وأصبحت السوق السوداء خلال السنوات الأربع الماضية، هي المتحكم الرئيسي في سوق الصرف؛ ويعزا ذلك إلى التراجع الاقتصادي الحاد بعدما فقد النظام السوري الأدوات اللازمة لتنمية موارد النقد الأجنبي. ومن المعلوم أنه لولا تدخل المركزي مرات عديدة وطرحه كميات كبيرة من القطع الأجنبي (الدولار) لكان لليرة السورية أن تفقد قيمتها بشكل كلي خلال فترة قصيرة، لذا ساندت إيران مراراً وروسيا لاحقاً وكذلك الصين النظام لتعزيز قدرته الاقتصادية عبر تقديم دفعات نقدية كانت في بعض الأحيان تكون مقابل سندات الدولة، لكن جميع هذه الإجراءات لم تلجم الحركة الصعودية للدولار، ما أثار شكوكاً كبيرة بخصوص بدء نفاد مخزون البنك المركزي من القطع الأجنبي.
ويبدو أن اتخاذ المصرف المركزي لقرار ضخ "ملايين الدولارات في السوق بهدف احتواء أزمة ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية والذي زاد بنسبة عشرين في المئة في يوم واحد"، هو مجرد محاولة لرأب الصدع الذي لحق بقيمة الليرة التي فقدت أكثر من 92 في المئة من قيمتها منذ عام 2011، إذ كان الدولار الواحد يعادل 48 ليرة. فجميع المؤشرات الاقتصادية تنبئ بانهيار لقيمة الليرة، على ضوء الاعتقاد بأن البنك المركزي لن يتدخل بسبب نقص احتياطي العملات الاجنبية لديه.
هناك مجموعة من العوامل وفق تقديرات اقتصادية أدت إلى فقدان المركزي لكميات الاحتياطي لديه، في مقدمتها خروج معظم المعابر الحدودية عن سيطرة النظام السوري، التي كانت توفر إيرادات كبيرة من القطع الأجنبي عبر عوائد الصادرات سواءً من النفط أو القطاع الخاص أو المواد الأولية، ويضاف إلى جملة الأسباب المؤثرة على نقص كميات الاحتياطي الأجنبي، هو تراجع السياحة لما يقارب درجة الصفر، ما أفضى لفقدان إيرادات هذا القطاع بشكل كامل. وكذلك خسارته عوائد صادرات النفط من القطع الأجنبي بعدما أصبحت غالبية الآبار المنتجة للنفط خارج سيطرته. وزيادة على ذلك، كان لهروب رؤوس الأموال من البلاد وقف عجلة الإنتاج وخاصة بعد دمار البنى التحتية، دوراً سلبياً وسبباً في اضطراب أداء المركزي السوري.
وتدلل المعطيات السابقة بأن تدخل المركزي الذي تم الإعلان عنه لضبط سعر الليرة في السوق السوداء عند 620، ليس إلا تدخلاً مؤقتاً، وهو مناورة بحد ذاته، مرتبطة على الأغلب، باعتقاد النظام أن بمقدوره تحقيق تأثير سياسي على المعارضة السورية عبر حملته العسكرية الواسعة على حلب التي تسندها القوات الأجنبية الموالية لإيران. وكان عدد من المختصين الاقتصاديين قد أشار بأن إيران لم يعد بمقدورها تزويد المركزي السوري بمزيد من القطع الأجنبي، بسبب الالتزامات التي قدمتها مع الدول الكبرى (5+1) عقب توقيعها للاتفاق النووي، وكذلك هناك استبعاد لتقديم روسيا دفعات نقدية؛ لأنها أصلاً اشترطت الدفعات السابقة مقابل سندات الدولة السورية، بالإضافة لوضعها الاقتصادي الحالي الذي يمر بضائقة.
وكي لا يعاود سعر الليرة بالارتفاع أمام الدولار، يحتاج المركزي أن يضخ سيولة نقدية بشكل منتظم في السوق، وهذا أمر بغاية الصعوبة، وفق المعطيات الواردة أعلاه، لذا فإن عدم التزامه بذلك يعني فقدان سيطرته على السوق السوداء، وبالتالي ستبدأ شركات الصرافة بالإحجام عن شراء العملة المحلية مقابل احتفاظهم بالقطع الأجنبي، وهذا ينطبق أيضاً على رؤوس الأموال المتبقية في سوريا، لا سيما مناطق سيطرة النظام، والتي غالباً بدأت تختزن كميات القطع الأجنبي مقابل ترك كمية نقدية محدودة من العملة المحلية للتعاملات الشرائية في الأسواق. وهذا الأمر سيخلق انهيار حاد في سعر صرف الليرة قد يصل إلى 1000 ليرة أو حتى أكثر من ذلك.
التعليقات (3)