بهذه الكلمات خطب البابا أوربان الثاني في العام 1095 الجماهير الغفيرة في ساحة شاسعة بمدينة كليرمون الفرنسية مطلقاً الحروب الصليبية لتحرير القدس من المسلمين بعد نداء من الإمبراطور البيزنطي الكسيوس كومنين.
وبعد ألف سنة على الحروب الصليبية في العام 2012 ، قدم البابا يوحنا بولس الثاني إعتذاراً علنياً غير مسبوق عن أخطاء الكنيسة في الماضي، وطلب الصفح من الله عما سمّاه خطايا جميع المؤمنين، معتبراً ان المسيحية تتعارض مع الدعوات للعنف وهي رسالة تسامح ومحبة.
استنجاد الإمبراطور البيزنطي الكسيوس كومنين بالبابا أوربان الثاني ضد السلاجقة، ولسخرية القدر يشبه بشكل او بآخر إستنجاد القيصر الروسي فلاديمير بوتين برأس الكنيسة الأورثذكسية عندما طلب الغطاء الديني لعدوانه على الشعب السوري وتسميته بالحرب المقدسة، ولكن بعد الف عام وبعد إعتذار بابوي عن الخطأ نفسه.
طموح القيصر الروسي بإستعادة أمجاد إمبراطورية سمع عنها يوماُ عندما كان طفلاً يلهو بين تماثيل الساحة الحمراء وسط موسكو، دفع به الى استحضار قديسي ذلك الزمن ونبش بعض أقوالهم وإسقاطها على الوضع السياسي الحالي، حيث أن صراعه مع تركيا دفع به إلى نبش قديس يوناني اورثذكسي وأسطورة تم اسقاطها على الواقع لتصبح نبوءة تحاكي أمجاد روسيا وتوسعها في الشرق الأوسط وتهدد باختفاء تركيا من الوجود.
ووفقاً لنبوءة القديس باييسيوس الأثوسي المزعومة، فإن الشرق الأوسط سيصبح مسرحا للحروب الدامية وروسيا ستشارك فيه ويكون لها دوراً عسكرياً فعالاً في إشارة واضحة للتدخل الروسي في سوريا، تشير النبوءة كذلك إلى أن روسيا ستحتل تركيا بعد حرب قاسية مستعيدة بيزنطية الكبرى، وذلك بلعب واضح على مشاعر المسيحيين البيزنطيين ورمزية الأستانة اليهم.
ويقول باييسيوس في نبوءاته المستحضرة "تخبرني العناية الإلهية أن أحداثا كثيرة ستجري. سيأخذ الروس تركيا وتختفي تركيا من خريطة العالم، لأن ثلث الأتراك سيصبحون مسيحيين، ويموت الثلث الآخر في الحرب، ويغادر الثلث الأخير إلى بلاد ما بين النهرين. سيصبح الشرق الأوسط مسرحا لحرب تلعب فيها روسيا دورا كبيرا. ستراق دماء كثيرة". وللصين في هذه النبوءة ايضاً حصة "الممانعة" حيث قال "سَيعبُرُ الصينيونَ نهرَ الفرات بجيشٍ عدده 200 مليون مقاتل، ويسيرون وصولاً إلى أورشليم وبيتَ لحم في القدس".
وبالتالي إذا سلمنا جدلاً بصحة هذه الهلوسات، فإن الجيش الروسي سيحتل معظم الشرق الاوسط من تركيا الى بلاد الشام ويصبح القطب الشمالي متصلاً بالبحر المتوسط ، في إنجازلحلم قيصيري أزلي بالوصول الى المياه الدافئة. أما الصين فستجتاح ايران وبلاد ما بين النهرين وصولاً الى القدس وبالتالي تحرير فلسطين سيكون "صينياً" وليس "ممانعاً" وفق تقويم "ولاية الفقيه" الفارسي، مما سيُغضِبُ "زردشتَ" معتبراً تحرير القدس بالطقس الصيني تقليداً للبضاعة الاصلية الفارسية.
وإذا إسترسلنا أكثر وغصنا بزمن النبوءة المزعومة، فإن اتفاقية سايكس-بيكو التي رسمت حدود دولنا ستختفي لتظهر مكانها اتفاقية جين بينغ-بوتين ليرسم حدود امبراطورية النمور والقياصرة. كل شيء سيتغير، سنتعلم الحرف الصيني والكتابة عامودياً، او الحرف الروسي مقابل الاستمرار بالكتابة أفقياً، لأن اللغة العربية ستصبح من اللغات القديمة الغابرة مصيرها كـ"الارامية" و"الكرشونية". أما الشعوب فسيطرأ عليها أيضا متغيرات كثيرة، إذ لا مكان للفتيات السمراء بعد الان، لا بد من الانتقاء ما بين الحسناوات الشقراوات الروسيات، اوالصينيات ذوي البشرة البيضاء والاعين المشطوبة، والاختيار متاح وفق الأذواق.
لو كان أجدادنا هم من يروون لنا هذه الأساطير ربما إعتبرنا ان ثقافة الاجيال الماضية كانت ترتكز على التنجيم والاساطير والخرافات، لكن في عصرنا هذا نرى سياسات الدول الكبرى تحاول اسقاط أساطير وإقحامها في الدين لتجييش فكر "نازي" جديد لبناء سياسة حروب وإجرام يجعلنا نتساءل أين نعيش وفي أي زمن؟ وهل حقاً التطور الطبيعي للحياة بإتجاه العلم والسلام أم العودة الى خرافات الجهل وسفك الدماء؟
في نظرة الى محيطنا نرى كم من أيديلوجيات مشابهة مستوحاة من فكر إجرامي مقحم بلباس الدين لإستجلاب شرعية إلهية تتيح قتل شعوب وابادة وتشريد آخرين، الى إسقاط أخر ورقة تين عن أقل الخُلقيات الانسانية التي أجمعت عليها الديانات السماوية في جوهرها وبعدها الانساني.
تباً لزمن لا يتقدم، انما ينحدر بسرعة فائقة الى هلوسات وإيديولجيات غابرة، فما بين فكر"ولاية الفقيه" المجرم وعدوانية الحرب الروسية المقدسة، ووحشية تنظيم الدولة الاسلامية، إضافة الى خبث العقيدة الصهيونية.
كلها أفكار تجعلنا فريسة الاديان، ووقود الغباء والتخلف والرجعية، وكأننا نعيش في زمن ما قبل "الانوار" وكأن الثورة الفرنسية لا تزال حلماً بعيد المنال. أما من كان له فكراً "مشعاً" فينال مصير العالم "غاليلي" الذي اكتشف ان الارض مستديرة وليست مسطحة، فغضب منه دواعش كنيسة وأعدموه حرقاً لأن الكنيسة قررت حينها ان الارض مسطحة ولهذا السبب لا نقع عندما نسير بحسب علماء الدين في ذلك العصر. هذا الواقع المرير يجعلك لأحيان كثرة تنظر في "رزنامة" التاريخ وتدقق وتسأل، هل نحن فعلاً في العام 2016؟!
التعليقات (9)