حزب الله يراقب المطار
القصة بدأت قبل ثلاثة أيام من السابع من أيار من العام 2008، إثر اكتشاف الوحدة الألمانية المشاركة في قوات "اليونيفيل" كاميرا المراقبة على المدرج 17 في مطار رفيق الحريري الدولي، والتي أحالت بشأنها مراسلة رسمية إلى وزير الدفاع الوزير الياس المرّ الذي أحالها بدوره الى النيابة العامة ومن ثم إلى الحكومة.
الوزير المرّ قرر ابلاغ مجلس الوزراء بالامر، واطلع منسّق الأمانة العامة لقوى 14 آذار فارس سعيد صباح الأول من أيار، وسلمه نسخة عن المراسلة. فما كان من سعيد الا التوجّه على الفور من وزارة الدفاع الى المختارة للقاء النائب وليد جنبلاط وزوّده بالنسخة التي في حوزته، فطار صوابه، مسارعاً الى كشف النقاب عنها في مؤتمر صحافي.
لم يكتفِ جنبلاط بذلك، وإنما ألغى سفره الذي كان مقرراً في اليوم التالي الى القاهرة، وعقد مؤتمراً صحافياً عرض فيه خرائط الشبكة كاشفاً النقاب عن كل التفاصيل. وشنّ هجوماً على "حزب الله" وأمينه العام معتبراً أن رئيس جهاز أمن المطار مخترق وتابع لـ"حزب الله"، وطالب بإقالته. كما دعا الى وقف الرحلات الجوية للخطوط الجوية الإيرانية الى بيروت وطرد السفير الإيراني من لبنان، واتّهم من يقف وراء هذه الأعمال ربّما بالتخطيط لقتله أو لقتل سعد الحريري أو فؤاد السنيورة.
قراران سياديان للحكومة.. الحزب يفقد صوابه
في ظلّ هذه الأجواء، عقدت جلسة مجلس الوزراء في 5 أيار حيث استمرت المناقشات حتى الساعة الخامسة فجراً قبل ان يصدر القراران الشهيران. وجاء في المقرّرات الرسمية التي أذاعها وزير الإعلام الآتي:
1- في موضوع شبكة الاتصالات الهاتفية التي أقامها "حزب الله" على امتداد الأراضي اللبنانية:
ـ اعتبارها غير شرعية وغير قانونية وتشكّل اعتداء على سيادة الدولة والمال العام.
ـ إطلاق الملاحقات الجزائية بحق كل من يثبت ضلوعه في العملية أفراداً كانوا أو أحزاباً أو هيئات أو شركات.
ـ رفض الادعاء بأن حماية "حزب الله" تستوجب إقامة مثل هذه الشبكة واعتبارها سلاحاً مكمّلاً لسلاح الحزب وكذلك رفض منطق ربطها بالتشويش الإسرائيلي أو السوري أو الأممي الذي دانته وتدينه الحكومة وتعمل في كل مرة على إزالته.
ـ تزويد الجامعة العربية والمنظمات الدولية بتفاصيل هذا الاعتداء الجديد على سيادة القانون في لبنان وفضح الدور الذي قامت وتقوم به هيئات إيرانية في هذا الحقل.
ـ تكليف الإدارات المختصة والقوى الأمنية متابعة الوضع الشاذ القائم ومعالجته باعتبار أن ملكية هذه الشبكات تعود قانوناً للدولة اللبنانية التي لها الحق في إزالتها.
2- إعادة قائد جهاز أمن المطار العميد وفيق شقير الى ملاك الجيش، وتأكيد حق الدولة وواجبها وإصرارها على استكمال متابعة قضية الكاميرات لمراقبة المدرج الرئيسي في المطار والتي تم تركيبها من "حزب الله"، بما يهدّد أمن المطار وسلامته ويشكّل انتهاكاً أيضاً لسيادة الدولة".
قرار "الغزو" كان جاهزاً.. بانتظار "القرارين"
لم يتأخر رد حزب الله الذي جاء سريعا على لسان مسؤول العلاقات الدولية في الحزب نواف الموسوي الذي اعتبر أن "الفريق الآخر يلعب بالنار ومن يلعب بالنار يحرق يديه". وأضاف أن إقالة العميد شقير "تجاوز للخطوط الحمر"، رافضاً الإفصاح عمّا سيقوم به الحزب ردّاً على هذه الخطوة.
كذلك الرد الميداني لم يتأخر حيث اندفعت جحافل الحزب عبر ميليشياته التي خرجت من مربّعاتها الأمنية في الضاحية الجنوبية ومن مخيم احتلال وسط العاصمة الى تنفيذ سلسلة اعتداءات على أهل بيروت وعلى المرافق الاقتصادية والخدماتية. أقفل مطار رفيق الحريري الدولي من خلال نشر مسلّحيه على طريق المطار وقطع الطريق المؤدية إليه بالأطر المشتعلة. فيما بادرت إدارة الطيران المدني الى نقل الطائرات الخاصة وتعليق حركة الطيران من المطار وإليه. كما استولت مجموعات مسلّحة على كل مراكز "تيار المستقبل" في العاصمة وقامت بإحراقها.
صباح 7 أيار، خلت العاصمة من أي وجود للقوى الأمنية الرسمية. الجيش سحب عناصره من الشوارع ومن نقاط المراقبة، وأعاد تمركزها خارج المدينة. برزت تجمّعات عسكرية تحيط ببيروت من كل الجهات، مزوّدة بأوامر مفادها أن تحمي هذه الوحدات نفسها وثكناتها فقط، فيما ملأت مواكب مسلّحي "حزب الله" و"أمل" والحزب "السوري القومي الاجتماعي" و"البعث" شوارع بيروت بطولها وعرضها من دون حسيب أو رقيب.
في السرايا الحكومية، كان الخط مفتوحاً بين فؤاد السنيورة وسعد الحريري الموجود في قريطم. حرس رئاسة الحكومة أعدّوا خطة لتأمين سلامة رئيس الحكومة، الذي كان اعتاد على الضغط النفسي الذي كان يمارسه المعتصمون حول السرايا بدءاً من توجيه "البروجكتورات" على نوافذ مقرّه وصولاً الى إطلاق الموسيقى الصارخة ليلاً ونهاراً. الخطة تهدف لمواجهة احتمالين: الدفاع عن رئيس الحكومة ومَن معه في حال اقتحام السرايا، وإخلاء السرايا من قاطنيها مع التزوّد بأقنعة واقية في حال استخدام المسلحين قنابل مسيلة للدموع.
أما وليد جنبلاط، فقرّر تحمّل مسؤولية القرار الذي اتّخذه وشركاؤه في الحكومة. اتّصل به نواب من كتلته ونصحوه بالانتقال من بيروت الى المختارة، فكان جوابه "لن أخرج من بيروت، سأبقى هنا مع أهل بيروت ومع سعد الحريري وفؤاد السنيورة".
7 أيار كان يوماً طويلاً في قريطم. حلّ الظلام، وبعده منتصف الليل، ولم تُطفأ الأنوار في القصر. القلق يحاصر الجميع، ومعه عشرات الأفكار والهواجس. وحده سعد الحريري كان بارد الأعصاب: "حزب الله نفّذ عملية عسكرية من دون أفق سياسي، ومن دون قدرة على استثمارها سياسياً، لأنه لا يستطيع البقاء في بيروت كجيش احتلال. لماذا أنتم قلقون.. وأنت أين ضحكتك؟ الحزب فقَدَ صوابه، يجب أن ننتظر انتهاء هذه النوبة (كريزا)، أما ارتكاب أي خطأ من جانبنا فأمر لا يجوز لأنه يقود الى حرب أهلية. المهمّ أنني أرفض تحمّل مسؤولية نقطة دم واحدة".
حسن نصرالله يمجد يوم احتلال بيروت
هذا اليوم المشؤوم في تاريخ لبنان الذي اظهر نوايا واهداف حزب الله التدميرية المغلفة بشعارات المقاومة، اعتبره حسن نصرالله نصراً جديداً للمقاومة. ففي حروبه المتنقلة، يستحضر حزب الله العناوين والمبررات لذر الرماد في العيون ولاستقطاب الرأي العام والحصول على تأييده، غير أن اللبنانيين باتوا أوعى من أن يضللهم حزب أو جهة سياسية.
فها هو حزب الله وفي تاريخ السابع من ايار بستمر بدفع لبنان واللبنانيين من ورطة الى اخرى في اتون الحرب السورية دفاعا عن نظام بشار الاسد وتحت عناوين وشعارات لم تعد تنطوي على احد فيقتل الاطفال والابرياء في ليعيدنا بالذاكرة الى السابع من ايار من العام 2008، والذي وصفه الامين العام لحزب الله حسن نصر الله باليوم المجيد مستبيحا بسلاح حزبه مدينة بيروت.
التعليقات (1)