مؤشرات عددية شّجعت المبعوث الدولي إلى سوريا دي ميستورا على محاولة إعادة تعويم نظام الأسد، وفي مقدمتها تيقنه بأن الرئيس الأميركي باراك أوباما ليس في وارد السماح بإجراء أي تغيير فعلي في موازين القوى في الميدان السوري، بل إن تصريحاته الأخيرة في العاصمة البريطانية لندن، التي اعتبر فيها أنه من الخطأ الكبير أن تقوم أميركا وبريطانيا أو أي دولة أخرى بإرسال قوات برية من أجل الإطاحة بالأسد،
ليست دليلاً على انكفاء للدور الأميركي في القيادة العالمية، بل الانتقال إلى دور المعطل المتفرج، الذي يراهن على أن الدول التي تحارب مباشرة في سوريا أو بالوكالة سوف تستنزف، وبأن الشعب السوري سيتعب، وسيتخلى في لحظة ما عن كثير من مطالبه، التي ليس لأحد رغبة في تنفيذها أو حتى السماح بحصولها.
فمواقف الإدارة الأميركية الأخيرة، ورفض أوباما مجدًدا تشكيل منطقة آمنة، ليست إلا ضوًءا أخضر جديًدا للأسد وداعميه للاستمرار في عمليات الإبادة، واستخدام العنف المفرط ضد المدنيين، وإشارة إلى احتمال قبول باراك أوباما بحدوث تغيير استراتيجي على الأرض لصالح الأسد، يفرض أمًرا واقًعا على المفاوضات، يخفف العبء الذي يتحمله أوباما جراء رفض المعارضة السورية المستمر القبول ببنود ورقة دي ميستورا، التي لا تنص صراحة على رحيل الأسد، في حين زاد وزير خارجيته جون كيري الطين بلة، في حديثه لصحيفة «نيويورك تايمز» منذ أيام عن أسباب انهيار الهدنة وارتفاع حدة المعارك في حلب، عندما اعتبر أن «التمييز بين الإرهابيين وقوات المعارضة على ساحة القتال غدا أكثر تعقيًدا مما توقعته الولايات المتحدة»، مشيًرا إلى أن «وجود الإرهابيين في هذه المنطقة، هو الذي دفع إلى تحريك قوات المدفعية باتجاه حلب»، فيما اكتفى أوباما بالتصرف كأنه رئيس لجمعية خيرية وليس لدولة عظمى، عندما اختزل دور واشنطن باستخدام نفوذها لإقناع روسيا وإيران بالعمل على التوسط في عملية انتقال سياسي في سوريا.
تحاول إدارة أوباما منذ توقيع الاتفاق النووي مع إيران حماية مصالح طهران الاستراتيجية في سوريا، وتعتمد على روسيا في رسم التوازن الدقيق بينها وبين تل أبيب، ففي إحدى زيارات المعارضة السورية إلى واشنطن، طالب وزير الخارجية الأميركي السوريين الذين التقوه سنة 2014 بتقديم ضمانات لطهران في الحفاظ على ممراتها الآمنة إلى لبنان، ويصّر أوباما قبل رحيله عن البيت الأبيض على مقاربة للواقع السوري تريح طهران وتفرض نفسها على مواقف الرئيس الأميركي المقبل، بحيث تمنعه من سرعة التحرك أو التفلت بسهولة من تركة سلفه، فأوباما الذي واجه عدم ثقة الخليجيين بمواقفه في الرياض، لن يتخلى فيما تبقى له من أشهر في السلطة عن فرض مقاربته المستحيلة على المنطقة، وتمسكه بالأهمية الجيو استراتيجية لبقاء النظام السوري، التي تمنع قيام نظام إقليمي عربي متماسك يعيد إيران إلى حجمها الطبيعي، لذلك تصبح معركة حلب مصيرية، وعليه، ينطبق المثل السوري: «يا رايح كتر من القبايح».
التعليقات (2)