فمع دخول لبنان في عامه الثالث دون رئيس للجمهورية، يستطيع أن يسجل أرقاما قياسية في هذا المجال، فموعد الاستحاق الرئاسي يأتي ويمر كأن شيئا لم يكن، تمر الأيام والقصر الرئاسي في فراغ وكأن شيئا لم يكن، ولا ندري إن كان هناك أمل يلوح في الأفق حول إنهاء هذه المعضلة، حتى يكاد المرء: يسأل هل يسعى أهل السياسة في لبنان الى الدخول في كتاب "غينيس" للارقام القياسية مثلا كأول بلد صمد بدون رئيس لاطول فترة ممكنة؟ ولأول شعب يعيش غير آبه بوجود رئيس لدولته من عدمه؟ هل هذا يعقل؟ علما أننا سبق أن دخلنا "غينيس" من عدة أبواب مميزة وفريدة، فصحن التبولة والحمص كانا سباقين في هذا الاطار حتى قبل أن تلوح بارقة الارقام القياسية في مجال الاستحقاق الرئاسي.
حتى الساعة لا آفاق واضحة لوضع حل للفراغ الرئاسي المتمادي، فهناك من يربطه باستمرار الأزمة السورية، والبعض الأخر يربطه بالتفاهمات الإيرانية – السعودية، ولكن بمطلق الاحوال إرتباطه داخلياً بتوقيت "حزب الله" المتبع للتقويم الفارسي الذي لم يحن بعد.
عرف لبنان بتاريخه الفراغ الرئاسي أربع مرات، وتعاقب على رئاسة الجمهورية اللبنانية منذ الإستقلال اثنا عشر رئيساً للجمهوريّة:
1- في العام 1952، برزت معارضة قوية طالبت الرئيس بشارة الخوري بالاستقالة بعد أن انتخب لولاية ثانية، رفض قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب أن يتورط الجيش في هذه المواجهة السياسية وأن يتدخل لصالح أو ضد أي من الأطراف المتنازعة، وعندما أجبر بشارة الخوري على الاستقالة، عيّن اللواء شهاب رئيساً لحكومة انتقالية مهمتها تنظيم وتأمين انتخاب رئيس جديد. لم يعر شهاب آذاناً مصغية للمساعي التي عُرضت عليه لتبوّؤ سدّة الرئاسة، وذلك بسبب قناعته بوجوب إبقاء الجيش بعيداً عن السياسة، وعمد فوراً على تنفيذ مهمته الطارئة فبعد أربعة أيام، انتخب كميل شمعون خلفاً لبشارة الخوري.
2- حكومة عسكرية شكّلت بالدقائق الأخيرة من عهد الرئيس أمين الجميّل بتاريخ 22 أيلول 1988 برئاسة قائد الجيش العماد ميشال عون وتضم الضباط الستة الأعضاء بالمجلس العسكري.
3- بعد ستة أشهر على انتهاء عهد الرئيس السابق إميل لحود انتخب في 25 أيار 2008 ميشال سليمان رئيساً للجمهورية الذي كان قائداً للجيش منذ 21 كانون الأول 1998.
4- منذ 25 أيار 2014 ويشهد قصر بعبدا الرئاسي واليلاد أسوأ وأصعب فراغٍ رئاسي، وذلك لمدة عامين تقريباً، وتعدّ أزمة الفراغ الرئاسية الحالية هي أسوأ أزمات الفراغ في تاريخ لبنان منذ الاستقلال حتى الآن، كما أنها الأزمة الثانية منذ عهد الطائف.
في كل العهود الرئاسية السابقة كانت تحدث مشكلات في نهاية أيامها ومن هذه المشكلات قد يحصل أحياناً مشكلة في اختيار رئيس جديد للجمهورية بحسب صراعات كل حقبة وظروفها إن كانت خارجية أو داخلية أو مزيج بينهما أو قد يكون هنالك أزمات أخرى، حيث المصالح الداخلية والخارجية تلعب دورها دائماً في نهاية كل عهد كي يأتي الرئيس الجديد الذي يريده هذا المحور أو ذاك، ففي زمن احتلال النظام السوري للبنان، كان الأسد يحرص على الإتيان برئيس يعمل كموظف صالح لنظامه، أما الأن فالتعطيل يهدف بالنسبة إلى إيران التوصل إلى إنتخاب مرشد أعلى للجمهورية اللبنانية.
التعليقات (6)