نداءات استغاثة
وجه ثوار القطاع الجنوبي بداية العام الحالي نداءات استغاثة لكافة فصائل الغوطة الشرقية لإرسال تعزيزات عسكرية إلى (ديرالعصافير، زبدين، حوش الدوير، البياض، الركابية، نولة، حوش بزينة، حوش الحمصي، حرستا القنطرة)، بعد سيطرة النظام على منطقة المرج الاستراتيجية واقترابه من حصار القطاع، إثر سقوط بلدتي الدير سلمان ومرج السلطان ومطارها العسكري وأجزاء واسعة من بلدة بالا.
وحذر ناشطون وقتها من اقتراب النظام من حصار بلدات القطاع الجنوبي، بعد إطباق النظام حصاره على المنطقة ومحاولته السيطرة على الطريق الوحيد الذي يفصل بين القطاعين والممتد على مسافة كيلو متر بين مطار المرج وبلدة بالا.
وعوضاً عن تلبية الفصائل نداء الاستغاثة وإنقاذ القطاع الجنوبي من سقوطه بيد النظام، بدأ اقتتال الأخوة في الغوطة بتاريخ 20 أيار عبر هجوم كل فصيل على مقرات الفصيل الآخر بالأسلحة الثقيلة، الأمر الذي خلف أكثر من 250 قتيلا من الجانبين بالإضافة إلى سقوط عشرات المدنيين بين شهيد وجريح.
الانسحاب من القطاع الجنوبي
وأكد قائد عسكري في دير العصافير لأورينت نت، أن فصائل الغوطة لم تبد أي اهتمام بما يحصل في المناطق الجنوبية، بل حاولت استخدامه كورقة ضغط على الطرف الآخر، حيث قام فيلق الرحمن بداية الأمر بسحب أعداد كبيرة من مقاتليه وإخلاء نقاط رباطه من بلدتي دير العصافير وزبدين، وبعد أسبوع قام جيش الإسلام بسحب 800 مقاتل بشكل مفاجئ، ما دفع بالأهالي من نساء وشيوخ لحمل السلاح والوقوف على الجبهات، لوجود أكثر من 100 نقطة رباط في المنطقة واقتصار أعداد المقاتلين على العشرات فقط.
ورغم جميع النداءات التي أطلقها ثوار المنطقة لجميع الفصائل لإيقاف الاقتتال فيما بينهم والتوجه إلى القطاع الجنوبي خوفاً من استغلال النظام هذا الأمر والتقدم في البلدة، اكتفى فيلق الرحمن بإرسال 300 مقاتل فقط، مع عدم استجابة جيش الإسلام لأي نداء.
السلاح الثقيل موجه بين الفصائل فقط
وفي تاريخ 8 – 5 من الشهر الحالي، قام النظام بحشد أعداد كبيرة من مقاتليه في الفضائية وبلدة الدير سلمان لشن هجوم على المنطقة تحت غطاء ناري كيثف، وتمكن من السيطرة على مزارع حوش العدمل وبلدتي نولة وبزينة ومساحات واسعة من أراضي دير العصافير وزبدين.
وفي تاريخ 19 – 5 قام الثوار بالانسحاب من عدة بلدات من القطاع الجنوبي، نتيجة عدم وجود أعداد كافية من المقاتلين للتصدي لهذه الهجمة وسيطرة النظام نارياً على دير العصافير وزبدين مدعوما بالآليات العسكرية الثقيلة، ليتم إعادة التمركز في المزارع الموجودة في المنطقة مع نزوح آلاف العائلات إلى القطاع الأوسط خوفا من ارتكاب ميليشيات الشبيحة مجزرة بحقهم.
واعتبر الناشط أبو معاذ أن من أسباب الانسحاب وتفوق النظام على الأرض يعود إلى عدم وجود أسلحة ثقيلة مع الثوار وافتقادهم للصواريخ المضادة للدروع، مشيراً إلى أن هذه الأسلحة استخدمت وبكثرة بعد اقتحام جيش الإسلام بلدة مديرا بـ 10 دبابات ومدرعات، وقابل فيلق الرحمن هذا الاقتحام بتدمير دبابة بصاروخ مضاد للدروع.
وأشار أبو معاذ إلى أن كل فصيل يحاول اتهام الطرف الآخر بمسؤولية ما حدث دون أن يبادر ويرسل تعزيزات عسكرية إلى مناطق الاشتباكات، فالمعركة بين الفصائل حاليا ليست ضد النظام بل لإثبات الذات والسيطرة على المعابر مع برزة والقابون، معتبراً أن ما يحدث حاليا ناتج عن تقاعس الفصائل في استعادة منطقة المرج وقبلها العتيبة.
دور مشايخ الفصائل في تصعيد الخلافات
ومع تصاعد الاشتباكات بين جيش الإسلام من جهة وفيلق الرحمن وجيش الفسطاط من جهة ثانية، برز دور الشرعيين التابعين للفصائل في التحريض على القتال وتكفير الطرف الآخر.
وفي تاريخ 6 آيار من الشهر الحالي، وجّه "أبو النور مسرابا"، أحد أبرز الشرعيين في "جيش الإسلام" اتهاماتٍ لـ فيلق الرحمن، بالعمالة لمصلحة الولايات المتحدة الأمريكية، مشيراً إلى أن "فيلق الرحمن هو من فصائل الموك، التي تتحرك بأوامر أمريكية، ولدينا دلائل على ذلك".
أبو النور مسرابا
وتابع: "لم ينحز جيش الإسلام إلى الردة والعمالة والكفر، ولا إلى الخوارج، فهو جيش رسول الله، يقتفي أثره". معتبراً أن ما يجري لجيش الإسلام من صعوبات، هو "ابتلاء من الله، كالابتلاءات التي جرت مع رسول الله، حينما حاصرته القبائل، رغم خلافاتها فيما بينها"، في إشارة إلى توحّد فيلق الرحمن، وجيش الفسطاط ضده.
وبحسب الشرعي في جيش الإسلام، فإن "الفيلق والفسطاط داهما منزله بأكثر من ٣٠ عنصراً"، قائلاً: "كالنمل ينتشرون في الطرقات بأحدث الأسلحة والتجهيزات، أين كانت هذه القوة أمام أعداء الله؟"
من جهته طالب الشرعي في "جبهة النصرة أبو محمد الأردني، الأهالي أن يكونوا عونا لتنظيم "جبهة النصرة" في قتال جيش الإسلام، حتى يرضخوا للشرع، وإن لم يرضخوا لما نريد من شرع الله، فقتالهم من أوجب الواجبات حسب قوله، وقتلهم جميعا وقتلهم هو حكم أجمع عليه العلماء.
ورأى الأردني أن من ظلم الناس هم جيش الإسلام، مؤكدا أن جيش الإسلام لن يعود إلا على جثث مقاتلي جبهة النصرة إلى أماكنه في الغوطة، مطالبا بتشكيل قضاء جديد يكون بعيد عن تحكم جيش الإسلام.
تبادل الاتهامات
وحمّل المتحدث الرسمي باسم "فيلق الرحمن" وائل علوان كافة الفصائل العسكرية في الغوطة مسؤولية تقدم قوات الأسد في القطاع الجنوبي، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن "جيش الإسلام" سحب قواته المرابطة على جبهات القطاع.
وحول اتهامات "جيش الإسلام" المتكررة لـ"الفيلق" بمنع وصول المؤازرات، شدد الأخير أن في الغوطة لا يوجد طريق واحد للانسحاب دون طريق للتعزيزات، مضيفاً بالقول "من انسحب من جبهات القطاع عبر طرق آمنة يستطيع أن يرسل تعزيزات عسكرية، منوهاً أن طريق "دوما الشيفونية أوتايا المرج" مفتوح، وهو الطريق نفسه الذي انسحب من خلاله قوات "جيش الإسلام".
وطالب "علوان" جيش الإسلام بوضع الخلافات جانباً، والعمل على إعادة رص الصفوف، والتصدي للعدو الذي يتقدم في القطاع الجنوبي.
في المقابل، أشار قيادي في "جيش الإسلام" في تصريح خاص لـ"أورينت نت" إلى أن كلاً من "جبهة النصرة" و"فيلق الرحمن" تعمدوا سابقاً على إخراج قوات "جيش الإسلام" من القطاع الجنوبي، وذلك لاعتبارات مناطقية، إلى جانب احتجاز نحو 700 مقاتل من "جيش الإسلام"، بينهم نائب رئيس الأركان في "الجيش" (أبو عبد الله الحسيني) قائد الجيش الإسلام في القطاع، المعروف بخبرته العسكرية كونه كان قائداً في أولية "الحبيب المصطفى" ورئيس أركان "الاتحاد الاسلامي" سابقاً.
وأوضح أن مقاتلي "جيش الإسلام" المحتجزين في القطاع الجنوبي، وضعوا امام خيارات إما "البيعة أو الاعتقال"، وخاصة من هم من خارج المنطقة، وهي القوة المركزية في الجيش، ولما رفضت "البيعة للفيلق "غادرت المنطقة "مشياً على الأقدام".
نزوح آلاف المدنيين
وبعد التقدم الكبير الذي أحرزه النظام في الأيام السابقة نزح 10 ألف شخص من بلدات القطاع الجنوبي إلى الأوسط، خوفاً من ارتكاب النظام مجزرة بحقهم، وبحسب المجلس المحلي لدير العصافير، فإن الأهالي يعيشون أوضاع إنسانية صعبة للغاية مع محاولة تأمين مساكن لهم. ويفترش النازحون شوارع بلدات كفربطنا، وسقبا، وحمورية، بينما نُصبت خيم للنازحين في بلدة الأشعري التي تشهد اقتتالاً بين "جيش الإسلام" و"فيلق الرحمن".
فالأوضاع حاليا تشير إلى اقتراب النظام من السيطرة كاملا على القطاع الجنوبي، في ظل انشغال الفصائل بالاقتتال فيما بينها، وفي حال سيطر النظام عليها، ستخسر الغوطة آلاف الدونومات من الأراضي المزروعة بالقمح والشعير والخضروات والفواكه، الأمر الذي سيهدد أكثر من نص مليون شخص يعيشون في الغوطة بالموت جوعاً في حال تم تدمير جميع الأنفاق مع القابون وبرزة.
التعليقات (7)