تركيا خازوقٌ دُقَ بأَسفَلِهِم من أقصى الشرق إلى الغرب

تركيا خازوقٌ دُقَ بأَسفَلِهِم من أقصى الشرق إلى الغرب
ثلاث ساعات، ليست كأي ساعات، لقد كانت كافية لأن تجعل العالم كله يقف على قدم واحدة، ساعات تحولت خلالها الأنظار إلى تركيا، فما حدث كان خطبا جللاً ليس كمثله خطب، هو حدث كان سيغير مسار الأحداث ويقلب الأمور رأسا على عقب، ليس في المنطقة وحسب، بل ربما في العالم قاطبة.

لن أدخل في سرد حيثيات الانقلاب، ولا تفاصيله أو أسبابه، فما قيل فيه وكتب عنه كثير ويفيض، لكنني سأستعرض صوراً من شماتة أعداء تركيا، ومقارنات يمكن أن نستخلص منها بعض العبر والدروس، فتجربة الانقلاب الفاشلة، تستحق الوقوف عندها وإستعراضها من كافة جوانبها.

"دعونا نحتشد كأمة في الميادين. أعتقد أننا سنتخلص من هذا الاحتلال الذي وقع في فترة وجيزة. أنا أدعو شعبنا الآن للنزول للميادين وسنعطيهم الرد الضروري". كلمات قليلة قالها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان عبر هاتف أي فون باستخدام تطبيق "فيس تايم" وبثتها قناة "سي إن إن" التركية وتناقلته عنها كافة وسائل الإعلام، لكنها كلمات كانت كافية لتوضيح صورة ما يجري. 

هناك انقلاب، لكن الرئيس الطيب بخير ويخاطب شعبه، ويطالبه بالنزول الى الشارع والتصدي لانقلاب العسكر التركي الخامس، ليس حماية لأردوغان الشخص أو الرئيس، ولا حكومته أو حزبه، بل حماية للدولة المدنية، وما حققته من إنجازات على مدى أكثر من 12 عاما. الشعب لبى النداء!!

مساجد تركيا كانت هي العلامة الفارقة في كل ما حدث، فصدحت مآذنها بالتكبير، والتهليل، والصلاة على الرسول، فأيقظت النيام، وبثت العزيمة في النفوس، فتداعى الأتراك إلى ساحاتهم، زادهم شيء من تكبير وعلم أحمر لوحوا به فوق الرؤوس والأعناق. لم يرفعوا صورا لقائد خالد أو مفدى!!

بن علي يلدريم رئيس الوزراء قال: "الأمن والشرطة سيتصدون للانقلاب". هي كلمة قالها موقنا بها وواثقا منها، فالعمل الجاد لإعادة بناء المؤسسة الأمنية على أسس وطنية صحيحة على مدى أكثر من عقد من الزمان، قد آتى أكله وآن له أن يظهر للعيان. الأمن والشرطة كانا على الموعد!!

من حسن حظ الشعب التركي، أن العسكر كانوا لا يزالون يعيشون على عقلية انقلابات القرن الماضي، ولم يعلموا أن العالم قد تغير، وأن تركيا اليوم ليست تركيا الستينيات، أو السبعينيات، ولا حتى تسعينيات القرن العشرون، إنها الدولة التي أعيد بناؤها على أسس حديثة، تعطي الأولوية للإنسان وتحترم حق الشعب في حياة حرة كريمة، يقررها هو بنفسه، وليس العسكر... فوجئ العسكر!!

تفاجأ الانقلاب العسكري بنزول الشعب إلى الشارع، لكنه لم يرتكب مجازر بحقهم، وهذه سابقة تسجل لهم، صحيح أن هناك قتلى لكن يكاد العدد لا يقاس أو يقارن بعدد من تقتلهم الانقلابات في دولنا العربية، فمع إحترامنا للنفس البشرية أيا كانت وحقها في الحياة، إلا أن حصيلة الضحايا بلغت 265 قتيلا منهم 104 فقط من مؤيدي الانقلاب و161 من المدنيين وعناصر الشرطة، قتلوا دهسا أو نتيجة إشتباكات، أو بإطلاق نار من مروحيات وطائرات تقصف. يكفي أن نعرف أن طائرات الانقلاب قد قصفت مبنى البرلمان تسع مرات، وأنها حاولت إغتيال الرئيس فقصفت مقر إقامته في مدينة "مارماريس" وكذلك فعلت بالقصر الرئاسي، وغيره من مؤسسات الدولة. قصف مبنى البرلمان كان سابقة لم تحدث من قبل!

    

الرئيس كان شجاعا، فطار من مارماريس إلى إستنبول، وحط بطائرته في مطار أتاتورك، الذي كانت طائرات الانقلاب تحلق في سمائه، لكن أنصار الرئيس كانوا قد وصلوا المطار وسيطروا على أرضه، فلم يرتعب ولم ترتعد فرائصه، بل خرج الى الحشود خاطبا بها، شجاعته ألهبت حماس مواطنيه، فلبوا النداء، وتوالت الحشود البشرية الزاحفة، كيف لا وهو أبو تركيا وباني نهضتها الحديثة ومفجر طاقاتها، وهو الذي نقلها من مستنقع الدين والفساد وانقلابات العسكر، إلى البناء والصناعة والإكتفاء الذاتي، بل والتصدير الى 190 دولة حول العالم. كيف لا وهو مهاتير محمد تركيا؟

جميع الأحزاب السياسية أعلنت موقفها الرافض للانقلاب وتأييدها للشرعية، حتى أولئك الذين تآمروا على إردوغان وحزبه، أو وقفوا ضدهما يوما، لكن ما لا يعلمه كثيرون، هو أن هؤلاء لم يفعلوا ذلك حبا بأردوغان وحزبه، ولا حتى خوفا على الديمقراطية، "لا" هم فعلوه تحت ضغط الشارع، خاصة بعدما شاهدوا كيف أن الشعب قد ملئ الساحات والميادين متصديا للانقلاب، فأدركوا هشاشة موقفهم وخسارتهم لشعبيتهم، فبعضهم متآمر وشريك في الانقلاب، لكنه الشعب قال: "لا" فكانت لاءاتهم. 

تركيا تغيرت، كل شيء فيها تغير، حتى الشعب وطريقة تفكيره فلم يعد سلبيا، غير مبالٍ بما يحدث، فقد ذاق الأتراك طعم الحرية وحلاوتها، فانتفضوا يتصدون للانقلاب بكل بسالة وشجاعة، ولأول مرة في تاريخ تركيا تمتلئ المساجد في صلاة الفجر وتغص بالمصلين، ليطوف بهم فناؤها إلى الساحات صفوفا كأنهم بنيان مرصوص.         

فرنسا كانت أغلقت سفارتها قبل يومين من الانقلاب، فهل كانت تعلم شيئا أم أنها كانت من الداعمين، أما الأغرب فكان بيان سفارة الولايات المتحدة الأمريكية في تركيا، التي أصدرت تحذيرا لمواطنيها بتوخي الحيطة والحذر تحت عنوان "إنتفاضة تركيا" في حين أن موقف كل من رئيسها ووزير خارجيتها كان غامضا غموض السياسة الأمريكية نفسها، فلم يكن هناك تنديد بالانقلاب ولا إدانة بل نصائح يتلونها على الأتراك؟! 

ثلاثة دول أعلنت صراحة وقوفها إلى جانب الشرعية في تركيا، هي السودان، وقطر، والمغرب، عدا عن ذلك، فإننا لم نسمع عن مواقف رسمية لأية دولة إلا بعد فشل الانقلاب بساعات، فلماذا؟!

لقد كانت الخطة تقضي بتصفية الرئيس أو إعتقاله، لكن الانقلاب فشل في إعتقال أي من أركان الحكم الكبار في تركيا، بل فشل حتى في إجبار رئيس الأركان التوقيع على بيان الانقلاب، فكانت بداية فشل الانقلاب الذي دعمته أكثر من وسيلة إعلامية عربية وغربية، حتى الصحف والمحطات الإخبارية كانت موقنة من نجاح الانقلاب، فخرجت علينا تزف خبر الإطاحة بالرئيس إردوغان، بعضها وكي يفت في عضد الشعب ويمنعه من النزول إلى الشارع، فقناة "بي بي سي" العربية وقناة "سكاي نيوز" العربية، وقناة "العربية"، والمحرر الدبلوماسي في تلفزيون "آي تي في" وشبكات الأخبار الأمريكية كانت كلها تبث تعليقات وتحليلات تفيد بأن إردوغان قد انتهى، وأنه قد لجأ إلى ألمانيا. 

لقد أثبتت الحكومة التركية حساً عاليا بالمسؤولية، فتعاملت مع الأحداث بديناميكية كبيرة، أثبتت من خلالها أنها كانت مستعدة ومتحسبة لهكذا حدث، حيث تجلى ذلك باجتماعات برلمانية أعلنت دعمها للشرعية، وحكومية أثبتت أنها لاتزال موجودة وممسكة بمقاليد الحكم، وعسكرية أمنية تصدت للانقلاب، كل هذا أدى لإدارة صحيحة للأزمة، فتم حصر وكشف مدبري الانقلاب وتحييدهم، وإعتقال وإقالة الكثير من قادته الكبار، إضافة لأكثر من ستة آلاف من المشاركين فيه, وعينت رئيس أركان الجيش الأول على رأس هيئة الأركان بالوكالة، أثناء إحتجاز رئيس هيئة الأركان "خلوصي أكار" من قبل الانقلابيين.

مما رشح من معلومات، أن رئيس الأركان "خلوصي" هو الذي طلب من قائد الجيش الأول الجنرال "أوميت دوندار" تولي مسؤولية قيادة هيئة الأركان وسرعة التحرك، ليقوم "أوميت" على الفور بالاتصال بالرئيس وإطلاعه على المحاولة الانقلابية، والطلب منه مغادرة مقره في مرمريس، والتوجه لإستنبول وليس أنقره، الأمر الذي أنقذ حياة إردوغان، الذي غادر قبل نصف ساعة من الهجوم. 

يمكننا القول إن ثلاثة عوامل رئيسية تقف خلف فشل الانقلاب وهي:

 الأول: وقوف الشعب خلف الحكومة وتلبيته طلب الرئيس التركي بالنزول إلى الشارع. موقف الشعب التركي هذا عبر عنه إردوغان بالقول إن موقف الشعب التركي هو الذي أفشل الانقلاب.

الثاني: تمثل بالدور الوطني الكبير للمؤسسة الأمنية التي تولت التصدي للانقلابيين واعتقالهم، إضافة لضبط الشارع وحتى تأمين حماية الذين تم إعتقالهم من العسكر من غضب الشعب وإنتقامه. 

الثالث: الإنقسام الكبير داخل المؤسسة العسكرية، التي لم تنخرط بشكل كامل في الانقلاب بل تصدت له، فأسقطت طائرات ودمرت دبابات.

تحت عنوان " أبطال ليلة الانقلاب" كتب الكاتب الصحفي التركي المعارض أحمد هاكان زاويته اليومية في صحيفة "حريت"، حيث ذكر بالاسم ثمانية سياسيين كانوا نجوماً في مواجهة الانقلاب الفاشل ليلة الجمعة السبت، فكان لمواقفهم أو أفعالهم، الفضل في إفشال الانقلاب وهم: الرئيس رجب طيب إردوغان، الرئيس التركي السابق عبد الله غول، بن علي يلدريم، رئيس الوزراء، الجنرال أوميت دوندار، قائد الجيش الأول داخل هيئة الأركان التركية، أحمد داود أوغلو رئيس الوزراء التركي السابق، مليح غوغتشيك، رئيس بلدية أنقرة الكبرى، دفليت بهتشالي، رئيس حزب الحركة القومية المعارض، كمال كليتشدار أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض، إيرول أولتشوك، صانع الصورة البصرية لحزب العدالة، قتل على جسر البوسفور، مصطفى جومباز، المصوّر الصحفي في صحيفة "ييني شفق", وقتل أيضا برصاص الانقلابيين.  

الإيجابي في الأمر هو أن فشل هذا الانقلاب، سوف يؤسس لتركيا جديدة، وقد ينهي مرحلة الانقلابات إلى الأبد، وسيسهم في إطلاق يد الحكومة التركية لإستكمال تطهير مؤسسة الجيش وإحكام السيطرة عليها، خاصة وأن كافة الأحزاب السياسية التركية قد أدانت الانقلاب، بما فيهم المتهم الرئيسي بتدبيره فتح الله غولن المقيم في الولايات المتحدة والذي أصدر بيان إدانة للانقلاب، لكن الحكومة التركية طالبت الولايات المتحدة بتسليمه لها. 

في الحديث عن ردود الأفعال الإقليمية على الانقلاب، فسنجد أن أشد الفرحين بالانقلاب كانوا إيران وأشياعها، وأنظمة السيسي والأسد وبعض المتصهينين من العرب. 

في سورية فإن الإحتفالات قد بدأت فوراً ولحظة إذاعة خبر الانقلاب الفاشل، فكانت التهاني والتبريكات تبث على الهواء مباشرة كعبارة: "كل عام وأنتم بخير، إنها ليلة سقوط الطاغية، عدا عن عبارات الشماتة والتشفي وتشبيهه بالسلطان المختبئ خلف شاشة هاتفه، ولا يجرؤ على الخروج من مخبئه، والمثير في الأمر أن قنوات العهر الأسدية إستمرت في إستقبال المحللين السياسيين، وتزييف الحقائق، حتى بعد ظهور إردوغان ونزوله إلى الشارع وإعلان الحكومة التركية فشل الانقلاب. لكنها فجأة وبقدرة قادر أوقفت تغطيتها انقلاب تركيا لتبث برنامجا عن نوم الفيلة؟!

 مسيرات عديدة عمت شوارع دمشق وطرطوس وباقي حواضن النظام الشعبية لكنها ما لبثت أن خرست وتلاشت, لكن ليس قبل أن تخلف أكثر من عشرة قتلى وأربعون جريحاً، وذلك نتيجة إطلاق نار المحتفلين من الشبيحة، الذين إعتقدوا للوهلة الأولى ان الأمور في تركيا قد دانت للانقلابيين، هي فرحة المجرم الشامت، الذي أرَّقَهُ وجود هذا الرجل، فكان بالنسبة لهم كابوسا أرادوا التخلص منه بأية وسيلة، فوصفوه بالإرهابي والإخونجي، وجعلوا من أنفسهم ملائكة رحمة متناسين أن أسدهم هذا قد دمر سورية ولم يترك سلاحا إلا وإستخدمه ضد شعبها، الذي قتل وهُجّرَ وانتهكت حرماته على يد جيش الأسد وشبيحته، وميليشيات إيران الطائفية، وحرسها الصفوي، ولاحقا روسيا بوتين الصليبية، التي أمعنت في حرق الأخضر واليابس وقتل المدنيين العزل، لكن المفارقة أن الشماتة السياسية والإعلامية "الأسدية"، لم تكن بحجم ولا مستوى شقيقتها "السيسية".

رئيس الشبيحة بشار الأسد، الذي دمر سورية وهجر شعبها، وقتل أكثر من مليون إنسان، ثم باع سورية لكل من هب ودب من دول أو جماعات، يقول في إحدى مقابلاته المتلفزة متحدثا عن القيم ومحددا مواصفات الرئيس المثالي: "السؤال بالنسبة لي هو، هل السوريون ينظرون لي كشخص جيد أم شخص سيئ، والسياسة تبنى على القيم وهذا أمر هام جداً"، ثم وبكل وقاحة يكمل حديثه قائلا: "أتمنى أن يذكرني التاريخ على أنني الشخص الذي حمى بلاده من التقسيم والتدخل الخارجي". إنه يعتبر نفسه "رئيسا صالحا". 

أما في مصر "السيسي"، فإن الوضع كان أشبه ما يكون باستعراض سيرك بدائي، لم يتقن العارضون فيه أدوارهم، فاختلط الحابل بالنابل، لتخرج علينا القنوات التلفزيونية بأخبار إقالة إردوغان، وسيطرة العسكر على الحكم، حتى الصحف خرجت في اليوم الذي تلا الانقلاب الفاشل بعناوين عريضة على صدر صفحاتها الأولى، تتحدث فيها عن إسقاط الجيش التركي لإردوغان ونجاح الانقلاب، فكانت الفضيحة. 

ردود الأفعال الوقحة والأخبار الكاذبة هذه دفعت الكثيرين للتساؤل عن سبب كل هذا الحقد على تركيا وقيادتها المتمثلة بالرئيس إردوغان، فحتى إعلام الأسد لم يكن بهذا الحقد والفجور، لكن الأمر يفسر نفسه، فنظام "السيسي" وبلطجيته من سياسيين وإعلاميين يعلمون أن الانقلاب غير شرعي ومغتصب للحكم، وإردوغان وقف ضده منذ البداية، فانقلاب السيسي، حكم مصر بقوة السلاح، بعد قتله الآلاف وإعتقاله لعشرات الألوف حتى الآن، وهذا الكره ترجم عمليا بموقف "مندوب مصر السيسي" في الأمم المتحدة الذي عرقل محاولتان لإصدار إدانة لانقلاب تركيا, ما يثير الإشمئزاز والقرف هو المسرحية التي أفادت بأن الولايات المتحدة قد تخلت عن مشروع البيان بعد إصرار المندوب السيسي على موقفه؟!

لعل بلطجية السيسي الذين وصفوا الانقلاب التركي بالثورة، قد ظنوا أن هذا الانقلاب لابد وأن ينجح، كيف لا وقد نجح انقلاب "جيش السيسي" على الرئيس المنتخب محمد مرسي، لكنهم ربما جهلوا أن تركيا ليست مصر التي تعاني الفقر والجهل، وتتجاوز نسبة الأمية فيها 60% ويحكمها العسكر منذ أكثر من 60 عاما.

في تركيا لا يوجد جيش يسمي نفسه "خير أجناد الأرض" لكنه جيش لم يرتكب مجازر بحق الأتراك كما فعل "جيش السيسي"، في رابعة والإتحادية وغيرها من الساحات، بلطجية السيسي ربما يجهلون أن الأحزاب السياسية التركية وعلى إختلاف توجهاتها، قد أدانت الانقلاب ووقفت ضده، ولم تفعل كما فعلت أحزاب مصر الصورية من دينية وعلمانية.

في تركيا لا يوجد "أزهر" يروج لانقلاب العسكر، بل مساجد صدحت مآذنها بالتكبير ودعوة الناس للنزول إلى الساحات، التي غصت بحشود مليونيه، "بلطجية السيسي" ربما لا يعلمون، أنه لا يوجد في تركيا مؤسسة إعلامية قذره وفاجرة كتلك الموجودة في مصر، أما الأهم فإن الفرق بين مصر وتركيا يكمن في أن جهازي الشرطة والمخابرات التركيين قد دعما الشرعية وتصديا للانقلابيين. 

فنانوا تركيا وعلى إختلاف توجهاتهم السياسية، وقفوا إلى جانب الشرعية وأدانوا الانقلاب، أما في مصر فقد كانت شريحة واسعة منهم عبارة عن رديحة وأراجوزات يروجون للانقلاب ويقدسون قائده، وينزلونه منازل الأنبياء والرسل. 

في تركيا لم ينزل الشعب إلى الساحات، حاملا بيادات الجيش على رؤوسهم ومغنين تسلم الأيادي، بل نزلوا يواجهون الدبابات بصدور عارية، وساندوا رجال الشرطة والقوات الخاصة، في تحرير المباني والمؤسسات الحكومية والخاصة التي سيطر عليها الانقلابيين، حتى النساء التركيات نزلن من بيوتهن يحملن العصي، ويتصَدَّينَ للجيش، ورجل مسن خدم جنديا في الجيش العثماني لبس زيه وامتشق سلاحه الأثري ونزل الى الشارع يتوكأ على عصاه. فهل علمتم الآن الفرق بين مصر "السيسي" وتركيا إردوغان؟! ولمَ نجح انقلاب السيسي وفشل انقلاب محرم كوسي "التركي العلوي".

لقد كان القضاء على الانقلاب وإفشاله أسهل من إقناع إعلام "الأسد" وزميله "السيسي" أن انقلاب تركيا قد فشل!

الانقلاب كان حلقة في مسلسل يستهدف أي نهضة أو صحوة إسلامية، ولو أنه قد نجح لا قدر الله لكان الأمر كارثيا وعلى كافة المستويات، ولعادت تركيا دولة علمانية مستبدة ومتخلفة، ولكان السوريون أول المتأثرين به، ليس فقط الثلاثة ملايين لاجئ الموجودون حاليا في تركيا، بل حتى أولئك الذين لازالوا يقبعون تحت نير الاحتلال الأسدي الفارسي الروسي، ولحوصرت فصائل المعارضة المسلحة تماما، ولكانت تغيرت خارطة التحالفات في المنطقة، ولعانى اللاجئون السوريون من بطش العسكر الأتراك، ولأغلقت جمعياتهم ومؤسساتهم ومنظماتهم ومقراتهم، ولهجر الكثيرون، ولسلم بعضهم لنظام الأسد، ولكن الله قدر فلطف ورحم الضعف وجبر الكسر فله الحمد على ما قدر وقضى.

من النقاط المضيئة التي ظهرت أثناء الانقلاب، هي مساندة الشعوب العربية والإسلامية للشرعية في تركيا، بما فيهم المصريون والسوريون، حيث شارك الكثير من اللاجئين السوريين في المظاهرات، فنزلوا إلى الساحات وامتزجوا بإخوتهم الأتراك، لكن ما لا يمكن فهمه هو أولئك الذين يلومون الشعوب ويعيبون عليها ثوراتها ويعتبرونها فوضى، لكنهم وفي نفس الوقت يدعمون الديكتاتوريات وانقلابات العسكر ويؤسسون للفوضى في دول الربيع العربي.

انقلاب تركيا يجب أن يكون نقطة مضيئة في تاريخ المنطقة، التي يتوجب على شعوبها العربية، أن تأخذ العبر وتتعلم من الشعب التركي الذي رفض أن ينام على ضيم.

معلومات كثيرة يجري تداولها قد تكشف عن الجهات الإقليمية والدولية الداعمة للانقلاب، خاصة بعد فشله وإعتقال الكثير من قادته، لنكتشف أن عدد المشاركين بالانقلاب أكبر بكثير مما كان يعتقد، وأن الانقلاب لم يكن أمراً دبره عسكريون أتراكً بليل، بل هو أمر خططت له ودعمته قوى كبرى، وبشكل لا يدع مجالاً للفشل أو الصدفة، فقد تم إعتقال قادة الدفاع الجوي, ومخطط انقلابي مؤلف من أكثر من مرحلة للتحرك العسكري، وبرنامج عمل، وأسماء لمجلس قيادة عسكري، وإعداد لدستور مؤقت، لكن الله تعالى شاء أن يكون الانقلاب إمتحاناً عسيراً، أظهر فيه الصديق، وكشف به العدو، والخائن المتربص، فأفشل خططهم وأحبط مسعاهم وخاب رجائهم. ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي تداولوا مقطع فيديو لمذيعة قناة "العربية" وهي تقول إن الانقلاب العسكري في تركيا فشل "للأسف".

نعم فشل انقلاب تركيا، فكان بحق خازوقاً دق بأسفلهم من أقصى الشرق إلى الغرب.

التعليقات (7)

    الاسلام المعتدل و الحقيقي عدو للغرب

    ·منذ 7 سنوات 9 أشهر
    الدول الغربية تكره الاسلام و المسلمين لذلك تعمل بكد لاسقاط اي اسلام معتدل في العالم و ذلك لتدعم الرواية التي تقنع شعبها ليل نهار ان الاسلام دين قتل و همجية او دين طقوس خرافية كما يفعل الشيعة من طقوس لطم و غيره و هي تعزز الاسلام فوبيا في مجتمعاتها و العالم اجمع عن طريق دعمها الخفي للارهابيين

    أبو سعيد

    ·منذ 7 سنوات 9 أشهر
    وهل يتجرأ مندوب السيسي بعرقلة قرار لمجلس الأمن يدين الانقلاب في تركيا دون موافقة من دعم انقلاب السيسي الغير شرعي.

    احمد ابو اسلام اسلام

    ·منذ 7 سنوات 9 أشهر
    احسنت النشر واوضحت وسلام تكريم للشعب التركي وياكف طيب اردوغان ظلي من مواسمنا زيتونة الخير ظلي الغار والعنبا ظلي على العمر عكازا لمن هرموا ولليتامى رغيف الخبز واللعبا طلي المناديل تمحو الدمع من مقل ظلي القناديل يستهدي بها الغربا

    سلمان

    ·منذ 7 سنوات 9 أشهر
    ان سمح لنا اورينت بالتعليق. السؤوال الهام لماذا حدثت محاولة انقلاب؟ هل يحدث في السويد مثلا؟

    إنسان حر

    ·منذ 7 سنوات 9 أشهر
    من أروع المقالات، شكر وتحية لك ولأورينت.

    عصام

    ·منذ 7 سنوات 9 أشهر
    مقال رائع يناقش فشل الانقلاب بعمق وموضوعية ومهنية عالية

    صوان فضيلي

    ·منذ 7 سنوات 9 أشهر
    المؤيدون لمحاولة الانقلاب على الشرعية في تركيا من حكام وإعلاميين معروفون قبل المحاولة وبعدها سواء استتروا او صدعوا على الملاء بعملاتهم ؛ هم يجلسون على الخوازيق منذ عقود من الزمن حتى استمتعوا بالجلوس عليها ولا يمكنهم الا وهي راسخة في أدبارهم زادهم خزي وخواريق وخيبة ظن !
7

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات