السلطة التنفيذية في المرحلة الانتقالية

السلطة التنفيذية في المرحلة الانتقالية
النص والسلطة 

يعد النظام السياسي في أي دولة مرآة عاكسة لكل أوضاع المجتمع السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وتختلف هذه الظروف والأوضاع بشكل أو بأخر من مجتمع لأخر، وتختلف كذلك بالنسبة للمجتمع الواحد من حقبة الى حقبة أخرى.

لأن هذه الظروف والأوضاع تخضع لميكانيكية التطور التي لا تتوقف إلا على ما تتفتق عنه عقول البشر الذين يعيشون في هذه المجتمعات وكيفية إدارتهم لشؤونهم.

إذا كانت الدول تبدل من نظمها وأدوار وصلاحيات السلطات إذا ما مرت بها ظروف استثنائية، وتمنح على الأرجح سلطات أوسع للسلطة التنفيذية على حساب باقي السلطات، فكيف سيكون الحال في الدول التي تنهار بها المنظومة القانونية نتيجة حرب أو ثورة؟ من باب أولى أن تبحث عن قواعد دستورية غير مألوفة حتى تستطيع أن تعبر الأزمة وتوصل الدولة الى بر الأمان.

إن الواقع يفرض نفسه على القواعد الدستورية، فالأنظمة السياسية الغربية وأثناء الحرب العالمية الأولى والثانية عندما وجدت إن وجود القانون يتعارض مع استمرارية الدولة عملت على تنحية القانون جانباً في سبيل الحفاظ على كيان الدولة.

ونحن في المرحلة الانتقالية في سورية سنكون أمام وضع استثنائي بكل المقاييس، ولا يشبه أي نظام سياسي، لذلك سيكون من العبث أن ننسخ قواعد دستورية من أحد الأنظمة السياسية الثلاث (الرئاسي-البرلماني-المجلسي) لأنها ستكون غير متجانسة مع الواقع، وستقع الدولة في أزمات دستورية لاحقاً.

لذلك يجب أن يتم دراسة الواقع السياسي الجديد، وتخيل تصور عنه، وألية تشكل كل سلطة مع تصور مستقبلي لصفاتها، وصياغة نص يناسب تصورنا عن واقع هذه السلطة وخصائصها.

فإذا كان النص يصنع السلطة في الظروف العادية فيمنحها صفات وخصائص معينة، فأنه في الظروف الاستثنائية (المرحلة الانتقالية) صفات وخصائص السلطة هي التي تدفع لولادة نص دستوري جديد.

فإذا أخذنا السلطة التنفيذية التي تتولى دستورياً قيادة أجهزة الدولة ممثلة في الحكومة والجهاز الإداري من أجل تنفيذ السياسة العامة للدولة، في الظروف العادية يختلف وضعها من دولة لأخرى حسب النظام السياسي المطبق، فوضع السلطة التنفيذية في دولة تطبق النظام البرلماني يختلف عن دولة تطبق الرئاسي والمجلسي، رغم إن جميع هذه الأنظمة تتفق على إن السلطة التنفيذية مكونة من رئيس دولة وحكومة، ولكنها تختلف في توزيع المهام بينهم ودور وتبعية كل منهم بالنسبة للأخر.

في المرحلة الانتقالية لن تختلف السلطة التنفيذية عما ورد بالأنظمة السياسية لجهة التكوين فهي تتألف من رئيس ومعه حكومة، لذلك سنعمد لدراسة خصائص كلاً منهم، حتى نستطيع في النهاية صياغة النص الذي يناسبهم.

أولاً: خصائص موقع الرئاسة في المرحلة الانتقالية

في البدء علينا أن نشير الى أن رغبة السوريين الجامحة تكمن في إلغاء هذا الموقع على الأقل في المرحلة الانتقالية، لأنه لم يعد يعني لهم سوى إنه رمز للاستبداد والبطش والخوف، والتمسك به أدى الى خراب البلاد وتقسيم الشعب، لذلك يرى السوريين من الأفضل عدم وجوده، وفي حال بقائه يجب أن يتمتع بالخصائص التالية الناجمة عن ألية تعينه.

1- آلية اختيار رئيس الجمهورية

إن ألية اختيار الرئيس هي التي تحدد مقدار السلطات التي تمنح له، لإن الطريقة التي يأتي بها الرئيس هي التي تعكس ما يملك من سلطات وما يقع عليه من واجبات.

في المرحلة الانتقالية من غير المتصور أن يأتي الرئيس عن طريق الانتخاب المباشر من الشعب أو من البرلمان، وستكون طريقة تعيينه مختلفة عما هو متعارف عليه في الأنظمة السياسية، فهو إما أن يتم اختياره بالتوافق، بين الدول الراعية للسلام في سورية، أو توافق إرادات مجموعة من السوريين تمثل المعارضة بكافة اطيافها والنظام.

فشرعيته أقرب الى شرعية الملك في ملكية دستورية، لا يملك من السلطات إلا أسمها لأنه لا يستمد شرعيته من اختيار الشعب له.

2- سلبية دور رئيس الجمهورية

إن رئيس الدولة في المرحلة الانتقالية لن يكون له سوى دور أدبي محض، فمركزه لا يعدوا أن يكون مركز شرف، فليس له أن يتدخل في شؤون الإدارة الفعلية للحكم، وكل ما يملكه في هذا الخصوص هو مجرد توجيه النصح والإرشاد الى سلطات الدولة، وينطبق عليه قول العلامة (vedel) الرئيس هو الحكم الرياضي بين الحكومة والبرلمان الذي يعمل على إعادة التوازن بينهما.

3- عدم مسؤولية رئيس الدولة 

المسؤولية تتبع السلطة عملاً بالقاعدة (حيث تكون السلطة تكون المسؤولية) ويقصد بعدم مسؤولية رئيس الدولة سياسياً هو عدم جواز مساءلته عن شؤون الحكم أمام البرلمان، فلا يكون للبرلمان حق سؤاله أو استجوابه أو حجب الثقة.

4- التوقيع المجاور 

إن أول نتيجة تترتب على عدم مسؤولية رئيس الدولة، تكمن في وجود البديل الذي يتحمل مسؤولية سياسة الحكم وهذا البديل هو الحكومة.

لذلك لا يمكن للرئيس مباشرة اختصاصاته منفرداً، فجميع اختصاصاته المسندة أليه كرئيس لا يستطيع أن يمارسها إلا عن طريق وزرائه، لذلك يجب أن تكون قرارته بشأنها ممهورة بتوقيع الوزراء المختصين.

ويرى الفقيه ((Laferriere إن قاعدة التوقيع المجاور تمثل قاعدة مطلقة، فهي تشمل جميع أعمال رئيس الدولة المكتوبة حتى ولو لم تكن هذه الأعمال ترتب أثاراً قانونية أو لم يكن لها صفة تنفيذية كالبرقيات الخاصة بالتهنئة التي ترسل الى الدول الأجنبية.

ثانياً: صفات الوزارة في المرحلة الانتقالية 

إن طبيعة المرحلة الانتقالية تتطلب أن تكون السلطات بيد هيئة أكثر مما هي بيد فرد، وهذه الهيئة الحكومة التي تحمل صفات وخصائص تجعلها تختلف عن أي حكومة في أي نظام سياسي.

1- ألية اختيار الحكومة

إن الية اختيار الحكومة لن تكون بيد رئيس الجمهورية المنتخب من الشعب مباشرة (مثل النظام الرئاسي) ولا بيد البرلمان الممثل الشرعي للشعب (مثل البرلماني أو المجلسي).

فهي أما أن تكون نتاج اتفاقية دولية، أو انتاج اتفاق داخلي بين النظام والمعارضة أو بين فصائل المعارضة، فشرعيتها منقوصة ولا تشبه شرعية أي حكومة في أي نظام سياسي لأنها تستمد شرعيتها من ضرورة تسير شؤون الدولة.

2- الحكومة غير متجانسة

هي لن تكون قادمة من حزب الأغلبية كما هو الحال في الأنظمة البرلمانية، ولا مؤيدة لسياسة الرئيس كما في النظام الرئاسي.

بل ستكون وزارة إدارية والتي يطلق عليها بالفقه الدستوري حكومة وزارة الأعمال (Cabinet d ,Affaire) وهي تتكون بالعادة من رجال ليسوا ذوي لون سياسي واحد، وتقتصر مهمتهم على إدارة الشؤون العامة لمدة معينة ، أو للسيطرة على مقاليد الأمور أثر أزمة تجتاح البلاد، هذا النوع من الحكومات تنتهي بانتهاء الأزمة التي أنشأتها.

3- الحكومة أداة للتنفيذ وليست أداة للحكم

إن عدم التجانس وعدم توحد الرؤية سيفرض على هذه الحكومة أن تكون وزارة إدارة وتنفيذ وليس أداة تفكير وحكم، فهم لا يشكلون هيئة لها كيان مميز يتسم بالوحدة والتجانس، فليس لها حق التقرير الجماعي وإن وجد فهو في سيكون بحدود ضيقة.

فالوزراء من الناحية الدستورية في المرحلة الانتقالية ليس لهم وضع مميز كنظرائهم في النظام البرلماني، لإن وزارة النظام البرلماني هي إدارة وحكم.

وليس معنى ذلك التقليل من شأنهم والتحقير من أمرهم، إذ سيكون لكل وزير السلطة المطلقة في إدارة وزارته وتنفيذ شؤونه، أما القضايا الهامة في الوزارة والتي تتعدى طبيعتها حدود الوزارة الى وزارة أخرى، نرى أن تكون سلطتها ثنائية بين الوزير المختص ورئيس مجلس الوزراء.

أما السلطة الجماعية للمجلس فتنحصر بأضيق المجالات في القضايا المصيرية والاستراتيجية الهامة وتكون منظمة بمحضر رسمي ويوقع عليها جميع الوزراء.

4- المسؤولية السياسية للحكومة 

المسؤولية السياسية للوزراء تنعقد بمناسبة ممارستهم لمهامهم، ومسؤولية الوزراء السياسية واسعة النطاق فهي تشمل جميع تصرفاتهم الإيجابية والسلبية المشروعة وغير المشروعة والعمدية وغير العمدية.

ورقابة البرلمان لتصرفات الوزراء لا تقف عند حد بحث ومطابقة هذه التصرفات لقواعد القانون والمشروعية، وإنما تمتد لتشمل فحص وملائمة هذه التصرفات ومدى انطباقها والمصلحة العامة للدولة كما يراها ويقدرها البرلمان.

والجزاء الذي يتقرر على المسؤولية الوزارية هو جزاء سياسي يكمن في اعتزال الوزارة أو الوزير لمنصبهم، لذلك يرى (LAFERRIERE) إن فقدان ثقة المجالس يؤدي على الفور الى فقدان الوجود السياسي للوزارة.

والمسؤولية السياسية للوزراء أما أن تكون مسؤولية فردية، أو مسؤولية جماعية تضامنية

أ‌- المسؤولية الفردية

 في المرحلة الانتقالية يكثر هذا النوع من المسؤولية، لأن كل وزير يكون مسؤولاً بمفرده عن جميع ما يصدر عنه من تصرفات وأعمال متعلقة بوزارته، والتي لا تندرج تحت السياسة العامة للوزارة بمعنى أخر تلك التي لم يوقع عليها بمحضر رسمي في مجلس الوزراء.

ومسؤولية الوزير شاملة للأعمال التي تصدر عنه شخصياً أو عن الموظفين العائدين له في الوزارة.

وتجدر الإشارة الى أن من حق رئيس الوزراء أن يعتبر أمراً من الأمور ولوكان صادراً من وزير (فرد) محركاً للمسؤولية التضامنية بأسرها، إذا اعتبر الأمر متعلقاً بالسياسة العامة للحكومة.

ب‌- المسؤولية التضامنية

ويقصد بها المسؤولية السياسية للحكومة أمام البرلمان الذي يستطيع أن يرغم الحكومة على الاستقالة عن طريق حجب الثقة عنها.

وتعتبر المسؤولية التضامنية ركيزة النظام البرلماني، وتعد أحد أركانه الجوهرية، بحيث يترتب على تخلفها انتفاء الطبيعة البرلمانية ويتوجب البحث عن تكييف أخر للنظام، لأن المسؤولية التضامنية لا توجد في النظام الرئاسي ولا في المجلسي.

أما حكومة المرحلة الانتقالية فإنها تخضع للمسؤولية التضامنية في أضيق الحدود، لأن الحكومة غير متجانسة فيتوجب عدم مسائلتها جماعياً، ولكن الواقع الاستثنائي قد يفرض أحياناً مسؤولية جماعية.

لذلك ولحل هذه الإشكالية يجب أن تتحمل الحكومة في المرحلة الانتقالية المسؤولية التضامنية عن القرارات التي تم اتخاذها في مجلس الوزراء بشكل جماعي وتم التوقيع على المحضر من قبل الوزراء، وفي غير هذه الحالة لا تسأل الوزارة جماعياً.

أن الواقع السياسي هو الذي يفرز صفات السلطة التنفيذية في المرحلة الانتقالية، وتلك الصفات والخصائص هي التي تحدد النص الدستوري الناظم لها.

إن حكومة المرحلة الانتقالية لا تتشابه مع أي حكومة في الأنظمة السياسة، وأن كانت تقترب من الحكومة المجلسية أكثر، لإن الحكومة المجلسية غير متجانسة وغير متضامنة وهي حكومة تنفيذ، وبذلك تلتقي مع حكومة المرحلة الانتقالية بأغلب الصفات والخصائص، ولكنها تختلف بألية التعيين والمسؤولية التضامنية.

هذا يدفعنا الى القول بإن النظام المجلسي يتناسب مع المرحلة الانتقالية أكثر من النظامين البرلماني والرئاسي. 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات