الواقع أن بشار الأسد ذاته هو الوحيد الذي لم يعد له قيمة أو معنى في كل ما يدور بشأن سوريا والصراع الإقليمي – الدولي عليها، وما اختياره صفحته "الرئاسية الفيسبوكية" إلا دليل على أنه مجرد حجر شطرنج، ينتظر النقلة الأخيرة للإلقاء به خارج رقعة اللعبة.
ما أراده "الأسد" هو الإيحاء لمُريديه بأنه باقٍ للأبد بكامل صلاحياته، لكن دون أن يستفز حماته الأمريكيين و الروس أو يدفعهم لتقريعه وبهدلته مُجدداُ بشكل علني، وهو ما يُمكن أن يحدث في حال رفضه مقترح الدستور رسمياً، من خلال بيان صادر عن خارجيته أو نقلاً عن مصدر مسؤول فيها مثلاً، في حين أن بيان الصفحة الفيسبوكية، يُمكن تجاهله من قبل الكبار، واعتباره "ثرثرة فيسبوك" لا أكثر ولا أقل، وهذا ما حدث فعلاً حتى اللحظة على الأقل.
بدا "بشار" المُجرد من صلاحياته بموجب بنود الدستور المتداولة أشبه بناشط فيسبوكي مُحبط غاضب، لا أحد يُعيره اهتماماً، يستجدي "لايكاً" أو إطراءً أو شيراً دولياً عليه القيمة، بيد أن أحداً من الفاعلين الدوليين في "موسكو و واشنطن" لم يفعل، لذا ليس مُستغرباً أن تتأصل لديه حالة الإنكار الملازمة له منذ انطلاق الثورة ضده عام 2011، فيما العمل على تنفيذ بنود النسخة الأولية من الدستور العتيد جارٍ على الأرض كما على الورق، بدءاً من "كردستان الإرهابي صالح مسلم" بعاصمته الجديدة "الرقة"، ولعل التحضيرات لانتزاعها من داعش، دون مشورة أوعلمه أو التنسيق معه ومع إيران هو أكثر ما أثار حفيظته، خصوصاً وأن راعيه الروسي طلب المشاركة في العملية بدلاً من الاعتراض عليها أو اشتراط موافقة "دمشق" كما جرت العادة سابقاً.
لا تكمن مشكلة "الأسد" مع الدستور المرتقب في مأسسة المحاصصة الطائفية والمذهبية والأثنية والعشائرية، أو في نسف فكرة المواطنة والمدنية، أو في تكريس سوريا دولة حروب فاشلة وبلا هوية لعقود طويلة قادمة على غرار العراق، بقدر ما تكمن مشكلته بأن سوريا المفيدة التي يسعى إليها مع إيران كملاذ أخير، تقلصت بموجب دستور "لافروف – كيري" من دويلة مستقلة إلى إقليم، يتبع لعاصمة مركزية في دمشق، ويسكنها رئيس بصلاحيات بروتوكولية، ولا تحتمل أن يكون بشار الأسد رئيساً، ولا هو يحتملها أصلاً.
بدورها إيران أول المُتضررين، لذلك أوعزت لصحيفة "الأخبار" بتسريب مسودة الدستور، إثر اكتشافها أنها على وشك الخروج من المولد السوري بلا حمص، بعد أن تقاسمته روسيا والولايات المتحدة.
" الإقليم العلوي" وما يؤمنه من قواعد عسكرية وحضور سياسي واستثمارات نفط وغاز لحساب موسكو، وفوقها قاعدة عسكرية في تدمر على البيعة، ثم"كردستان سوريا" الملاصقة للعراق، لحساب واشنطن، وهذه لا مانع لديها من رعاية "إسرائيل" ثانية في المنطقة.
ما تريده واشنطن، من "إسرائيل الكردية"، هو تأمين وحماية قواعدها العسكرية الجديدة، التي فرغت تقريباً من إنشاء إحداها في مطار "رميلان" قرب الحسكة، بينما يجري العمل على بناء قاعدة جوية أخرى جنوب شرق عين العرب "كوباني" بمشاركة عشرات الخبراء والفنيين الأمريكيين، بحسب ما نقله موقع "باسينوز" الكردي في وقت سابق، عن مصدر عسكري في "قوات سوريا الديمقراطية"، التي يُشكل أكراد الإرهابي صالح مسلم نسبة 80% منها.
هذه القواعد تُعتبر مكملة لمثيلاتها الأمريكية في الشرق الأوسط خاصة في العراق، ولا تتناقض مع إستراتيجيتها بالانسحاب من المنطقة، طالما أنها ستكون أمنياً بحماية "الإقليم الكردي"، ولن تُكلفها رعايته أكثر من غطاء سياسي، بعد أن استولت عصابات وحدات حماية الشعب الاستيطانية والميلشيا التابعة لها، على غالبية الثروات الوطنية للسوريين في المنطقة.
التعليقات (5)