ما علاقة نوم الحلبيين بمواعيد قصف النظام؟

تختلف مواعيد النوم والإستيقاظ بين الدول على اختلاف توزعها الجغرافي، فمن يعيش بعيداً عن خط الإستواء يستقيظ بعد أن يلجأ القريبون من الخط إلى فراشهم، لكن في أخطر مدن العالم (حلب) تختلف مواعيد النوم والإستيقاظ بين حي وآخر حسب موقعها من خطوط الاشتباك وثكنات قوات النظام.

 الزمن الحلبي

عند الساعة السابعة صباحاً، يتوجب على القاطنيين قرب مطار النيرب العسكري، الإستيقاظ على صوت هدير الطائرات الحربية وهي تتجهز بحمولتها لمغادرة مرابضها باتجاه الأهداف، بينما يستيقظ من يقطن الأحياء الشرقية والشمالية من المدينة بعد ساعة من هذا التوقيت تقريباً، أي مع وصول أول الطائرات المهاجمة.

وهنا لمن يسأل عن طول هذه المدة، فالجواب هو إن الطائرات الحربية تقوم بجولة "فتح لجدار الصوت" بداية في سماء المدينة منذرة، ثم تأتي الطائرات من مختلف المرابض العسكرية لقصف الأحياء السكنية.

أما بالنسبة إلى سكان الأحياء الغربية من القسم المحرر من المدينة، فيتوجب عليهم الإستيقاظ عند الساعة التاسعة، على صوت غارة تنفذ إما على شارع رئيس في أحد الأحياء، أو على مدرسة تقدم التعليم لمن هم دون سن البلوغ، لتبدأ حكايات الإنقاذ واحصاء ضحايا المجازر وأماكن القصف، الخ...

الطائرات حسب الأهداف بالأرقام

تتنوع أهداف الطائرات التي تدخل سماء مدينة حلب، بتنوع قدراتها التدميرية، فإن كانت من طراز "سوخوي" أو "ميغ" فسيكون الهدف حيوياً، أما الحوامة، فتعتبر العدو اللدود للمدنيين كونها تستهدف كل شيء. 

وقد عايش سكان المدينة البراميل التي تلقيها المروحيات لأكثر من عامين، متسببة بنزوح أكثر من مليون مدني، وتدمير الأحياء والبنى التحتية، إلى جانب أكثر من "مئتي" مجزرة منذ أواخر عام 2013 وحتى الآن.

أما المشافي والمراكز التعليمية، فتعتبر الهدف الرئيس لجميع أنواع الطائرات، حيث تم احصاء أكثر من "مئتين وخمسين" مشفى ومركز صحي، ومراكز  تعليمية تم استهدافها في حلب، بحسب المعهد السوري للعدالة المختص بتوثيق الجرائم وانتهاكات النظام السوري.

ويقول مدير المعهد "عبد القادر مندو": منذ بدء حملة البراميل المتفجرة على مدينة حلب وحتى اليوم، تم احصاء "مئة واثنين وعشرين" مركزاً تعليمياً.

ومئة وأربع وأربعين مركزاً طبياً وصحياً في حلب، تعرضت للقصف الجوي من قبل الطائرات الحربية والمروحية.

وأضاف المندو: تم استهداف المواقع المذكورة بصواريخ فراغية وأخرى بقنابل موجهة، بالإضافة إلى البراميل المتفجرة التي تتصدر أرقام الأسلحة الجوية الملقاة على حلب، ونجم عن هذا القصف، ارتقاء مايقارب الثلاثمئة مدني بينهم مايقارب "خمسة وثلاثين" عاملاً في المجال الطبي، ومثيلهم من الكوادر التعليمية، بالإضافة إلى أكثر من مئة تلميذ لاتتجاوز أعمارهم الثلاثة عشر عام.

المساء في حلب

في بدايات الحملة العسكرية على مدينة حلب كان مغيب الشمس أكبر نعمة يشكر المدنيون ربهم عليها، حيث تغيب أسراب الطائرات الحربية والمروحية، إلا عن بعض الأماكن وأهمها "طريق الكاستيلو" الممر الإنساني الوحيد المتبقي بيد الثوار، لكن في الحملة العسكرية الأخيرة لم يعد ساتر الظلام يصنع فارقاً كما كان.

ففي مساء الثالث والعشرين من الشهر الماضي، قامت إحدى الطائرات الحربية باستهداف مشفى القدس التابع لمنظمة أطباء بلا حدود "الدولية" ، نجم عنه ارتقاء طبيب الأطفاء الوحيد الدائم في حلب، إلى جانب خمسة من زملائه وأكثر من خمسين مدني، جلهم من الأطفال والنساء.

مع هذه الغارة وما تلاها، بدء التغير الحقيقي في مواعيد نوم سكان حلب، فقد أصبح الطيران يصل الليل بالنهار ويحول سواد ليلهم إلى كتلة جمر، متعاوناً بذلك مع قواعد صواريخ ال أرض-أرض من طراز "فيل" المصنعة في معامل "حزب الله" اللبناني.

تم احصاء قيام الطيران الحربي والمروحي بتنفيذ مايقارب "المئتي" غارة جوية مسائية خلال الاسبوعين الماضيين على مدينة حلب، بينما استهدفت قوات النظام البرية سبعة أحياء سكنية بأكثر من خمسة عشر صاروخ فيل، مابين الساعة السابعة مساءً والثالثة صباحاً، نجم عنها ارتقاء مايقارب السبعين مدني بينهم الطبيب (محمد وسيم معاد) أخصائي الأطفال، ومسعفين وممرضة.

ينام أبناء المدينة عند الإنتهاء من عمليات الإنقاذ واجلاء المصابين ودفن الضحايا فجراً على الغالب، ويستثنى دائماً من هو قريب من مطار النيرب العسكري والمتحلق الجنوبي، حيث تتواصل عمليات القصف المدفعي وبالدبابات طوال الوقت.

هذه هي آخر صور مأساة الحلبيين الذين لا يكف النظام وحلفاؤه عن ابداع اساليب وطرق جديدة من أجل ايلامهم وزيادة معاناتهم والتضييق عليهم، ذنبهم في ذلك أنهم متشبيثين بأرضهم ويرفضون مغادرة منازلهم ووطنهم !