الإشهار والخوف بعد مئوية سايكس بيكو

الإشهار والخوف بعد مئوية سايكس بيكو
بعد تقسم المنطقة قبل مئة عام دون أي استشارة لشعوب المنقطة, ودون أي إرادة لأي شعب أو مكون، قسمت عدد من الدول العربية، ووجدت الأقليات نفسها موزعة على حدود عدة أطراف، منها كان الكورد، والاشور والتركمان، لكن الأكثر تأثراً ودفعاً لفاتورة التقسيم كان الكورد فتوزعوا بين دول أربع.

لذا أثارت مئوية سايكس بيكو مشاعر الشعب الكوردي في كل مكان، وكانت مناسبة ملائمة للتعبير عن التنديد بأقسى أنواع الاتفاقيات الدولية الخالية من أي ضمير أو الإنسانية التي تتشدق بها الدول الغربية، تلك الإنسانية التي يتغاطى عنها المجتمع الدولي في تعامله مع الثورة السورية، في حالة تشبه وضع الكورد وقضيتهم العادلة بعد الحرب العالمية الأولى.

الاتفاقية أنهت قرن كامل على المظالم ورفع وتيرة الأحقاد والكراهية، وشملت بمظلوميتها جميع شعوب المنطقة،  لكن ما يثير الاستغراب، إنه في الوقت الذي قسمت سايكس بيكو البلاد العربية أيضاً وبعثرت العوائل والعشائر والقرى والمناطق العربية بين طرفي الحدود إلا أن لا أحد منهم أكترث بحلول قرن على تلك الاتفاقية، وهو ما يثير عدة احتمالات:

1-قد يكون بسبب غياب المنظر أو الحامل الاجتماعي والرافعة القومية للشعب العربي.

2-خشية قسم من الأحزاب والأطراف العربية من نيل الكورد لحقوقهم والتي لن تكون بأقل من الدولة الكوردية، في حال تم الإعلان عن اتفاقية جديدة.

3-تقاطع مصالح بعض الأطراف والأحزاب العربية مع رغبات ومصالح ومخاوف إقليمية من توسع وزيادة النفوذ الكوردي في المنطقة، خاصة استعادة إقليم كوردستان العراق للمناطق التي بقي النزاع عليها مستمرا منذ عهد صدام حسين وحتى قبل حوالي السنة من الآن.

4-عدم تهيئة الأرضية والقاعدة الشعبية العربية لموضوع بحجم وأهمية الاتفاقية الدولية الجديدة والتي سيكون من مصيرها إعادة تشكيل دول المنقطة وإعادة رسم الخرائط والحدود الجديدة، ما يعني أن الشعب العربي قد يجد نفسه فجأة في دول جديدة، وتجاوره دول جديدة.

6-استفادة بعض الأطرف من استمرار الصراع السني الشيعي وإطالة أمد الحرب ما يعني على اقل تقدير استمرار تدفق الأسلحة وبيعها, وأهمية وجود حرب أو نزاع حقيقي أو دوغمائي بغية سهولة السيطرة على الحشود والجماهير.

7-رغبة دول إقليمية من تمرير أجندات تخدم مشاريعها الخاصة، عبر ضمان مصالحها سواء في المياه الدافئة في المتوسط والغاز في الساحل وغيرها, كإيران وروسيا.

8-دون إغفال وجود من يسعى للحفاظ على المركزية في الحكم, والحفاظ على سستام الدولة العربية.

لكن في المقابل ثمة أهمية لعقد اتفاقية جديدة لجميع الأطراف في الشرق الأوسط, فالصراع السني الشيعي بلغ ما بلغه من حدّ عجز إحصاء عدد الضحايا والأبرياء الذين فقدوا حياتهم جراء تغذية النزعات الطائفية، والخطاب المذهبي بلغ أوجه خاصة وإن الربيع العربي كان بمثابة الكاشف عن المذهبية الكامنة في العلاقات بين مكونات المنطقة، بسبب السياسات التي اتبعتها الحكومات في زرع الشقاق والحفاظ على حالة الكراهية والحقد بين أبناء البلد الواحد. وعلى الرغم من أن لا أحد يجرأ على طرح ضرورة وجود اتفاقية جيدة في المنطقة، فإن الرئيس البارزاني وفي أكثر من مناسبة طرح قضية الاستفتاء على مصير كوردستان العراق ليفتح الباب على مصرعيه في سبيل إعلاء راية الحق ووضع حد لشلالات الدماء في المنطقة، ووضع القرار بيد الشعب لتقرير مصيره, داعياً إلى حسن الجوار مع الدولة العراقية.

إن أكثر المستفيدين من أي اتفاقية دولية جديدة وإن كان الكورد هم المرشحون لها, فإن السنة والشيعية هم أيضا سينالون قسطاً كبيراً من الاستفادة, ليس أقلها الدخول في حالة الاسترخاء والراحة والسلام والابتعاد عن استمرار النزاع, خاصة وان الأحداث الأخيرة أثبتت استحالة العيش المشترك لمكونات بات لها مائة عام من النزاع والتخاصم والبغضاء.

ربما كان الأمر المؤسف في الأمر أن الحدود بين العراق وسوريا تم إزالتها من قبل داعش, بعملية مدروسة ومخطط لها بغية تشويه الثورة السورية.

رية والنيل من أكثر المكونات تقديماً للتضحيات في الثورة, في حين أن الحدود بين جنوب وغرب كوردستان تم أزالتها بفضل إرسال البشمركة إلى كوباني لإنقاذها من السقوط بيد داعش, هي أحد مفارقات السياسة الكوردية والعربية.

بكل تأكيد الشعب العربي كان له أن يكون ذا مُقدرات وإمكانيات أكثر لولا تحكم رهط من المنافقين واللصوص بخيرات بلادهم ورقابهم, لكن جهودهم ذهبت سداً, فأجُهضت ثورتهم في أماكن كاليمن وليبيا، وهي غير معروفة المستقبل في سوريا, بسبب رغبة المجتمع الدولي في إطالة أمد الثورة والنزاع والاقتتال في سوريا.

 ربما كانت الفدرالية أهون الشرين بالنسبة لكثيرين من المفكرين والسياسيين والأحزاب العربية، لكنها لن تحمل الجرأة أو الإمكانية في طرح هكذا فكرة, ليس أقلها سبباً أن قسماً منها لا يزال يعيش في الماضي،  والقسم الأخر لا تزال أفكار العروبة وإنكار الأخر معشعشة في داخله، ومنهم من ليس على استعداد أن يكتب اسمه في التاريخ كحامل للمشروع الفدرالي الموصوف بالتقسيم.

إذا كان المكون العربي يعيش حالة الخصام والضياع, فإن الكورد أنفسهم عاشوا الحالة ذاتها في جنوب كوردستان، حتى بداية 2003 وبداية التخلص من تلك الحالة وإن كانت بدرجات أقل بكثير من شبيهتها العربية نتيجة منطقة الحكم الذاتي وغيرها، لكن الكورد في سوريا لا يزالون حتى اليوم يعيشون أسوء مراحل تاريخهم, فيكفي التدليل على أن الأطراف الكوردية اليوم تعيش حالة الصراع والتناحر على مناطق لا يملكون فيها حتى هذه اللحظة, إي ضمانات للحكم الذاتي أو ما شابه.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات