو طائفة، لكنّ كلّ طائفة تحاول تنزيه نفسها وإلباس التّهمة لطائفة أخرى بل للطوائف الأخرى مجتمعة. ومع ذلك فإن الدّماء السورية التي أراقتها الفرقة "الشيعية والعلوية" خلال الثورة السورية تفوق التاريخ الدموي الإسلامي منذ بدايته حتّى الآن. ولا يمكن مقارنة المجازر التي حدثت خلال السنوات الخمس الماضية بكلِّ المجازر الإسلامية عبر التاريخ "الإسلامي الدموي"!

لخّص "بارتول" في روايته "آلموت" على لسان حسن الصباح إشكالية ما نعيشه بقوله: "هكذا فإنّ السّيادة هي ملك ذاك الذي يجعل سلاطين العالم مكبلين بالخوف". لقد كان حسن الصباح يفكّر بالطريقة الأمريكية ذاتها، كيف يجعل "السلاطين/الحكّام" خائفين من الإرهاب الذي يهدد وجودهم على عروشهم وكراسيهم.

إنّها سيادة الخوف من الإرهاب ممثلاً بالجماعات الإسلامية الوهابية التي خلقتها ودعمتها قوى عالمية لسحق الشعوب التي تطالب بحريتها تحت مسمى الحرب على الإرهاب. 

التعليقات (2)

    عبدالسلام

    ·منذ 7 سنوات 9 أشهر
    سلمت سيدة ابتسام نحتاج لأمثالك لتصحيح البوصلة.

    ام حيدرة

    ·منذ 7 سنوات 9 أشهر
    الى جهنم وبأس المصير يا *** يا مرتزقة وسندوس بأقدامنا على جثثكم ****
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات