كان القرار الإيراني، بإشعال محرقة حلب مُتخذاً، ما قبل تعليق "هيئة التفاوض" مشاركتها، في جنيف3. وهو ما أكده رئيس حكومة "الأسد" وائل الحلقي، معلناً دعم روسيا الجوي للعملية. الأمر الذي سارعت موسكو إلى نفيه. كما امتنع بوتين، عن استقبال الجنرال قاسم سليماني، لدى زيارته موسكو، بهدف تأمين دعمها العسكري و السياسي، للهجوم على حلب.
بدوره، فضل بوتين لحظتها تأجيل العملية. لاستخدامها بالضغط على المعارضة وحلفائها، لتمرير مقاربته للتسوية السياسية، في جلسات جنيف. وهي تختلف عن رؤية طهران، لأنها تُفضي إلى خروج الأسد غالباً، من المشهد السياسي في نهاية المطاف. كما تعني انتزاع موسكو، لقرار دمشق الاستراتيجي، من يد الولي الفقيه، وربطه بمصالحها. بدلاً من إخضاعه كلياً، لمتطلبات المشروع الإيراني، في المنطقة. لذا جاء توقيت الهجوم على حلب، إثر اتخاذ "الهيئة" موقفها بتعليق التفاوض مُناسباً للجميع، أولهم أوباما المُصرعلى إدارة لا إطفاء الهلوكوست السوري، حتى مغادرته البيت الأبيض. سواء بتجديده الترخيص بقتل السوريين عشوائياً، عبر استبعاده مجدداَ إمكانية الحل العسكري ضد الأسد.
أو من خلال استمرار الفيتو الأمريكي على تسليح، مقاتلي المعارضة بالأسلحة النوعية. أو بمنع وتسويف إقامة منطقة آمنة شمال سوريا. في حين يجد بوتين نفسه مُستفيداً، من هجوم حلب. لذا أعلنت موسكو صراحة، على لسان نائب وزير الخارجية غينادي غاتيلوف، بأنها لن تمارس ضغوطاً لوقفه. بغض النظر عن نتيجته العسكرية. حيث فشله يجعل "الأسد"، أكثر طواعية لها. فيما نجاحه يٌروض المعارضة، للقبول بحكومة "وحدة وطنية" بصلاحيات مُقيدة. تدفن مبدأ "هيئة الحكم الانتقالي" نهائياً، كحل وسط بين رؤيتي موسكو وطهران. ولعل تحريك مدفعية روسيا إلى حلب، يندرج في خانة، الرسائل لتركيا. عدا اتخاذ الاحتياطات الميدانية. لمنع حدوث تطورات عسكرية مُعاكسة، تعيد خلط الأوراق لصالح المعارضة.
بكل الأحوال، لم يكن حجم الضغوط، على المعارضة و"داعميها" مُفاجئاً، بما فيه استثناء حلب من الهدنة "الروسية – الأمريكية" . إذ توقعناها بالتفاصيل، في مقال رأي نشرته "أورينت نت"، قبل أسبوعين بعنوان (احتراق الأسد روسياً .. وهذا مخطط بوتين للانقلاب على الثورة). بيد أن محرقة حلب المستمرة، تُعيد الاعتبار لأولوية التساؤل، حول جدوى العملية السياسية، ومدى استعداد طهران وبشار، للمضي فيها أساساً. مع ما تعنيه من طوي صفحة "الأسد" للأبد، مهما تأجل طرح مصيره .
ما بات مكشوفاً، وترفض موسكو الإقرار به علناً. هو أن كلمة بوتين لدى الأسد ساعة الحقيقة، لا تتعدى صلاحياتها، مبنى السفارة الروسية بدمشق. أو أسوار قواعدها العسكرية "طرطوس - حميميم"، في الساحل. لذلك يضطر للعوم وفقاً لهوى بشار السياسي، الذي هو هوى طهران. و المعضلة، أن الأخيرة تعتبر حربها في سورية مصيرية، لاستمرار مشروعها الإقليمي. ولن تتراجع عن محاولات الانتصار فيها عسكرياً. بالتالي من المُستبعد أن تقر، بالتعب والإنهاك مهما أصابها، كما يأمل بوتين. الذي نُقل عن أوساطه في موسكو، "بأن الأسد لن يخرج من سوريا إلا ميتاً".
تلك الأوساط لم تُذع سراً، أو تُفجر مفاجأة. ذلك أن الأسد، وبتشجيع من إيران. قطع شعرة معاوية، مع غالبية السوريين، صبيحة الثورة. لما رفع في مواجهتها "الأسد أو نحرق البلد". وها هو يحرقه بأهله وحجره، على سيرة القذافي "زنقة زنقة". و لعله يُدرك أن استمراره، منذ خمس سنوات، بمحاولة إعادة عقارب الساعة، إلى ما قبل 2011، ستؤدي إلى مقتله عاجلاً أم آجلاً. لكنه يقاتل على قاعدة " إما قاتل أو قتيل". مُتكئاً على تعهدات إيران، بدعمه عسكرياً واقتصادياً وسياسياً، حتى النهاية. وعلى شجاعتها بتجاهل، روسياً والولايات المتحدة معاً عند اللزوم، دفاعاً عن مشروعها. وهذه الشجاعة، هي ما يفتقر إليه خصومها. حيث تجرأت طهران، على التدخل العسكري المباشر في سوريا. بينما ترددت أنقرة والرياض، بفعل الشيء ذاته، وامتنعتا عن تزويد الثوار بالسلاح النوعي. إذعاناً لتهديد بوتين، وأوامر أوباما، رغم عجز الأول عن الدخول، بحرب استنزاف حقيقية في سوريا. وانتهاء صلاحية الثاني "رئاسياً"، عن اتخاذ إجراءات عقابية مؤثرة بحقهم.
لا شك، بأن موسكو وطهران يستمدان إقدامهما، من تردد تحالف أنقرة – الرياض. اللتان أهدرتا فرصاً لإسقاط الأسد عسكرياً، على أوهام الحل السياسي. في حين أن "رفاهية إضاعة المزيد"، لم تعد متاحة، إثر محرقة حلب، لأن انتصار تحالف "طهران – الأسد – ميليشيا مسلم – داعش" فيها. يعني انتقال الحريق، إلى عقر ديارهما تباعاً.
"ما قبل معركة حلب الإستراتيجية الخطيرة غير ما بعدها"، ويُهدد بنقل السيناريو إلى إدلب والساحل. وإن لم يُحرق"الأسد" بدءاً منها. سيكون سعيداً برؤية أعدائه يحترقون فيها معه، أو ربما قبله. مثلما توعد يوماً.
التعليقات (4)