"مصطفى بدر الدين" قتل أم اختفى وكيف وظف حزب الله الحدث؟

"مصطفى بدر الدين" قتل أم اختفى وكيف وظف حزب الله الحدث؟
على وقع هتافات "الموت للسعودية وآل سعود"، شيعت ضاحية بيروت الجنوبية، ما قيل إنه جنازة القيادي في الحزب، مصطفى بدر الدين قائد الجناح العسكري لحزب الله، حيث القى نعيم قاسم كلمة قال فيها: "أن بدر الدين آلم التكفيريين والإسرائيليين وجماعة النفط والدولار، وأن من اغتال "ذو الفقار" أرادوا إضعاف المسيرة، لكنهم أعطوا دفعا جديدا لمسيرتنا، التي تعطي الشهيد تلو الشهيد والقائد تلو القائد لترتفع الراية.

  

مصطفى بدر الدين، صهر عماد مغنية، هو القائد العسكري والمسؤول المباشر عن قوات حزب الله في سورية، وضابط ارتباط الحزب مع القوات الإيرانية، وهو قائد أمني وعسكري برتبة وزير وذلك بحكم علاقته المباشرة مع أمين عام الحزب، حسن نصر الله، حيث يتلقى الأوامر منه مباشرة ودون وسيط. بدر الدين هو أحد كبار المطلوبين في ملف اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري مع واحد وعشرين شخصا آخرين من خلال تفجير موكبهم في العام 2005، وهو كذلك مطلوب للولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، وحتى الكويت وذلك على خلفية تفجيرات يبدوا أنه متخصص بها.

بدر الدين، ربما يكون المسؤول الرئيسي، عن عملية إغتيال رئيس فرع المعلومات في قيادة قوى الأمن اللبناني الأسبق اللواء وسام الحسن، إنه باختصار العقل المدبر وحتى المنفذ لمعظم عمليات حزب الله الإرهابية داخليا وخارجيا.

من المفترض أن يشكل مقتل هذا الرجل ضربة قوية لحزب الله، وذلك لعدة أسباب أهمها أن هذه النوعية من القيادات تعتبر صناديق سوداء تحتفظ بالكثير من الأسرار والمعلومات، التي قد تختفي باختفاء أصحابها، وهو ما لا يمكن تعويضه الا من خلال إجراءات وتدابير، ربما يكون الحزب قد اتخذها وفقط في حالة واحدة، إن كان هو صاحب قرار تصفية الرجل، وهو ما يمكن استبعاده في حالة بدر الدين.

بمقتل بدر الدين، يكون الحزب قد خسر ثلاثة من قادته المتورطين بقضية اغتيال الحريري، حيث سبقه الى نفس المصير، كل من عماد مغنية الذي تم تصفيته، بواسطة تفجير عبوة ناسفة زرعت في سيارته المتوقفة، أمام مقر إقامته في منطقة كفر سوسة الأمنية، في العاصمة دمشق، في العام 2008، إضافة الى القيادي في الحزب حسان اللقيس، الذي تمت تصفيته أيضا أمام منزله، في بلدة الحدث الملاصقة للضاحية الجنوبية لبيروت، في ديسمبر / كانون الأول من العام 2013، ولكن بواسطة مسدس مزود بكاتم للصوت.

خسارة حزب الله لثلاثة من أهم قاداته المتورطين في قضية الحريري، وقضايا دولية أخرى، يعيدنا بالذاكرة الى قيام نظام الأسد بتصفية كل من غازي كنعان، ورستم غزالي وهما إثنين من أهم مسؤوليه الأمنيين المتورطين في جريمة اغتيال الحريري.

قناة الميادين الإيرانية، المقربة من حزب الله، أذاعت الخبر وسارعت إلى تحميل إسرائيل مسؤولية اغتياله، لتنسج قناة المنار على منوالها، لكن المنار سرعان ما تراجعت عن اتهامها لإسرائيل، مبررة ذلك بانتظار نتائج التحقيق، وهو ما يعني أن قرارا قد اتخذ بعدم تحميل إسرائيل مسؤولية مقتل بدر الدين، وذلك بسبب التبعات الثقيلة التي سيتحملها الحزب جراء هكذا اتهام.

إسرائيل وعلى لسان أكثر من مسؤول رفيع نفت أي تورط لها في مقتل بدر الدين ولعلها المرة الأولى التي تُظهِرُ فيها إسرائيل هذا القدر من الوضوح، وبسرعة قياسية نسبيا بالمقارنة مع حوادث سابقة التزمت فيها جانب الغموض، حيث أكد نائب وزير التعاون الإقليمي وعضو الكنيست عن حزب الليكود "أيوب قرا" في تصريح لإذاعة الجيش الإسرائيلي، قائلا: إنه لا علاقة لإسرائيل بمقتل بدر الدين.

الولايات المتحدة بدورها، نفت أي تحليق أو تواجد لطيران التحالف في المنطقة، لحظة حدوث الانفجار الذي أودى بحياة بدر الدين، وهو ما يعني قطع الطريق على حزب الله وإيران، في البناء على رواية أن تكون الولايات المتحدة هي المسؤولة عن اغتيال بدر الدين.

الطريف في الأمر هو ما نقله موقع "ديبكا" الإسرائيلي، المقرب من أجهزة الاستخبارات، الذي سرب معلومات تضفي جوا من التشويق على عملية التصفية، الأمر الذي أسهم في خلط الأوراق، من خلال نشر معلومات مفادها، أن تصفية بدر الدين قد تمت على يد سليماني وذلك بسبب لرفض بدر الدين استقدام المزيد من عناصر حزب الله، بل وقيامه بسحب مجموعات مقاتلة من سورية دون استشارة أمين عام الحزب، أو التنسيق مع إيران.

حزب الله وفي كل مرة يفقد فيها أحد قيادييه الكبار، وفور الانتهاء من عمليات التحقيق، يخلص دائما الى أن إسرائيل وعملاؤها هم المسؤولون عن عمليات الاغتيال، فيصدر بيانات يتوعد فيها بالرد في الوقت والزمان المناسبين، لكن أيا من هذان الشرطان لم يتحقق حتى الآن، اللهم الا إذا اعتبرنا أن الحزب يرد على إسرائيل من خلال قتاله السوريين في دمشق ودرعا وحلب وحمص وادلب وحماة.     

مصطفى بدر الدين هو أحد خمسة مطلوبين لمحكمة الجنايات الدولية الخاصة بلبنان، والتي مقرها مدينة لاهاي في هولندا، حيث أصدرت المحكمة في العام 2011 قرار اتهام بحق أربعة أشخاص ينتمون لحزب الله، وهم سليم عيّاش ومصطفى بدر الدين، وحسين عنيسي، وأسد صبرا، ثم أصدرت في سبتمبر/ أيلول الماضي، قرار اتهام جديد بحق عنصر خامس من حزب الله هو حسن حبيب مرعي وأيضا على خلفية مشاركته في عملية اغتيال الحريري.

حزب الله يرفض تسليم المتهمين، بحجة أن المحكمة أمريكية إسرائيلية، وأحكامها باطلة غير ملزمة، لكنه وعلى ما يبدو مستمر وبمساعدة كل من نظام الأسد، وربما إسرائيل بتصفية المطلوبين، وطمس معالم الجريمة، منعا لكشف ملابساتها وتقديم الجناة الكبار للعدالة وعلى رأسهم بشار الأسد وحسن نصر الله. 

هناك ثلاثة فرضيات لمقتل أو إخفاء مصطفى بدر الدين وهي

الأولى: هي أن يكون قد قتل فعلا، وعلى يد الفصائل السورية في خان طومان، التي خسرت فيها إيران 13 من كبار ضباطها دفعة واحدة، وهذا احتمال وارد جداً.

الثانية: هي أن يكون قد تمت تصفية الرجل وذلك لسببين: الأول وهو ما أشيع عن تمرده على الإيرانيين، ورفضه استقدام المزيد من عناصر حزب الله الى سورية، بل وسحبه لبعض المجموعات باتجاه الحدود السورية اللبنانية. أما السبب الثاني فهو التخلص منه لعلاقته بالعديد من قضايا الإرهاب في الكويت وبلغاريا والأرجنتين إضافة إلى ثبوت علاقته باغتيال الحريري وبهذا فإن كل من إيران وحزب الله ونظام الأسد يكونون قد ضربوا عصفورين بحجر واحد.  

الثالثة: وهي أيضا غير مستبعدة أبدا، حيث واستنادا الى خلفية الرجل الشبح وطبيعة نشاطه، التي تقمص خلالها العديد من الشخصيات الوهمية خلال مسيرة عمله في الحزب، فمن غير المستبعد أن يكون قد قرر تقمص شخصية جديدة، لكنها إيرانية هذه المرة، وذلك للتملص من مطالبة المحكمة الخاصة باغتيال الحريري، بتسليمه مع آخرين، فعمل الحزب على إعلان خبر مقتله، في حين أن الرجل ربما يكون قد انتقل للعيش في إيران، وحصل على جنسيتها وبات أحد رعاياها ومن يدري فقد نكتشف لاحقا أنه أحد معمميها. 

صحيح أن الغموض يلف مقتل مصطفى بدر الدين، لكن كشف ملابساته ليس بالأمر الصعب، وكل ما يحتاجه الأمر هو أن تقوم محكمة الجنايات الخاصة باغتيال الحريري بإصدار قرار يقضي بالحصول على عينة حمض نووي من جثة مصطفى بدر الدين المفترضة وبهذا يماط اللثام عن هذه هذا الغموض ولكن بشرط أن يسمح لهم حزب الله بالحصول على هذه العينة.   

هناك حقيقة ثابتة، وهي أنك تستطيع ان تشعل النار وقت تشاء، لكنك لن تستطيع إطفائها في الوقت الذي تريد، وحزب الله غاص في المستنقع السوري حتى اذنيه، وبات مستنزفا حتى في قياداته، التي خسر منها عشرة كباراً حتى الآن، وسيستمر في خسارة المزيد، وهو لن يستطيع أن ينسب مقتلهم جميعا لإسرائيل، فكثير من قادته الكبار يقتلون على يد الفصائل السورية، هذا عدا عن أن سورية نفسها قد باتت مسرحا لتصفية حسابات الجميع، وربما يكون لعملية التصفية علاقة بلعبة التوازنات على الساحة السورية, كان يكون لنظام الأسد وروسيا يد في الأمر.

كيف وظفت إيران وحزب الله قضية بدر الدين

المتابع لردود الفعل الإيرانية الباردة، ومحاولة حزب الله توجيه الأنظار باتجاه السعودية سيخرج بانطباع، أن تصفية بدر الدين قد تمت على يد من أفنى الرجل سني عمره في خدمتهم ومقاتلا عنهم، وما حدث خلال عملية التشييع من نقلة نوعية لشعارات الحزب، يعتبر مؤشراً كبيراً على إفلاس الحزب، فقد ظهر جليا التركيز على الدفع باتجاه الحشد طائفيا، في محاولة لترميم شعبية الحزب المتآكلة، فتم استبدال شعارات الموت لأمريكا وإسرائيل، بشعار جديد يناسب المرحلة ويعطي دفعة معنوية جديدة لانخراط الحزب في الحرب على المكون السني في المنطقة، فكان شعار "الموت للسعودية وآل سعود".

تبرير الشعار هو ما جاء على لسان أمين عام الحزب، بأن أصدق كلمة قالها، هي تلك التي تلت إنشاء التحالف العربي واعلانه الحرب على الحوثي، وهو بهذا يشير الى ما ساقه من إتهامات للسعودية بأنها ترتكب عدوانا على الشعب اليمني، الذي وصفه بأنه أكثر الشعوب العربية معاناة، وهو ما ينسف نظرية المقاومة والممانعة وكل شعارات العداء لإسرائيل التي رفعها الحزب لسنين طويلة.

إسرائيل ليست هي من قتل بدر الدين، لأنها ليست في وارد القيام بما من شأنه إضعاف أو إرباك عمليات حزب الله العسكرية في سورية، وهي كذلك لن تمانع في أن تكون الشماعة التي يعلق عليها حزب الله آثامه، ولكن بشرط، ألا يحاول الحزب غسل شيئ من هذه الآثام عبر عمليات استعراضية ضدها، فقواعد اللعبة باتت معروفة وواضحة، ورسائل التحذير والطمأنة المتبادلة كثيرة، وهي بكل تأكيد صلت وفهمت، وبالتالي فان حزب إيران اللبناني لن يغامر في فتح جبهات جديدة، أو خوض معارك يعرف سلفا انها خاسرة.

التعليقات (3)

    مجاهد

    ·منذ 7 سنوات 11 شهر
    سليماني يعين فؤاد شكر خليفة لمصطفى بدر الدين مع أوامر بمهاجمة السعودية بدل إسرائيل

    لم يقتل

    ·منذ 7 سنوات 11 شهر
    لا أستبعد أن يكون الآن في إيران فهذا الرجل عاش حياته على التخفي وهناك احتمال كبير أن يكون لم يقتل بل احيل على التقاعد في احدى قرى ايران النائية

    ابو سيف

    ·منذ 7 سنوات 11 شهر
    المعلومات الموكده بانه تمت تصفيته بمعرفه رئيس الحزب للتخلص منه ومن شاركوه في عمليه رفيق الحريري وهو لم يكن يجهل ذلك فقد اسر لاحد المقربين منه بمخاوفه ورغبته في ان يموت مقتول بيد العدو وليس بيد اصحابه كما اشار وكان قد تقدم لقياده الحزب برغبته في الانتقال الي ايران والاختفى في شمال ايران فابلغوه بعدم رغبه ايران وهاذا احد اسباب عدم انسجامه مع الايرانين في سوريا
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات