هل تستطيع روسيا والميليشيات الشيعية السيطرة على حلب؟

هل تستطيع روسيا والميليشيات الشيعية السيطرة على حلب؟
 بدأ النظام بالترويج لمعركة حلب منذ عدة أسابيع، حيث تعتبر هذه المعركة للنظام بمثابة معركة كسر عظم مع الثوار، و التي  بدأت فعلياً منذ قرابة العام،  فقد ظهرت حقيقة تجاه النظام للسيطرة على مدينة حلب عند كسره للحصار "الجزئي" على نبل و الزهراء، و التي استمات في الحفاظ على قواعده فيهما خلال فترة "حصار" الثوار لها، مقدماً بعض التنازلات في سبيل ذلك، ليشن النظام جملة من المعارك التي استمرت عدة أشهر و التي استطاع خلالها تطويق حلب بنسبة تصل إلى أكثر من 70 % من محيطها، لينحصر الطريق إلى المناطق المحررة عبر طريق الكاستيلو الذي تشرف عليه الشيخ مقصود .

فبعد أشهر من التحضيرات، و بعد الهدنة التي كان الثوار الخاسر الأكبر فيها، و التي استغل النظام كل دقيقة فيها للتجهيز لهذه المعركة، بدأ النظام و الروس حملة جوية عنيفة، تستهدف إحداث حالة من الصدمة في حلب، و تعطيه الذرائع للبدء بالهجوم بحجة القضاء على "الارهابيين"  الذين يحتلون المدينة و يقصفون المدنيين في مناطقه، مدعماً حملته الجوية بحملة إعلامية ضخمة، قلبت فيها الحقيقة بعد أن  كشرت فيها وسائل الإعلام الكبرى عن أنيابها دعماً له .

 بسبب معرفة النظام لوضعه و ضخامة المعركة التي تنتظره، فهو يسعى لتبريد الجبهات في جميع أنحاء سوريا "بالتهدئة"، التي فرضتها القوى الكبرى بهدف التفرغ لحلب، و تركيز جهوده على المدينة، مستغلاً انشغال الثوار بمعاركهم الجانبية في أكثر من منطقة في سوريا .

من حلب لـ غروزني

يخشى الكثيرون من تكرار سيناريو غروزني في حلب، خصوصاً مع التدخل الروسي و دعمه للنظام، و القوات التي تقاتل معه حالياً، سواء بشكل ميليشيات شيعية عراقية وأفغانية، أو الدعم الإيراني المختلف الأشكال، فضلاً عن الدعم الروسي .

لكن نظرة شاملة للوضع في حلب، و مقارنته بالوضع في غروزني خلال معركتها التي انتهت نهاية مأساوية، ينفي وجود أي تشابه بين المعركتين، -إلا بوجود الروس و أسلحتهم. فغروزني كانت أخر معارك حرب الشيشان الثانية، و التي انتهت بعودة سيطرة الروس على الشيشان، و تتويجهم لحاكم صوري عليها .

أما حلب فليست سوى معركة ضمن معارك، لاتزال مفتوحة للسيطرة على "سوريا المفيدة"، لكنها قد تكون أكبر تلك المعارك، فضلاً عن معارك أخرى، طويلة و مريرة للسيطرة على كامل الجغرافيا السورية .

الحصار أولاً

غروزني التي بدأ الروس معركتها بمحاصرتها من كل الجهات،  حاربت جيش قوة عظمى لثلاثة أشهر وحيدة بدون أي إمداد، أما حلب التي يسعى النظام لإكمال حصارها، فيمكن أن تتلقى الأمداد بالرجال و السلاح و المؤون بداية من إدلب، و من عدة أطراف  يهمها عدم سقوطها، ما يعني أن معركتها ستطول كثيراً.

 فكسر حصار حلب -في حال حصل- ممكن جداً، بسبب وجود الكثير من قوات الثوار خارج حلب، و التي تستطيع الدخول في معارك بهدف كسر الحصار عنها، و فتح ممرات لتمرير الامدادات.

كذلك يختلف وضع قوات النظام التي تسعى لتطويق الثوار في حلب عن وضع القوات الروسية في غروزني كثيراً، فطرق الإمداد للقوات الروسية في غروزني كانت مفتوحة من كل الجهات، و كانت حرية الحركة و المناورة مضمونة 100 % و الشيشانيون موجودون في جهة واحدة بالنسبة للروس، في حين تفتقر قوات الأسد إلى القدرة على ضمان الإمداد، و قد تتحول من مُحاصِرة إلى مُحاصَرة، بخاصة بسبب احتمالية انقطاع خطوط الإمدادات، التي تمر عبر مناطق الثوار  مثل طريق خناصر،  إضافة لوجود الكثير من المناطق التابعة للثوار حول الطوق الذي يحاصر به النظام حلب، ما يعني محدودية القدرة على المناورة، و احتمالية ضرب مؤخرة قواته و عدم قدرته على تركيز كامل قوته على الهجوم على المدينة، و اضطراره لإبقاء كمية معتبرة من قواته في خطوط التماس مع الثوار في ريف حلب،  و وجود الكثير من الطرق الإجبارية التي تفرض على قواته، و سهولة تعرضها لكمائن .

القتال عن بعد

استخدم الروس خلال عمر تدخلهم في سوريا أسلوب القصف المكثف للمناطق التي يريدون السيطرة عليها، سواء مدفعياً و صاروخياً و جوياً، مع تجنب الدخول المباشر في مواجهات برية، حيث ظهر هذا الأسلوب في حملتهم الثانية على الشيشان و بخاصة على غروزني، فقد قسم الروس المدينة إلى قطاعات، و القطاعات هذه قسموها الى قطاعات فرعية،  وركزوا عليها بالتتالي، مستخدمين النهر المار في المدينة، و سكك القطار كخطوط حدود .

حيث اعتبر هذا التكتيك الذي استخدمته القوات الروسية جزءاً  ضمن خطتها للسيطرة على المدينة بأسلوب -القتال عن بعد- و التي تجنبت خلالها الالتحام المباشر مع الشيشانيين، مستخدمة المدفعية و الطائرات لتدمير الأبنية بدل السيطرة عليها باستخدام المشاة و الدروع، و هو (التكتيك الذي يتوقع أن يكرره الروس في حلب )، مستخدمين القصف العنيف و المركز تجاه القطاعات المستهدفة "للتطهير"، لكنهم قد يضيفون إلى هذا التكتيك الذي اخترعوه لتجنب وقوع خسائر بشرية كبيرة في صفوفهم، هجمات تشنها الميليشيات الشيعية-التي لا أهمية للخسائر فيها- بعد عمليات القصف مباشرة بهدف مسك  المواقع التي قد يخليها الثوار بنتيجة القصف الشديد . 

100 ألف جندي

وصل عدد القوات الروسية في معركة غروزني إلى قرابة 100 ألف عنصر، و المئات من الدبابات و العشرات من الطائرات، و مئات قطع المدفعية المختلفة .

في حين لم يتجاوز عدد المجاهدين في غروزني 4000 مقاتل، مقارنة بعدد الثوار الذي قد يتجاوز 25 ألف مقاتل في حلب و ريفها، ما يعني خمس أضعاف العدد على أقل تقدير، عدا عن الثوار في إدلب و غيرها، و الذين يمكن أن يدعموا الثوار في حلب، أضافة لكونهم عموماً من المقاتلين ذوي الخبرة العالية و الروح المعنوية العالية جداً، و وجود عدد كبير من الانغماسيين و الاستشهاديين بينهم .

في حين لا يعرف بشكل دقيق الأعداد التي حشدها النظام لمعركة حلب، لكن لا يعتقد أنه قادر على حشد 100 ألف جندي لهذه المعركة،  خصوصاً أنه ما يزال يحارب على جبهات أخرى كثيرة، و يتعرض للاستنزاف بشكل كبير، إضافة لعدد المدفعية و الطائرات الأقل الذي يستطيع حشده -مقارنة بمعركة غروزني- .

عدا عن الفروقات في طبيعة الأرض، و طبيعة و كثافة الأبنية في حلب، تختلف كذلك قوات النظام عن القوات الروسية في غروزني بالكثير من الأمور، فالقوات الروسية التي حاربت الشيشانيين اتصفت بالتنظيم و التبعية لقيادة واحدة، و وحدة الهدف و التدريب و التسليح و التكتيكات، و اللغة و طرق الاتصالات، و هذا ما لا تمتلكه قوات النظام و الميليشيات المرافقة لها في حلب .

فهم تابعون لأكثر من قيادة، و يتحدثون أربعة لغات، و معظم القوات تدريبها منخفض جداً، و تختلف طبيعة الأسلحة المستخدمة باختلاف الوحدات، و هناك تفاوت في مستوى تجهيزات الاتصالات و الاستطلاع، و نماذج استخدام الاسناد الناري بين الوحدات، و تختلف التكتيكات العسكرية لكل وحدة عن الأخرى حسب تبعيتها و مستوى تدريب عناصرها، و روحها المعنوية فضلاً عن رغبتهم بالقتال من الأساس.

ما يخفض فعالية قوات النظام للحد الأدنى، مقارنة بالقوات الروسية في غروزني 2000.

يضاف إليها أن الروس كانوا يقاتلون معركة واحدة فقط في غروزني، في حين يقاتل النظام على أكثر من جبهة، ما يسبب الضغط على قيادة أركانه، لكي تستطيع تنسيق العمليات، ما يبرر سعيه الحثيث للحصول على وقف إطلاق نار في المناطق الأخرى بهدف تركيز جهده على حلب، و بخاصة الجهد الجوي .

معركة النظام الأخيرة

نظام الأسد يسير نحو حتفه في حلب، فهو يحاول الدخول في هذه المعركة بدون تجهيز كافي، معتمداً على الدعم الجوي الروسي بشكل رئيسي، حيث لم يتعلم النظام من المعارك الطويلة السابقة في حمص و داريا و جوبر و غيرهما، أن الدخول في معركة أمر سهل لكن السيطرة على المناطق المستهدفة أمر أخر، و أن معارك الساحل مختلفة تماماً عن معارك المدن التي سيدخلها في حلب، و التي أثبتت قواته فشلاً ذريعاً فيها خلال السنوات الماضية، فماتزال مناطق بمستوى أحياء عصية على نخبة قواته لسنوات،  إضافة لاقتراب فصل الصيف و ما له من تأثير على الروس و عتادهم.

وخصوصاً أن القوة التي سيواجهها كبيرة و مدربة، و ذات رغبة هائلة بهزيمته، ما يعني أن معركة حلب ستطول كثيراً، فحتى لو حاصرها فالحصار لن يتسبب بتوقف القتال، بل سيجعل المدافعين أكثر شراسة و عناداً، و سيتكبد الأسد خسائر فادحة جداً، خصوصاً إذا اعتمد الثوار على تكتيكات الكمائن و الإغارة، و ركزوا على إحداث خسائر بشرية لدى النظام بالتفخيخ و القنص، و التي تستطيع إحداث كم هائل من الخسائر في صفوفه و زعزعة الروح المعنوية لقواته، و إذا قطعت طرق إمداده بالتزامن مع هجمات  للثوار داخل المدينة فهذا يعني تشتيت قواه و الضغط على عملياته، عدا عن فتح جبهات أخرى تستنزف النظام، و تجبره على تحريك كم من قواته و احتياطاته بعيداً عن خطوط المعركة الأساسية في حلب .

إن القوى التي دفعت النظام لفتح هذه المعركة مدركة تماماً لطولها و صعوبتها، و كم الخسائر التي ستتعرض لها قوات الأسد، فجيش الأسد لن يخرج من هذه المعركة كما كان قبلها، فالقوى التي دفعت الأسد للزج بما بقي من جيشه إلى هذه المحرقة،  لا تريد السيطرة على المدينة بقدر التفاوض على مصير سوريا .

معركة حلب هي معركة النظام الأخيرة، فخروجه منها مهزوماً و خسارته للمدينة يعني سقوطه، و حتى لو خرج منها منتصراً فسيكون مثخنا بالجراح و قد تكبد قدراً هائلاً من الخسائر، يمنعه من مواصلة القتال لفترة طويلة .

هوامش:

- يعتبر إبقاء نبل و الزهراء و كفريا و الفوعا ضمن سيطرة النظام،  من أهم الاخطاء الاستراتيجية التي ارتكبها الثوار خلال عمر معارك الشمال السوري. 

- استخدمت قوات النظام تكتيكات مشابهة خلال معارك جوبر 2014، باستخدام راجمات سميرتش و اورغان، لكنها فعلياً لم تنجح .

- برز خلال حملة الشيشان الثانية للواجهة عدة أسلحة -بنتيجة معركة غروزني-، قد يكون أهمها راجمات TOS-1 و التي استخدمت بكثافة خلال الحملة على المدينة، و التي يروج لها الروس أيضا خلال معارك سوريا.

- بعض التقديرات تحدثت عن 3 الى 6 ألاف مقاتل شيشاني في غروزني 1999.

- بعد خروج المقاتلين الشيشان من غروزني تحولوا إلى معارك الجبال ضد القوات الروسية، و لايزالون يشنون الهجمات عليها حتى وقتنا هذا.

- قصف الروس غروزني لمدة أسبوعين بشكل عنيف قبل أن يحصلوا على موطئ قدم فيها.

- تراوحت تقديرات حجم القوة الروسية التي هجمت على غروزني بحدود 55 إلى 110 ألف جندي و عنصر أمن.

التعليقات (5)

    العيد الجزائري

    ·منذ 7 سنوات 11 شهر
    بارك الله فيكم على هذا التحليل الدقيق كل ما نرجوه هو أن يأخذه الثوار بعين الإعتبار ليجهزوا أنفسهم ويتداركوا الأخطاء

    عبدالعزيز

    ·منذ 7 سنوات 11 شهر
    أكبر خطر على حلب هو من جهة الخونة الأكراد في حي الشيخ مقصود

    عبدالعزيز

    ·منذ 7 سنوات 11 شهر
    أكبر خطر على حلب هو من جهة الخونة الأكراد في حي الشيخ مقصود

    ahmed

    ·منذ 7 سنوات 11 شهر
    من الغباء الانتظار حتى يدمر الروس مدينة حلب .افضل طريق لحماية حلب نقل المعركة الى الساحل .هذا لو كان بينكم شخص واحد عاقل وشريف

    الدمشقى

    ·منذ 7 سنوات 11 شهر
    أي وضحولهن أكثر
5

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات