من حلب إلى جنيف..لعبة التوازن الدولية

من حلب إلى جنيف..لعبة التوازن الدولية
الجبهات التي سادها هدوء حذر بعيد اتفاق الهدنة الذي أقرته روسيا وأميركا والذي قيل أنه أوقف "الإبادة" التي تعرضت لها مدينة حلب على يد النظام وحلفائه, لم تنتظر أوخر الصيف لكي تعود إلى الاشتعال مجددا, إذ بدا التصعيد العسكري هو عامل الحسم الذي حذرت جهات غربية من خطورة أن يكون بديلا للمسار التفاوضي ,الذي إن لم يحقق تقدما حتى موعد انشغال الادارة الامريكية بالانتخابات الرئاسية في الخريف القادم سيكون أكثر اشتعالا من أي وقت مضى.

الهدنة التي يبدو أن الجانبين الأمريكي والروسي لن يستطيعا بشكل مشترك أن يذهبا أبعد منها نظرا لاختلال توازن الدعم من قبل كل منهما للمعارضة والنظام لمصلحة الاخير ..تلك الهدنة هي السقف الذي تريد الدبلوماسية الأمريكية الوصول اليه إذ أن ذلك يتضح من خلال البيان المشترك الذي أصدره كل من وزير الخارجية الامريكي جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف قبيل الاجتماع الذي عقدته في باريس مؤخرا دول مجموعة اصدقاء سوريا "بأن لا تذهبوا بعيدا بدعم المعارضة ما يشيرأيضا إلى أن شيئا يحضر له في اجتماع فيينا " 2" الذي ستعقده مجموعة الدعم الدولية لسوريا والتي ستشارك فيه ايضا ايران وروسيا .

اجتماع باريس  حافظ على ترجيح كفة التوازن لمصلحة النظام

الاجتماع الذي دعت اليه المانيا وفرنسا و ضم السعودية وقطر وتركيا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا والأردن وإيطاليا بالإضافة الى رئيس الهيئة العليا للمفاوضات للمعارضة السورية رياض حجاب وعقد في باريس أعطى مؤشرأ على ما تريد واشنطن تحديده للمفاوضين إذ أن الولايات المتحدة لم تكن من المدعوين إليه إلا أن حضور الوزير الأميركي جون كيري الى باريس أوصله إلى الفشل حيث حدد البيان الروسي الامريكي سقف النتائج التي كانت المعارضة وحلفاؤها سيما المملكة العربية السعودية تطمح بالوصول إلى أبعد منه  وفي هذا الصدد يقول رئيس الوفد المفاوض اسعد الزعبي وكأن تعيين جون كيري وزيرا الخارجية كان الهدف منه القضاء على الثورة السورية .

ماكانت تريده المعارضة من اجتماع باريس عبر عنه وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بقوله : إنّ أهداف المشاركين بالاجتماع كانت مشتركة وتتمثل في التأسيس لعملية انتقال سياسي بالإستناد إلى بيان مؤتمر جنيف  المنعقد في يونيو/حزيران 2012. وإنشاء حكومة انتقالية تملك صلاحيات واسعة تمكّنها من وضع دستور جديد وتنظيم انتخابات تتمخض عن حكومة جديدة من دون الرئيس السوري بشار الأسد.

ضغوط أمريكية روسية غير متوازنة على المعارضة والنظام 

في التصريحات المعلنة على الأقل وخلافا للواقع على الارض يظهر أن هناك ضغوطا تمارس من قبل كل من روسيا وأميركا على النظام والمعارضة سيما ما بدا من خلال اتفاق الهدنة الاخير الذي قيل أن النظام وايران تجرعاه على مضض لانهما يريد أبعد من تدمير حلب . في حين بدت الولايات المتحدة تدير أزمة دون أن تتدخل حفاظا على ارثها الثقيل بالتصريحات بدءا من أن الاسد فقد شرعيته لأنه يقتل شعبه لكنها لن تسمح لهذا الشعب بالحصول على أسلحة نوعية مرورا برفض اقامة منطقة امنة وانتهاء ببيان كيري لافروف المذكور.

الضغوط التي بدت واضحة من قبل روسيا على النظام تجسدت في تخفيف مستوى مشاركتها في قصف حلب وتخفيف الحماية الجوية لقوات النظام وحلفائه الايرانيين بغية انجاز اتفاق الهدنة إلا ان انتقاد الموقف الروسي تم من خلال وسائل الاعلام الإيرانية وتلميحات من قبل مسؤولين ايرانيين عسكريين . 

وكالتا أنباء تسنيم  وفارس المقربتان من الحرس الثوري الإيراني تعزوان خسائر الأخيرة في ريف حلب إلى تقصير روسيا فتقول وكالة تسنيم : ” إن "ثقة روسيا بالوعود الأميركية كانت وراء تراخي قواتها في حلب، مما تسبب في إلحاق خسائر كبيرة في صفوف الحرس الثوري".

وإلى أبعد من ذلك يذهب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني حيث ينتقد اتفاق الهدنة الذي رعته كل من أميركا وروسيا  ويقول : إن ما حدث في "خان طومان " بريف حلب، أثبت أن مخاوف إيران كانت صحيحة وتتناسب مع واقع الساحة، وإن “وقف إطلاق النار إنما هو فرصة تستغلها الدول الداعمة لترميم "التنظيمات الإرهابية".

اجتماع فيينا والتحضيرات لجنيف 

الحدثان البارزان بعيد انتهاء جولة المفاوضات الأخيرة في جنيف كانا ..عدوان النظام وحلفائه على مدينة حلب واجتماع باريس الذي بدا كردة فعل من قبل المعارضة وأصدقائها على تصعيد النظام في المدينة بدعم إيراني هو الأكبر ..بيد أن الهدنة التي اقرها الروس والاميركان بمقدار ماكانت مؤلمة للنظام وايران بقدر ماكانت نتائج اجتماع باريس مزعجة للمعارضة وحلافائها .

يمكن القول أن هذين الحدثين كانا من تداعيات فشل جولة المفاوضات الأخيرة في جنيف وهذه التداعيات ينتهي أثرها من خلال ترتيبات تتجاوزها , إذ يبدو هنا أن التحضير لجولة جديدة من المفاوضات في جنيف سيكون من خلال اجتماع المجموعة الدولية لدعم سوريا التي تضم 17 دولة عربية وأجنبية بالإضافة الى إيران وروسيا والذي سيعقد في فيينا في السابع عشر من الشهر الجاري.

الولايات المتحدة وروسيا أعلنتا مشاركتهما في اجتماع فيينا فالوزير كيري كان أكد أن الاجتماع سيكون من أجل إستكمال ما بدأته الولايات مع روسيا فيما يتعلق باتفاق الهدنة في مناطق سورية من بينها حلب وللحديث أيضا عن كل شيء بدءا بالمدة والتطبيق وانتهاء بالعملية السياسية” متوقعا أن تستأنف بعد ذلك بأيام الجولة الجديدة من محادثات جنيف . 

لافروف كان أجرى اتصالا بنظيره الأمريكي كيري بحثا فيه ضرورة متابعة الحوار بين الحكومة السورية "وكل تيارات المعارضة" بوساطة من منظمة الأمم المتحدة، هذا فضلا عن تقيّد الجميع باتفاقية وقف إطلاق النار بحسب بيان الخارجية الروسية ركزت على تعبير كل تيارات المعارضة وهو ما تستخدمه غالبا للضغط على الهيئة العليا للمفاوضات والتشكيك بشرعية تمثيلها التام للثورة السورية بأن ثمة "معارضات " أخرى مثل مايعرف بجماعة موسكو وحميميم ومبادرة أستانة والقاهرة.

نشاط دبلوماسي يسبق اجتماع فيينا 

الدبلوماسية الروسية نشطت خلال الأيام الماضية تمهيدا لاجتماع فيينا حيث ناقش بوتين والسيسي في اتصال هاتفي سبل دعم جهود التهدئة في سوريا في وقت أعلن فيه أمام جنود من قواته أن الوضع في سوريا يبقى معقدا لكن موسكو تأمل بأن يؤدي التعاون مع الولايات المتحدة إلى إحداث تغيرات جذرية في البلاد.وهذا مايعكس امساك روسيا والولايات المتحدة من خلال التفاهم القائم بينهما بالجزء الأكبر من الملف السوري .

كما أجرى لافروف للغية ذاتها اتصالا هاتفيا بنظيره الإيراني محمد جواد ظريف بحثا فيه تطورات الملف السوري والاجتماع المقبل للمجموعة الدولية بحسب بيان للخارجية الروسية

وبالنسبة للوزير كيري فقد حث "المعارضة" خصوصا على انتهاز ما تبقى من فترة الأدارة الأمريكية الحالية للسير في العملية السياسية وقال إن اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية في تشرين الثاني نوفمبر المقبل ينبغي أن يشجع الأطراف المعنية بالأزمة السورية على العمل من أجل التوصل إلى اتفاق خصوصا وأن الإدارة الحالية معروفة بالتزامها لصالح السلام وهي مستعدة لبذل ما في وسعها من أجل دفع عملية إعادة إعمار البلاد. 

أما المعارضة وموقفها من اجتماع فيينا المقبل فيقول الزعبي "أنها لا تعوّل على الإجتماع للخروج من "الاستعصاء السياسي" الذي تسبب فيه النظام، برفضه مقاربة القضايا الجوهرية، وفي مقدمتها الانتقال السياسي الذي يُقصي بشار الأسد عن السلطة. 

تصعيد عسكري قبيل فيينا 

يتماشى الحراك الدبلوماسي مع حراك على الارض بخطى تصاعدية يظهر كل جانب قدراته واستعدادته للأسوأ فمن جانبها قوات النظام تمكنت من التضييق أكثر على غوطة دمشق الشرقية مستفيدة من الصراع الناشب بين جيش الاسلام من جهة وبين فيلق الرحمن وجيش الفسطاط من جهة أخرى وكسبت نقاطا متقدمة على الارض 

ترافق هذا مع تسريبات وتصريحات حول استعدادات عسكرية ضخمة من قبل النظام بتخطيط "روسي" لمهاجمة حلب وهذا ماكشف عنه رئيس وفد المفاوضات الى جنيف أسعد الزعبي لقناة الحدث موضحا أن الخطة الروسية تقضي بزج 3 آلاف جندي إيراني شمال الغوطة الشرقية.

وبالنسبة للمعارضة المسلحة فقد  حققت من جهتها نجاحا لافتا في ريف حلب بانتزاع السيطرة على خان طومان وقتل وأسر عدد من الجنود الايرانيين بالاضافة الى قتل نحو  46 عنصرا من ميليشا لواء القدس التابع للنظام وتتحدث المعارضة أيضا عن سعي حثيث لتغيير موازين القوى على الارض سيما في محيط حلب حيث الجبهات الاكثر سخونة بين فصائل الثوار وبين قوات النظام وايران والميليشيات التابعة لهما في حين توقع كبير المفاوضين في وفد المعارضة إلى جنيف، محمد علوش أن تستعيد المعارضة المسلحة زمام المبادرة في ظل سعيها لرص صفوفها.

فيينا مفترق بين طريقي جنيف ودمشق 

يبدو المشهد قبيل فيينا 2وما سيليها في جنيف أقرب مايكون لقرع طبول حرب جبهات شاملة رغم أن مصادر غربية تؤكد أن ذلك يأتي في اطار استعراض القوة من الاطراف المتفاوضة بغية امتلاك اوراق أقوى وتشير بذلك الى إمساك اللاعبين الدوليين وعلى رأسهم الولايات المتحدة وروسيا بمعظم خيوط اللعبة التي بدأت بإقرار اتفاق الهدنة التي سيتم تعزيزها في اجتماع فيينا القادم بحسب كيري 

وفي ضوء اختلال التوازن الذي تقوده الولايات المتحده والذي أفضى الى عودة الحديث في الكواليس مجددا حول تشاركية في الحكم ومحاصصة سياسية بين النظام والمعارضة فإن من المرجح أن ينعكس ذلك على نتائج اجتماعات فيينا 2 إذ أنه سيكون أقرب إلى رؤية النظام وروسيا منه الى مطالب المعارضة مما يشكل تراجعا عما تم التوصل اليه في اجتماع فيينا 1 الذي عقد الخريف الماضي وهو الاتفاق على خطة لعملية سياسية يقودها السوريون تفضي خلال 6 أشهر إلى حكومة جديرة بالثقة تضع جدولاً زمنياً لعملية صياغة دستور، وإجراء انتخابات خلال 18 شهراً.

يبقبى هنا نجاح الروس والاميركان في اقرارهدنة مابعد فيينا السابقة الحد المشترك بينهما الممكن والمتاح , فثمة لاعبين اقليميين يمسكون بأوراق لقيت ومازالت تلقى لها ترجمة كبيرة على الارض سيما الدعم الايراني اللامحدود الذي أطال عمر النظام الى هذه الفترة وربما ستنسف فيينا برمته إلا أن السؤال الذي يفترض الإجابه عليه من قبل المعارضة قبل غيرها وهو ما هي تلك الاوراق التي يمتلكها السوريون غير "عدالة الثورة" التي قامت للتخلص من نظام دمر البلاد وقتل العباد وهجر الملايين ليستبدلهم بأفغان وايرانيين ومرتزقة من أصقاع الدنيا المختلفة ؟ ربما سيكون الجواب على هذا السؤال ليس بالضرورة في فيينا 2 التي ستحضر لجولة جنيف القادمة التي توصف بأنها بين " السوريين " بل على الأرجح من خلال الواقع على الارض وفي مختلف الجبهات وبين "سوريين وايرانيين"

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات