والطريقة الثانية كانت منع مشاهدة كل محطّات الأخبار العالميّة والّتي تمّ تصنيفها كقنوات "مغرضة" بإستثناء ثلاث محطّات فقط هي الأخباريّة السوريّة والدنيا و المنار وذلك لأنّ قنوات "الفتنة" تختلق حوادث لا وجود لها في الواقع حسب زعم المخابرات الأسديّة، و لأنّ ما تنقله بعض هذه المحطّات هو بث حي بالصوت والصورة موثّق فيه البلدة و الحي و التاريخ و الأشخاص أي لا مجال لدحضه، من الطبيعي جدّا أن تطلب مخابرات الأسد عدم مشاهدة كل محطّات الأخبار العالميّة، و لكنّ الأمر الغير طبيعي أنّ الأغلبيّة المطلقة من العلويّين قد التزمت بهذه التعليمات بشكل طوعي و تام وبشكل يخالف الطبيعة البشريّة المفطورة على الفضول وحب الإستطلاع، حتّى أنّه في العادة إذا أردت أن تشهر أو تسوّق كتاب أو موقع أو فيلم يكفي أن تمنع مشاهدته حتى يندفع بإتجاه رؤيته كل الناس، إلّا العلويين فقد توقّفوا و بكامل إرادتهم عن متابعة هذه القنوات، و لجأوا للقنوات المسموحة فقط لتزوّدهم بالأخبار، وفوق ذلك عندما كانت هذه القنوات تنقل أخبارا لا يمكن أن تدخل بالعقل كانوا يصدّقونها مثل أن ترى خرّيجي جامعات ومثقّفين علويين يحدّثونك في تلك الأيّام عن بارجة ألمانيّة تصدر إشارات وتعليمات من مكان وقوفها مقابل طرطوس لعملاء بالداخل أغلبهم أجانب من ضبّاط و عملاء من مختلف دول العالم !! ، و لا تتغيّر قناعاتهم إن بيّنت لهم إنّه منذ معركة العلمين في أوّائل الأربعينات من القرن الماضي لا توجد بوارج ألمانيّة لا في المتوسط و لا في غيره !!، أو يحدّثوتك عن أنفاق هائلة طولها مئات الكيلومترات !! تختفي فيها أكبر الشاحنات و الأسلحة و ينتقل عبرها الإرهابيّون من مدينة لأخرى في سوريا، البلد الّذي لا يملك الإمكانيّات لبناء مجرّد مترو واحد بأي مدينة ، و أكبر نفق تم بناؤه فيها هو نفق الأمويين بدمشق وطوله بضع أمتار و هو ليس نفقاً بالأساس !! .
كما يحدّثونك بكل إقتناع أيضا عن وجود مجسّمات لكل المدن السوريّة في قطر يتم فيها إعداد و إخراج و تصوير مظاهرات و كأنّها تجري في سوريا !! دون أن تجد على ملامحهم و تصرّفاتهم ما يدل على أنّهم قد فقدوا عقولهم و هم يقولون هذه السخافات ، أو أنّ الطفل حمزة الخطيب كان يريد إغتصاب زوجات الضبّاط دون أن ينظروا لوجه وشكل حمزة الخطيب و أشكال زوجات الضبّاط! كان الإنطباع عند كثيرين أنّ العلويّين يعرفون الحقيقة و لكنّهم يكابرون حرصا على ما يرونه مصلحتهم، لكنّ ملامحهم و هم يقولون هذه السخافات كانت في الحقيقة تجعلهم يبدون صادقين أي أنّ عائلة الأسد تستطيع إقناعهم بما تريد مهما كان بعيدا عن العقل و المنطق !!،
و هناك موضوع آخر محير أيضاً، عن مدى طاعة أغلبيّة العلويين لعائلة الأسد و هو التغييرات الّتي طرأت على جوهر العقيدة العلويّة خلال السنوات الماضية لدفعها بإتّجاه الشيعة الإثنى عشريّة و لسبب واحد فقط و هو تحالفات سياسيّة أقامتها هذه العائلة ، بدأ هذا الموضوع في الثمانينات بعد الثورة الإسلاميّة الإيرانيّة بجهود أمثال جمعية المرتضى لجميل الأسد ثمّ عبر توجّهات رسميّة لأجهزة الأمن السوريّة، و بدأت مع السنوات ملاحظة إنتشار للحجاب بين العلويّات و زيادة في عدد من يؤدّون الصلاة و الصيام منهم و بناء المساجد ببعض المناطق العلويّة ، هذا التحوّل بإتّجاه المذهب الشيعي أخذ خطوات متسارعة بعد الثورة السوريّة بل بدأت عمليّات لنشر المذهب الشيعي الإثنى عشري نفسه بمناطق العلويين و على حسابهم ، و أصبح من المألوف أن تشاهد رجال دين شيعة بعد خضوعهم لدورات دراسيّة في إيران يعودون لنشر المذهب بحوزات في بعض المناطق السوريّة و خاصّة الساحليّة ، إنّه موضوع غريب و غير شائع أن تقوم سلطة سياسيّة و مخابراتيّة بإحداث تغييرات جوهريّة على عقيدة طائفة ما !! لأنّه لتحقيق ذلك يجب أن تدين هذه الطائفة بطاعة عمياء لهذه السلطة ، و بذلك فإنّ عائلة الأسد قد دفعت العلويين السوريين بعيدا عن العلويين الأتراك المجاورين لهم جغرافيّا و الّذين كانوا متشابهين معهم سابقا بالمظهر و العادات رغم بعض الخلافات في العقيدة و دفعتهم بإتّجاه التشيّع و لم نسمع عن أي إحتجاج أو إعتراض من العلويّين على ذلك .
و فوق كلّ ذلك فقد دفعت عائلة الأسد العلويين لاكتشاف جديد اليوم و هو أنّهم ليسوا عربا !!، بعد أن وصلت هذه العائلة للسلطة عن طريق حزب البعث العربي الإشتراكي و تحت شعار "أمّة عربيّة واحدة.....ذات رسالة خالدة" وسط حماس و تصفيق كل العلويين و بعد أن أطلقت على الكثير من الساحات و المدارس مثلا إسم زكي الأرسوزي و هو مفكّر علوي عروبي من لواء إسكندرون ، فقد غيّرت عائلة الأسد رأيها اليوم و أصبحت معادية للعروبة ، فما كان من الطائفة المطيعة سوى تبنّي هذا الموضوع بكل حماس و أصبح بين عشيّة و ضحاها إسم العرب الجديد عند كل "المثقّفين" العلويّين هو العربان !! و عوض خطاباتهم القوميّة السابقة عن التاريخ المجيد و الأندلس و المعلّقات و المتنبّي و أبو العلاء و القادسيّة و حطّين أصبحت كلمة العرب مرادفة عندهم أنفسهم للتداوي ببول البعير .
و لم يتبقّى الكثير حتّى تقنع عائلة الأسد العلويين بأنّهم فرس قدموا مع إحدى الغزوات القديمة و سيكرّر أغلبيّة العلويين هذا الإكتشاف الجديد بكل سرور و إقتناع ، و في كل الأحوال فهم اليوم لا يبجّلون من التاريخ الإسلامي سوى علماء الفرس ، المشكلة أنّ كل هذه التحوّلات قد طرأت خلال فترة زمنيّة قصيرة جدّا غيّروا فيها بما يشبه كبسة الزر عقيدتهم و قوميّتهم و قناعاتهم ... بناء على ما أمرت به عائلة الأسد !!.
كل ما نراه يجعلنا نعتقد أنّ عائلة الأسد تستطيع أن تفعل بالعلويين ما تشاء ،فقد قدّم عشرات آلاف الشباب منهم حياتهم في سبيل أن تبقى هذه العائلة أطول مدّة ممكنة في السلطة دون أي تذمّر!!، تستطيع أن تجعلهم يقدّسون الأشخاص الّتي تريد مهما كانت مواصفاتهم فقد جعلتهم يوما ما يضعون في بيوتهم حتّى صورة أحمدي نجاد مثلما جعلتهم اليوم يبجّلون قرينه سهيل الحسن! و أكثر من ذلك تستطيع أن تجعلهم يقدّسون شخص ما صباحا و من ثمّ شتمه مساء إذا أرادت عائلة الأسد ، نظرة واحدة على الوجه الأبله الّذي يحمله بشار الأسد و بنفس الوقت للتقديس الّذي ينظرون به إليه لندرك كم أصبحت مطيعة هذه الطائفة .
لكل الطوائف في منطقة الشرق الأوسط عدّة زعامات تتنافس على قيادة الطائفة من السنّة للمسيحيين و الدروز و غيرهم حتّى الشيعة في لبنان في أفضل أيّام حسن نصر الله فقد كان هناك حركة أمل و كذلك كان هناك المنشقّين عن حزب الله بسبب إرتباطه بإيران و حتّى كان هناك من يعارضون جوهر فكر حزب الله و الّذين أطلق عليهم تسمية شيعة السفارة في محاولة لربطهم بالأمريكان أي كان هناك زعامات مختلفة ، إلّا العلويين لم يجدوا من بين صفوفهم لليوم من يستطيع منافسة عائلة الأسد على الزعامة ، هناك بعض المعارضين العلويّين لكنّ وزنهم الشعبي محدود حتّى أن أغلب أقرباءهم يتبرّأون منهم .
بعد أن قام حافظ أسد بتصفية كل خصومه و خصوصا من العلويّين في بداية عهده و بعد أن فرض زعامته و هيمنة عائلته على العلويّين مستخدما كل الوسائل بما فيها القتل و الإعتقال و التهجير يبدو أنّ النجاح قد حالفه حتّى الآن و تمّت بنجاح لأوّل مرّة عمليّة ترويض طائفة كاملة و تحويلها ... لطائفة مطيعة !!.
التعليقات (7)