تشابه سوريا والعراق

تشابه سوريا والعراق
أثار مشهد الجنود والمواطنين الكويتيين عقب سقوط نظام البعث في العراق، موجة من الارتياح والرضى لدى عموم الكورد في كل مكان، فقد كانت أسارير البهجة مترافقة على مُحياهم مع مرادفات كوردية تعبر عن تضامنهم مع مآسي  الكورد.

 لم يُعكر صفوة المشهد سوى المكان نفسه، الكويت، نقطة تفجير مأساة حلبجة، فبعد دخول القوات العراقية إلى الكويت، انتبه العالم المتحضر! إلى مآساة مدينة حلبجة الكوردية، وسارع العرب قبل الكورد إلى ضرورة تصدر حرق الأحياء بسلاح محرم دولياً المشهد السياسي والمدني والإنساني الدولي، وخاصة في المزاج والفكر السياسي العربي، والوجدان والتعاطي العربي مع الكورد. لكن سرعان ما خبأت شعلة التضامن العربي مع الكورد عقب الانتهاء من اجتياح الكويت، وحصول الكورد على منطقة حظر طيران شمال العراق.

بقيت مآسي الكورد طي الكتمان إلى حين دخول الأمريكان إلى العراق، وبدأ معها مسلسل توجيه النداءات المزدوجة للكورد، نداءات الوطنية والخيانة الوطنية، فراح الكوردي يتأرجح بين الدفع الوطني والنعت الخياني حول الوقوف الى جانب نظام أكل لحم وشرب من دماء الكورد طيلة عقود من الزمن، وبين استغلال فرصة ذهبية لنيل شمس الحرية المُحجبة عنهم.

المُشكلة كانت في عقلية التخاطب والحوار الموجه إلى الكورد, أكثر بكثير من أحقية الموقف الكوردي تجاه  دخول الأمريكان إلى العراق. وحتى قبل كتابة الدستور العراقي كانت التهم والنعوت بالصهيونية تارة والعمالة للإمبريالية تارة أخرى تتواجد مقابل كل طرح كوردي ينشد حقه. وحتى اللحظة هذه لا تزال عقلية التخاطب العربي تجاه الكورد لا تخرج من الإطار نفسه، ولعل أبرزها قطع الموازنة من بغداد عن الإقليم الكوردي، وزرع الفتنة والفوضى في العمق الكوردي من قبل الاحزاب الكوردية المرتبطة بأجندات أقليمية، ومحاولة حظر بيع النفط من قِبل حكومة الإقليم، كل ذلك فقط لعرقلة وجود نواة الدولة الكوردية، علماً أن السنة في العراق تحديداً هم أكثر الجماعات التي تعرضت للظلم منذ عبد الكريم قاسم وأحمد البكر وصدام حسين وخاصة في عهدي نوري المالكي والعبادي، وهم –السنة- المدركين أكثر من غيرهم لضرورة تقوية شوكة الإقليم ونفوذه في مواجهة التمدد الإيراني في المنطقة، خاصة في ظل هشاشة القوة السنية، علماً أن لا وفاق وطني عراقي، ولا  حكومة وحدة وطنية، إنما محاصة طائفية متثوبة برداء المواطنة والحقوق، وهي قائمة على أساس عدم الثقة مطلقاً.

في سوريا الأمر هو – هو يُعاد نفسه، والسيناريو يتكرر دوماً، والمشكلة الأبرز أن أغلب أقطاب المعارضة السورية لا يملكون مواقع قوة أو مناطق سيطرة أو توزع نفوذ، وليس بخاف على أحد أن القوة العسكرية المحاربة في الداخل السوري لا تعود بقرارها السياسي إلى الائتلاف أو غيره، مع ذلك وفي ظل هشاشة قوتهم إلا أن قسم ليس بقليل من المعارضة حتى اليوم ترفض أي طرح كوردي يحمي الكورد من تكرار سيناريوهات قديمة, علماً أن طرح الكورد للفدرالية إنما هو الدليل الأكبر لرغبة الكورد في الحفاظ على وحدة الأراضي السورية لكن عبر نظام حكم وشكل دولة تحمي وتحفظ هذه الوحدة الفعلية, لكن غياب القابلية العملية للأطراف السورية لمفهوم حقوق المغاير والمنتمي الى هوية وخصوصية قومية هي التي تساهم في تعقيد الموقف السوري, واستمرار ضبابية الصورة السورية.

 وهو الناتج عن عدمية وعبثية الاهتمام من لدن المستفيدين من بقاء دوامة القتل والعنف السوري، سواء محلياً، إقليمياً، دولياً، فلا عواقب يُمكن أن تطال أي فعل من شأنه إبقاء الموت بشكل دائم, مع استمرار قابلية الاستهتار بأرواح السوريين، فلا محاكم، ولا عقوبات، لا اليوم ولا غداً.

عن هذه الصورة النمطية في رفض التعددية من جهة، ورفض التعاون الضمني للمعارضة السورية من جهة أخرى، وبدلاً من الحفاظ وتطوير الهويات المغايرة للهوية العربية،  نتج ثلاث عصبيات متقاتلة ومتباغضة، إن لم يكن اليوم ستكون غداً هي عصبية عربية, عصبية كوردية، عصبية علوية، تُزيد من عمق الشرخ ضمن النسيج السوري اليوم ولاحقاً، بل أنها تقسو وبقوة على مُنتميها أيضاً عسكرياً وسياسياً وجغرافياً، وهي ضمن ذاتها – العصبيات- بدأت تتصارع وتتناضح وكل يقرأ الصورة بما يخدم مصالحه وأجنداته، وهي مُنمقة  ومجملة خطابياً لجهة الخطابات الايدولوجية حول الإخوة والمساواة والديمقراطية، لكنها تفتقدُ عملياً للمساواة الحقيقية وروح العطاء والتضحية ولا تملك أي بعد إنساني تحرري وطني, وأصبح هم كلً منها زيادة الرقعة والمساحة الجغرافية الخاصة بها, وبها وحدها, حتى ضمن داخل عصبيتها, اصبحت تُخصص من ينتمي إلى عصبيتها الخاصة ومن ينشد خارج عصبيتها الخاصة, فيزداد مسلسل الموت والقتل.

في سورياوالعراق, يُراود شبح التقسيم أكثر من أي وقت مضى, وليس للكورد, المتهم الحصري والوحيد والدائم, أي دور في رفضه أو تكريسه, لسبب بسيط وأن هذا التقسيم ليس تقسيماً حضارياً لتوزيع المحبة أو بغية إيجاد تآلف بين الجماعات والأقاليم المختلفة, أو لزرع التجانس والحوار بينها, بل الأكثر أن هذا التقسيم والفصل لن يكون فاقداً للعنف والعنف المضاد في سبيل تحقيقه أو منعه.

فسورية والعراق لن يتقسمان بل سيتمزقان، إن لم يتصوملا، وهو ما يعني تدمير أعرق المدن والحضارات التي تعود إلى بدايات البشرية, وهو التدمير الذي لن يجد الكوردي أو العربي أو أياً كان, لن يجد نفسه بمنأىً عنه, أو بعيداً عن مناطقه، أقلها أن نمطاً اجتماعياً جديداً سيحل مكان النظام الاجتماعي القائم، وهو ما يعني بالضرورة أن يكون منبثقاً من رحم الأنفضال أو التقسيم أو أستمرار القتل والعنف فسيتولد مسوخاً لن تجد من يهتم بهم.

فسورية والعراق المُتجِهَتين إلى التمزيق والتقسيم, ما هي سوى نتاجات ومخرجات ومفرزات ثقافة الأنظمة المتعاقبة والبنية الجوهرية للفكر الشمولي التي تم فرض سيستامها على الشعوب في سوريا والعراق في فترة كان رتم الإنسانية والتعددية والمساوة أحوج إلى التطبيق، لكن بدلاً من نسف هذه الافكار الشوفينية عبر الثورة, راحت أفكار تصدير ازمات الثورة، وتصدير فشل شخصيات قادت الثورة الى هذه الحالة، عبر تعليب الكورد بتهم جاهزة.

يا سادة يا كرام, وخاصة من يجد في نفسه المعني أكثر من غيره في إدارة سدة الحكم في سوريا والعراق, لم يعد بالإمكان فرض السطوة بأبواطكم العسكرية, ولم يعد فشلكم الفكري يسري على عقول النشئ الجديد, و لم تعودوا أنتم قادة هذه البلاد, فمن يتجه نحو العصبيات, ثم يُنشأ عصبية داخل عصبية ما هو بقادر إلا على القتل واستمرار الدماء, وهو الفعل المحطم للأجيال.

التعليقات (1)

    بابل

    ·منذ 7 سنوات 9 أشهر
    ياأستاذ, عن أي حكم ذاتي وأية ديمقراطية يبحثوا عنه الكورد؟ ومن أين نأتي بهذا النوع من الحكم؟ من مريخ؟لنفترض أن الكورد لم يفهموا من قبل العرب في سوريا والعراق .... فماذا عن تركيا؟ هل تطلب من العرب أن يقدموا للكورد نظام ديمقراطي أفضل من اللذي هو في تركيا؟ ربما تقول نعم ومعاك الحق... ولكن من أين نأتي به دلونا عليه, في أسواق سويسرا أم نيويورك؟ لطفا أجب على هذا السؤال مع بيان المقاس واللون من فضلك.
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات