إطلالة على الإعلام الثوري

 إطلالة على الإعلام الثوري
فرضت الثورة السورية الكثير من المفاهيم و المعايير الجديدة على أصعدة عديدة في شتَّى مجالات الحياة، فالثورة التي وُلِدَت بعد تراكمات حُكمِ الإستبداد جاءت عفويَّةَ الحدوث، فكان لوقعها التغييري ككل الأحداث العظيمة في العالم، تلك الأحداث التي تتركُ تأثيراً واضحاً بينَ زَمَنَين و تاريخَين، هكذا جاءت الأحداث الثورية التي أنجبت أدواتها معها، تلك الأدوات التي ما لبثت أن صارت جزءاً من المشهد ككل بل عاملاً حاسماً في الكثير من فصولِه و بات أبطالُ المرحلةِ فيها رموزاً للتغيير و الثورة عند جيلٍ كامل.

الإعلام في توصيفِهِ الثوري أو البديل هو حالةٌ فرضَتها الضرورة اللحظية لغياب المنبر الإعلامي القادر على استيعاب المسرح مترامي الأطراف على امتداد المدن السورية، ربما هكذا يمكن سرد قصة ولادة المواطن الصحفي الذي أخذ على عاتقه إيصال صوت المغلوب على أمرِهِم من خلال نقل الصورة الحيَّة للواقع اليومي سواءً في فترةِ المظاهرات الأولى أو من في مراحل لاحقة مع تعقيدات الملف العسكري في البلاد.

لا بد من القول بداية إن الحالة العربية عموماً و خصوصاً السورية تفتقر إلى مصادر و كُتُب تقوم على منهجية المدارس الأجنبية في العمل التلفزيوني أو إدارة غُرف الأخبار أو التغطيات الحية للأحداث"

 فالمصادر المتاحة اليوم ما هي إلا عبارة عن تجارب شخصية ذاتية يتم الاستقاء منها للتعامل مع الواقع الذي فرَض نفسه ضمن معطيات محددة أفرزَتها جغرافية المناطق الثورية، فغياب المصادر الأساسية و شح المعلومات عن آلية العمل الإعلامي للناشطين الذين برزوا أول الثورة أدى إلى ظهور أخطاء كثيرة، و لسنا هنا بوارد التنظير بالمطلق بقدر ما هي محاولة لفهم نشوء هذه الظواهر الإعلامية الثورية أو ما بات يعرف فيما بعد بالإعلام البديل.

الإعلام البديل ظهرَ سورياً بالمطلق، يقوم على كوادر سورية غير مدربّة ما لبثت أن أخذت مساراً ضمن مؤسسات عالمية أو محلية أخذت على عاتقها إنجازات دورات تدريبية في الداخل و الخارج السوري لتطوير مهارات الناشطين، فقوام هذا الإعلام في بداياتِهِ كان فكرة الإخلاص للثورة و العمل لأجلِها"

و هذا في المنطق الصحفي غير مقبول أو غير ممكن، لذلك اكتسبَت هذه الشبكات خبراتها التراكمية من أمرَين الأول هو المعرفة التراكمية و الثاني المغامرة بالتجريب، و في إعتقادي أن الأخيرة لعبَت دوراً كبيراً في تسليط الضوء على مساحات بيضاء استطاع الناشطون ملأها سواءً عبر الوثائقيات أو الأفلام القصيرة أو البرامج الكوميدية.

الإعلام البديل استهدف في قاعدته الأولى الواقع الإجتماعي في المدن السورية ثم تحول إلى مصدر خبري لكثير من المؤسسات الصحفية العالمية في ظل منع التغطيات الصحفية من قبل النظام السوري، هذه الحالة أدت ي بعض الاحيان إلى ظهور مشاريع عفوية إرتجالية وليدة اللحظة فكانت بيئة من الممكن فيما لو كان تمَّ الإعتناء بها أن تؤدي إلى نتائج أكثر جدية من نتائجها الحالية، نتحدث هنا عن مشاريع فردية لم تنضوِ تحت مظلة الحكومة المؤقتة أو التكتلات السياسية التي ظهرت في الساحة السورية عقب الثورة.

من زاوية ثانية و في الحديث عن العنصر البشري فقد وفَّر المواطن الصحفي مادةً حقيقية لكثير من المؤسسات الإعلامية الاوربية التي اعتمدت في كثير من الأحيان على تحليل قاعدة البيانات للمعلومات التي يضعها أو ينشرها الناشطون عبر الشبكة العنكبوتية، و بالمقابل هناك قلة قليلة فقط من المؤسسات الإعلامية السورية اعتنت بشكل حقيقي بالمواطن الصحفي من خلال تدريبه و صقل مهاراته و تطوير معارفه"

فكثير من العاملين بالإعلام قبل الثورة تعاملوا بمنطق الفوقية مع المواطن الصحفي و هذا ما انعكس بشكل أو بآخر على انتاجه فشكَّل حالة من الإصرار على البقاء في المربع الأول من طرف المواطن الصحفي.

لا شكَّ أن الإعلام الثوري البديل امتاز في كثير من الأحيان بالصدق و متابعة الحدث و نقل هموم الناس و إيصال صوتهم، و يكفي هنا في هذه النقطة أن نطالع البيانات السنوية المرفقة التي تصدرها المؤسسات العالمية أو السورية لنقرأ أسماء الناشطين الذين قَضوا خطفاً أو قتلاً أو تحت التعذيب في الزنازين، لنعرف أن هؤلاء بنَوا خبراتهُم بالدم و معرفتهُم بأجسادِهِم.

أمام هذا المشهد الذي يشوبُهُ الإرتهان أو التبَعية في بعض الحالات تبرز لنا مشاريع حقيقية مستقلة استطاعت أن تكون نقطة مضيئة في تاريخ الإعلام السوري قبل و بعد الثورة، و ما علينا هنا إلا أن ندعَم تلك المشاريع لإستمرار بقائها.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات