حي الوعر المحاصر..يحاصر الجميع

حي الوعر المحاصر..يحاصر الجميع
أكثر من ثلاث سنوات من حصار قوات النظام لمئات الآلاف من الموطنين  في مختلف مناطق البلاد حملت عناوين التجويع والقهر والموت .. بيد أن  حصار حي الوعر آخر معقل للمعارضة في حمص عاصمة الثورة ..يضيف تفاصيل أخرى عن عزيمة صمود الحي وعن شدة بطش النظام الذي يباغت سكانه بين فترة وأخرى بقصف غادر رغم الهدنة المعلنة .  

آخر ماتعرض له الحي من قصف قبل عدة أيام كان من الكلية الحربية بحمص حيث أطلقت قوات النظام صاروخا  على حي المسبح أدى الى استشهاد أربعة مواطنين واصابة عشرة اخرين بجروح نتيجة انهيار المبنى الذي يسكنون فيه 

سميحة الناشطة في مجال الاغاثة في الحي والتي كانت من بين فريق الاغاثة تصف الحدث خلال عملية انقاذ الضحايا إثر سقوط الصاروخ ...وتقول : حين تلمست الحجارة بيدي ورائحة غبار الإسمنت أدركت أنني لم أدفن تحت التراب ومازلت على قيد الحياة إلا أنني لم أنس آخر كلمات سمعتها : قد يسقط صاروخ آخر .."ابتعدوا.. الجدار يتهاوى ".

البناء السكني في منطقة المسبح في حي الوعر الحمصي.. انهار على ساكنية، والضحايا أربعة أطفال ..وسبعة جرحى ..والبحث عن ناجين من بين أنقاض المنزل وكذلك انتشال جثث الضحايا توقف عند خروج سميحة من بين الركام .إلا أن الجرحى وهم ثلاثة أطفال وأربع نساء ..لن يتم نقلهم الى المشفى فقوات النظام تمنع دخول الأطباء للمستشفى، كما تمنع المحروقات من الوصول إليه حتى لا يتمكن المستشفى من الاستفادة من مولد الكهرباء كما تقول سميحة حيث تضيف : حتى المنازل ليست هي الآن بمأمن فقد أصبحت الآن اكثر استهدافا من قبل صواريخ النظام كما حدث اليوم .

خروقات مكررة

استهداف الحي بالصاروخ هو خرق للإتفاق المبرم بين لجنة من أهالي الحي  والنظام السوري برعاية أممية، مطلع العام الجاري، والمعلقة حاليًا نظرًا لإنكار النظام وجود مئات المعتقلين لديه.

ويخضع حي الوعر لسيطرة المعارضة السورية، ويقطنه نحو 200 ألف مدني يرزحون في حصار مستمر من قبل قوات النظام ، عدا عن استهدافه المتكرر بالرشاشات الثقيلة.

حصار تلك المنازل في حي الوعر,ورغم خلوها من أدنى مقومات الحياة الأنسانية لا سيما الطعام  والتدفئة والادوية لم يمنع ساكنيها من نسج أعلام الثورة للخروج في المظاهرات , فهي التعبير الأكثر صدقا عن فكرة الحياة الحرة ..وهذا ماأدى إلى قيام النظام بقصف الحي 

تقول سميحة التي لم تغادر منزلها طيلة فترة الحصار: ربما جاء استهداف النظام للحي بصاروخ بهدف كسر إرادة أهالي الحي الذين خرجوا بالامس في مظاهرة ترفع اعلام الثورة وتؤكد سلمية الحراك الشعبي .. لكننا لم نكن نتوقع ان يشهد الحي قصفا بعد الاتفاق الذي رعته الامم المتحدة ، رغم أن حالة الحصار عادت أشد مما كانت عليه قبل الاتفاق حيث منع دخول مادة الخبز وجميع المواد الغذائية وإغلاق تام للطرقات ومنع الناس من الدخول والخروج من وإلى الحي .

وتضيف وهي تقوم بوضع ضمادات على جبين إحدى الجريحات في شارع فرعي ...أنه  في فترة الاتفاق لم يسمح بدخول المواد الطبية للحي، الأمر الذي جعل الوضع الإنساني يزداد سوءً، خصوصاً في ظل انعدام المحروقات والمواد الطبية التي جعلت عملية اسعاف الجرحى الذين استهدفهم الصاروخ في منازلهم، عمليةً شاقة وسط عجز دولي أممي بفرض الزام النظام الانصياع للقرارات الدولية، التي لم يعد أحد داخل البلاد يلقي لها بالاً.

وتقول ..أن سكان حي الوعر يشعرون كما غيرهم من المدن أو الأحياء المحاصرة في سوريا، بأنهم يموتون بصمت، ولا يشعر بموتهم سوى أهلهم .....نعلم أن النظام سيقوم بأي شيء يمكنه القيام بغية حمل الآهالي على الاستسلام لكن الأخطر هو أن معادلته الآن هي : أما قتلكم وإما قتلكم .

 لقد كنت شاهدة قبل عدة أيام على حادثة منع النظام من إخراج الطفل "عمر البشير"  من الحي للعلاج .. ما أدى إلى وفاته ,وتضيف : الطفل عمر قُتل، لأن النظام منع إخراج الطفل من الحي المحاصر، وبقي يصارع الموت لساعات، وبقي والداه يراقبانه وهو يموت أمام أعينهم , والأسوأ من كل هذا أن الطفل عمر كان سيخرج برفقة وفد من الامم المتحدة زار الحي مؤخرا .

وتقول أن وفد الامم المتحدة الممثل بمكتب المبعوث الدولي ستيفان ديمستوراالذي قدم الى الحي نتيجة مطالبة الأهالي واطلاقهم اكثر من نداء تجول قام بجولة فيه واستمع من الأهالي الى معاناتهم  وخرج من الحي دون اية نتيجة  إلا إدراكه مدى عمق إحساسهم بالظلم وبعدم تمكنه من اخراج الطفل عمر برفقه للعلاج ..

وعاد الوفد مرة ثانية  واجتمع مع وفد الحي المفاوض للوقوف على ما وصلت إليه المفاوضات مع النظام والأسباب التي أدت لتجميد الاتفاق

حي الوعر الذي عاد لحراكه السلمي وعاد الحصار إليه ..من خلال المظاهرة التي سبقت قصف الثاني من نيسان والفعاليات الثورية التي تؤكد على رفض ظلم النظام وتدعم قرارات لجنة تفاوض الحي ، يؤكد تمسك سكانه المحاصرين بحيهم وعدم الانصياع لأوامر النظام، التي تفضي إلى ترك المنازل وخروج أصحابها منها.

وقد يعني انهيار الجدار بعد سقوط الصاروخ  قتلا لمدنيين ..لكنه في نظر "أبو فاروق الحمصي "احد اعلاميي فريق الدفاع المدني الذي يعمل على انتشال جثث الضحايا يعني أيضا انهيارا كاملا للإتفاق الذي ابرم مع النظام ..قبل بدء تنفيذ الهدنة في البلاد والتي تقضي بوقف إطلاق النار، من أجل حماية المدنيين وتحسين أوضاعهم بعد حصار دام أكثر من عامين.

النظام تعمد عرقلة الحل في الوعر

التصعيد المفاجئ كما يقول "ابو فاروق الحمصي " جاء بعد أن قام رئيس اللجنة الأمنية في حمص "جمال سليمان" باتخاذ قرار قصف الحي المدني، الذي كان قد سبق وأبرم معه اتفاقاً مكوّنا من ثلاث مراحل، تم تنفيذ مرحلة منها والبدء بالثانية، ليقوم النظام بعرقلة الاتفاق وتجاوز بعض البنود كبند المعتقلين القابعين في سجونه وأقبيته، مطالباً لجنة المفاوضات الممثلة لحي الوعر بالانتقال للمرحلة الثالثة التي تفضي إلى إخلاء الحي من ثواره ومقاتليه، وأخيراً من ساكنيه سواء من مناطق حمص الاخرى او من اهالي الحي  في توعد واضح بقتلهم، بعد إخماد إطلاق النار في جبهات الحي لأشهر واستهداف مناطق سكن المدنيين ليلاً.

لذلك يقول الناشطون ان النظام يراهن على ان يكسر كل من الجانبين بعضهم بعضا "أهالي الحي ..والنازحين اليه " بعد استخدام الحصار لفترة طويلة وقصف الحي للضغط اكثر على الاهالي  وادخال الوهن والانكسار الى نفوسهم باستخدام حرب الاشاعات 

ومعلوم أنه بموجب البند الاول من الاتفاق خرج عدد من الثوار -بينهم الجرحى- ويشمل ذلك ثلاثين حالة شلل تام، وسبع حالات بتر -بينهم نساء- إضافة إلى حالات أخرى حرجة، كما كان بين المغادرين فئة المعطلين الرافضين لمبدأ الهدنة وبعض الأسر التي أنهكها الحصار.

ويقف سكان الوعر وسط معادلة صعبة, فإن خرج الناس انكسر الثوار، وإن خرج الثوار تعرض الأهالي لخطر المجازر أو الاعتقال، وإن خرجوا جميعاً انتهت رحلة الثورة في المدينة، وبالتالي يسهل على النظام تطبيق خطته بعد أن يختل الميزان في الحي دون جهد، ويسهل احتلالها طواعية، ويعود من جديد البطش بالحديد والنار.

ويحاصر الحي ثكنات عسكرية عدة كالكلية الحربية، والمشفى العسكري، ومشفى حمص الكبير، وبرج الغاردينيا، والأمن الجنائي، وكتيبة المدفعية في الغابة والتي تغطي الغابة بـ11 حاجزا، والجزيرة التاسعة بأبراجها، وبساتين الحي الذين تحتلها الميليشيات الطائفية ..

حي الوعر هو آخر معاقل الثورة في حمص  عاصمة الثورة لن يقبل سكانه الركوع  وقد عايش شبابه الثورة منذ بداءتها وعرفوا معنى الحرية فيه كما أن اطفالا ولدوا فيه وتذوقوا رسم خطى أحلامهم وأسر عشقت الثبات.

لكن الخطر الكبير الذي يتعرضون اليه في هذه الفترة ليس فقط الحصار والقصف انما قيام النظام ببش اشاعات بأن بنودا في الاتفاق غير معلنة تقضي بإخلاء الحي من ساكنية وترافق ذلك مع ادخال النظام الحافلات ذات اللون الأخضر الى الحي بهدف ان يستعيد الأهالي معها ذاكرة الألم التي ارتبطت سلبياً بخروج ثوار حمص القديمة وإخلائها بشكل نهائي، مما جعل ذات الصورة تنطبع في العقول وبأن مصير الحي لن يختلف عن مصير أحياء حمص القديمة الأخرى حيث الخروج النهائي من الحي .

تقول سميحة ..لن تستطيع تلك الصواريخ وتلك الإشاعات أن تنال من صمود أهالي الحي وسكانه فيه أحلام كبيرة لشباب يطمحون إلى حياة الكرامة، ومشاريع تنهض بالإنسان تتجند لأجلها العقول وتعمل ليل نهار، وسياستها ألا تركع وألا تذل فالحي من يحاصرهم ..بل يحاصر من لا انسانية لديه من الجميع ..

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات