الأستاذ دي ميستورا واختبار تحديد المستوى

الأستاذ دي ميستورا واختبار تحديد المستوى
جرت العادة أنه وعند التقدم لدراسة احدى اللغات الأجنبية، تقوم الجهة التعليمية بإجراء إختبار تحديد مستوى، وذلك للوقوف على المستوى الحقيقي للطالب وتقرير المستوى الدراسي الذي ينبغي أن يبدأ بدراسته، وفي السياسة كما في اللغة فإن الوضع قد لا يختلف كثيرا، فهي أيضا مدارس ذات مناهج متعددة قد لا يحتاج الطالب فيها لأن يكون عبقريا متفوقا بقدر حاجته للإنتماء والولاء للنهج الذي تتبعه هذه المدارس.

اختبار تحديد المستوى يحتوي على عينات من المواد التي سيغطيها المنهاج الدراسي، حيث يأتي اختبار تحديد المستوى بعدة أصناف منها تقييم الفهم والإنتاج ومدى الاستجابة ليتم بعدها تحديد ما إذا كانت أهداف المقرر تتماشى مع المهارات المكتسبة لدى الطالب عند نهاية فترة التعلم. الاختبارات التحصيلية تكون نهائية لأنها تتم عند نهاية الفصل، ولكن يمكن للطالب أن يحصل على دورات تدريبية تسهل عليه مهمة اجتياز الاختبار بيسر وسهولة.

دي ميستورا أستاذ سياسة واقتصاد وخبير أممي ثمانيني عركته الحياة ودهاليز السياسة وخباياها، أنا شخصيا أمقت هذا الرجل لعلمي بتنفيذه مشروعا لا يخدم مصلحة شعبنا، لكنني وإحقاقا للحق معجب بذكائه وجلده وقدرته على المناورة والتلاعب بالآخرين وتسييرهم، "طبعا وفقا للأجندة المرسومة له مسبقاً". فالمتابع لتحركاته سيشعر بلا أدني شك أنه يختلف عمن سبقه من وسطاء ومبعوثين دوليين، فهو تارة روسي، وتارة أخرى أمريكي وفي أحيان أخرى يظهر كمعمم شيعي أو ناطق رسمي باسم الأسد، ونادراً ما يظهر كوسيط محايد.

   

من جنيف إلى فيينا مرورا بتوابعهما، عشرات الإجتماعات التي عقدت على مدى خمس سنين توجت جميعها بأحدث جولة من مفاوضات جنيف-3، التي وجه منها "ستيفان دي ميستورا" وثيقة مؤلفة من حوالي 30 سؤالا إلى وفدي المعارضة ونظام الأسد، تركزت في معظمها على فهم الطرفين ورؤيتهما لقرار مجلس الأمن 2254 بخصوص طبيعة الحكم المنشود في سوريا، حيث ورد في القرار المذكور أن الهدف هو الوصول إلى حكم ذي مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية. 

ثلاثون سؤالا ليس من ضمنها سؤال واحد حول طريقة محاسبة مجرمي الحرب في سورية، ولا حول كيفية إقرار وتطبيق التسوية السياسية، هذا في حال تم التوصل إلى تسوية، ثلاثون سؤالا ليس من بينها سؤال واحد حول مسألة المصالحة الوطنية، ربما يدركون أنها باتت من عاشر المستحيلات. 

ثلاثون من الأسئلة تركزت وبشكل موجه حول طبيعة وشكل تشاركية نظام الحكم، وتمثيل الطوائف والأعراق والمناطق الجغرافية، والنساء والمجموعات ذات المصالح، وكذلك تمثيل الوجوه الوطنية المستقلة، ثم انتقلت وثيقة الأسئلة لتركز وفي أكثر من جانب على أليات وطرق تنفيذ وضمان تطبيق هذا التمثيل. 

لقد حملت هذه الوثيقة في طياتها بذور تقسيم وشرذمة سورية، فهي لم تؤكد على البعد الوطني لكافة مكونات الشعب السوري ومحاولة دمجهم ورأب الصدع الذي احدثه نظام الأسد في بنية وتركيبة المجتمع السوري على مدى خمس سنين، بل ركزت على شرذمة المجتمع من خلال فرز وتجزأة الحقوق التمثيلية لمكونات هذا المجتمع إثنيا وطائفيا وجغرافيا، الوثيقة تطرقت حتى لتمثيل الوجوه الوطنية المستقلة من الأفراد، وذلك من خلال ذكرها لتمثيل شخصيات وطنية، وهو ما سيعني بالضرورة أننا مقبلون على مرحلة "لبننة سوريا" الحل على الطريقة اللبنانية.

لم تكد الجولة الثانية من جنيف-3 تنتهي حتى أصدر دي ميستورا وثيقة المبادئ الاثني عشرة التي يعتبرها أساس الجولة القادمة من المفاوضات حيث جاءت هذه الوثيقة ترجمة حقيقية لوثيقة الأسئلة الموجهة لوفدي الأسد والمعارضة والتي فرغت القضية السورية من أهم أهدافها وحصرتها في إجراءات أقل ما يقال عنها أنها تضمن عدم محاسبة المجرم على جرائمه بل وتكرس بقائه كشريك فاعل في الحكم.

من المتوقع أن يحصل دي ميستورا على إجابات الوفدين عليها خلال الجولة الثالثة المقررة في الثالث عشر من هذا الشهر ابريل \\ نيسان، مالم يحدث شيئ يؤدي لتأجيل أو الغاء جولة المفاوضات هذه، أما على الأرض فإن الوضع يبدو مأساويا حيث يتسابق الجميع لدخول المفاوضات وفي جعبتهم ما يعزز موقفهم التفاوضي، وهو ما أدى لخلط الأوراق على كافة الجبهات وأدخلها في تعقيدات جديدة الخاسر الأكبر منها هو الشعب السوري, خاصة في ظل انخراط فصائل المعارضة المسلحة في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية ومحاولة إثبات حسن النوايا تجاه رعاة التسوية السياسية.   

    

في مقال سابق حمل عنوان "خطة الحل السياسي المطروحة على الطاولة" ونشر على موقع أورينت نت، بتاريخ 26 سبتمبر \\ أيلول من العام 2015 تحدثت فيه عن بنود ومآلات التسوية السياسية الدولية المطروحة على الطاولة، ثم ذكرت فيما ذكرت وهنا أقتبس من المقالة المذكورة أنه "حتى وإن سلمنا بمسألة الحل السياسي للأزمة السورية من حيث المبدأ فإن الشيطان يكمن في التفاصيل والتأويلات التي ستصاحب المفاوضات, فالتجارب السابقة في جنيف 1 و 2 ولقاءات موسكو وكل ما عقد من اجتماعات ومبادرات لا تسر، لأنها لم تكن سوى وسيلة تسويف ومماطلة كرست بقاء الأسد وشرعنت له وأعطته المزيد من الوقت كي يقتل ويدمر.

إن أي مفاوضات ستعمل وبكل خبث على إدخال المتفاوضين باسم الثورة في متاهات التعريفات المختلفة للأشياء وبطريقة سيصعب الفكاك منها حتى وإن انتهت المفاوضات بالفشل، لكنها ستؤدي بالمحصلة إلى مزيد من التسويف والمماطلة وكسب الوقت لصالح النظام المجرم كي يستمر في إجرامه، أما في حال نجاحها فستؤدي إلى بقاء وتجذر نظام الأسد إضافة لاستمرار الاحتلالين الروسي والإيراني بحجة حماية ما تم الاتفاق عليه وستتحول الميليشيات الطائفية على اختلاف أنواعها إلى جيش وطني بعد كل ما ارتكبته من آثام بحق سورية والسوريين من قتل والإجرام وانتهاك للحرمات والمحرمات"

لعل أخطر ما في هذه التسوية هو تحول فصائل المعارضة على اختلاف توجهاتها إلى مجرد قوة مسلحة تقاتل الى جانب نظام الأسد وإيران، تنفيذاً لأجندات خارجية في حروب ومعارك ليست معاركنا وسيدفع فيها شبابنا فاتورة الدم عن الآخرين.  

إختبار تحديد المستوى الذي قدمه دي ميستورا لطرفي الحوار، هو المتاهة الجديدة التي دخلنا فيها، وما مماطلة نظام الأسد في الإجابة على الأسئلة المطروحة سوى إحدى حلقاتها، وإجابة المعارضة على الأسئلة لا تعني بالضرورة أنها متفوقة على نظام الأسد، بل ربما تعني أنها قد ابتلعت الطعم ليس إلا، فنحن ومع كل هذا الحراك السياسي المستمر لم نلحظ لو مؤشرا واحدا على بوادر حل تقضي بتنحي الأسد أو نقل للسلطة ومحاكمة المجرمين والقتلة، حتى المطالب الإنسانية التي حددتها المعارضة شروطا لمشاركتها في حوار جنيف ضرب بها عرض الحائط وبقيت حبرا على ورق.

  

دي ميستورا يبدو اليوم معجباً بأداء وفد المعارضة السورية التي انخفض سقف مطالبها كثيرا، مقابل تعنت وفد النظام الذي تستعد قواته لتوسيع معركة حلب في محاولة لاحتلالها خاصة بعد دخول موجات جديدة من حرس إيران الصفوي الى سورية، إنه الاستدراج الدولي للمعارضة الذي جعل مهمة الوفد التفاوضي وبعد خمس سنين تنحصر بمهمة شرح القضية السورية وكسب الإعلام والرأي العام العالمي كما صرح أحد كبار أعضاء وفد هيئة المفاوضات. 

إن ما يحدث اليوم للشعب السوري هو مساومة رخيصة من المجتمع الدولي لشعب عانى الأمرين، في حين أنه كان حريا بهذا المجتمع أن يضع حدا لمأساة ومعاناة هذا الشعب بدل التسويف والابتزاز، "فإما الأسد، واما التقسيم، وإما لبننة سوريه"، خيارات أحلاها مر ولا تقدم حلا، حتى مفاوضات جنيف فإنها وعلى ما يبدو قد أصبحت في مهب الريح خاصة في ظل التحركات الروسية والدولية، وما يجري تسريبه من معلومات عن اقتراح روسي يقضي بتخطي مسألتي المرحلة الانتقالية وهيئة الحكم الانتقالية، والاستعاضة عنهما بالذهاب مباشرة إلى حكومة عسكرية تضم ممثلين عن النظام والمعارضة، قد يتولى رئاستها "جنرال علوي".

التعليقات (3)

    أبو رامي

    ·منذ 8 سنوات 3 أسابيع
    أحسنت التشبيه فهم فعلا طلاب ونجحوا في الإمتحان وحصلوا على شهادة VOS

    أحمد بلال

    ·منذ 8 سنوات 3 أسابيع
    دي ميستورا ثعلب وهو خير من ينفذ المهمة المطلوبة من المبعوث الدولي ومعارضتنا طلاب ينفذون ما يطلب منهم الأستاذ بكل أدب واحترام

    حسني ملص

    ·منذ 8 سنوات 3 أسابيع
    الخ العزيز خليل المقداد ديمتري واضح في تنفيذ مخطط مرسوم أمريكي أوروبي روسي ومن دكاءه عندما يسألونه اسئله محرجه يقول انا ااسف انا منزعج لا أدري لماذا النظام لم يدخل المساعدات للمناطق المحاصرة انا متضايق جدا اتمنى من النظام أن ان أن. بالآخر ستختفي صوته كما بأن كيمون معلمه الأكبر. حتى استنكار ماعد في
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات