فدرالية ولكن؟

فدرالية ولكن؟
هل تُعتبر الفدرالية المطروحة من قبل حزب الإتحاد الديمقراطي فدرالية كوردية، أم فدرالية مكونات مختلفة، بقيت تتصارع طيلة عقود من الزمن بفعل اللهاث الذي زرعته الأنظمة المتعاقبة، للظفر برضاها ونيل بعض المكاسب على حساب العيش المشترك. 

تم الإعلان عن مشروع تطوير وتفعيل الإدارة الذاتية تحت مسمى الاتحاد الفدرالي الديمقراطي روج افا – شمال سوريا، وهو الطرح الذي لمّ شمل جميع الأطراف والجهات المتناحرة والمتصارعة في سوريا منذ بداية الحدث السوري، بل حتى منذ بدايات ربيع دمشق. 

قبل سنتين طرح حزب التحاد الديمقراطي مشروع الإدارة الذاتية لإدارة المناطق الشمالية من سوريا، وحينها أيضا لم يحظى مشروعهم بأي دعم أو قبول سواء كوردي أم عربي أو إقليمي أو من المعارضة، ومع أنهم أنفسهم أدركوا أنه مشروع يفتقد لأي أسس قانونية لكنهم استمروا فيه، واليوم أعلنوا سبقهم لإعلان مشروع ميزته الأساسية  أتفاق جميع الأفرقاء المتنافسين المختلفين على نقطة المعادة والاعتراض على المشروع .

مشكلة هذه الفدرالية أنها تعاني من جميع المشاكل التي يمكن لها من زعزعة وضعضعة أي مشروع، فهي قبل كل شيء لابد أن توضح علاقتها مع أي مركز ستكون، النظام السوري الحالي, أم مع المعارضة التي بدأت بشن سلسلة من الحلقات المعادية للمشروع ومن يقف خلفه. فتركيا لوحدها تكفي أن تُزيل المشروع فقط لو استطاعت أن تخرج من عنق الزجاجة بخصوص مشاكلها الداخلية من جهة، ومن جهة أخرى لو شعرت ببصيص ضوء أخضر للنيل من المشروع واستباحة كوردستان سوريا، عدا عن الشعور السائد في تركيا أن طرح المشروع ربما يكون كرد فعل على عمليات التصفية  وقصف الأبرياء في المدن الكوردية من قِبَلّ تركيا، على كل حال ربما تكون تركيا بين ناريّ القبول بالأمر الواقع وعدم تكرار سيناريو فدرالية كوردستان العراق والرضوخ لها بعد محاولات حثيثة لمحاربها, أو محاربتها وفتح جبهة خارجية مع فصيل تعدّه امتداد لمن تُحاربه داخلياً. من جهة أخرى فإن غياب أهم قواعد الفدرالية عن المشروع المطروح يضع المشروع برمته وكليته في خانة المشاريع المتكئة على قوالب من الجليد، فهي حتى الآن لم تناقش ولم تطرح مواضيع العلاقة مع المركز، توزيع الثروات، تقاسم السلطات، إدارة المناطق، المحكمة الاتحادية، التمثيل الخارجي والدبلوماسي والنيابي ...الخ من كل هذه الأمور التي يجب أن يتفق عليه الجميع قبل الإعلان عنه.

كوردياً، لا يعد المشروع المطروح, مشروع جديد، إنما يعود إلى تشرين الثاني 2012، بالاتفاق الموقع بين الكتلتين الرئيسيتين للكورد في سوريا خلال اجتماعهم في هولير على الوحدة بينهما من أجل إقامة اتحاد فدرالي في سوريا. اليوم تم طرح المشروع بشكل أحادي فردي من قبل طرف واحد فقط، مع تنصيب شخصية عربية لرئاسة المنطقة الجغرافية الغير معلن عنها بعد والتي ستدخل ضمن هذه الفدرالية. 

كوردستانياً، لم يصدر عن الإقليم الكوردي حتى الآن أي موقف بالرفض أو القبول، لكن موقف الرئيس البارزاني خلال مقابلته مع قناة سكاي نيوز, كان واضحاً جداً، لجهة تأسفه على الدماء التي هُدرت دون أن يكون لها ضمانة دستورية أو دولية لتتويج هذه التضحيات بحقوق قومية مثبتة دستوريا، وبلغت حالة القلق لدى رئيس الإقليم درجة الحيرة وعدم معرفته مصير الكورد في سوريا نتيجة التفرقة والخلافات وعدم وجود أي نص دستوري يضمن الحق الكوردي.

على الصعيد الداخلي فإن موقف المجلس الكوردي – وهو ائتلاف يضم أحزاب وتنسيقيات شبابية وشخصيات كردية مستقلة-والذي تأسس نهاية العام 2011 بعد انطلاقة الثورة السورية بأشهر. أوضح عبر البيان المنشور بتاريخ 19/3/2016 عن خيبة أمله لتفرد الاتحاد الديمقراطي بهذه الخطوة الغير ناضجة والغير مكتملة والغير شاملة لكامل الجغرافية الكوردية كما عبر عنه بيان المجلس الكوردي, وتأسف على عدم مشاركة كافة الأطراف المعنية في سوريا . بل أن البيان ذهب إلى تذكير الاتحاد الديمقراطي بالاتفاق الموقع بينهم في تشرين الثاني 2012 وبرعاية رئيس إقليم كوردستان مسعود البارزاني والذي نص  آن ذاك على ( سوريا دولة اتحادية تعددية ديمقراطية برلمانية متعددة القوميات؛ مما يستوجب إعادة بناء الدولة وفق النظام الاتحادي الفيدرالي بما يضمن حقوق جميع المكونات، واعتبار الكورد قومية ذات وحدة جغرافية سياسية متكاملة في مجال حل قضيتهم القومية والإقرار الدستوري بالحقوق القومية المشروعة للشعب الكوردي في سوريا وفق العهود والمواثيق الدولية.

لعله من المسلمات النادرة في السياسية الكوردية في سوريا, إجماع الشارع الكوردي المسيس منه أو المتابع بشغف للحدث الكوردي، على ضرورة تأسيس كيان كوردي باسم إقليم كوردستان سويا, ونظام فدرالي اتحادي لسوريا. حلم التخلص من طغيان المركز من الأحلام المركزية للكورد، بل هو رغبة الإنعتاق الذي ينظر إليه الكورد في سوريا كخطوة أولى للاستفادة من نتائج الانهيارات العظيمة التي ستصيب الخرائط الدولية في الشرق الأوسط. حُلمٌ إن لم يتحقق في هذه الفترة القصيرة المقبلة, سيطر الكورد اللجوء إلى أدبياتهم للنحت عليها بدمائهم, إلى جيلنا المقبل نعتذر لقد أضعنا أغلى وأثمن الفرص المتاحة للظفر بكيان مستقل. 

لعل المشروع المطروح من قبل الاتحاد الديمقراطي وشركائه الشكليين لن يكون بمنء عن القول السياسي والفعل الدبلوماسي إن لم يكن العسكري لدى بعضهم, فلبنان لن يكون بمنئ عن الحدث عن هذه الفدرالية خاصة مع تواجد حزب الله في سوريا وحروبه التي يخوضها في مناطق محددة, والأزمة التي يعانيها لشغل منصب رئاسة الجمهورية, فهل ستنتقل المشروع الفدرالي إلى الجنوب اللبناني, أما سورياً فربما كان الساحل السوري الأكثر شغفاً للظفر بحصة مماثلة على الرغم من تصريحات النظام السوري بالرفض والتهديد لمن ينشد هكذا مشاريع (تفتيتية) كما وصفها النظام, لكنه على الأغلب سيكون من المرحبين بهذه الطروحات لحماية الساحل السوري, لكن الوضع في العراق يعد أكثر تعقيداً خاصة في ظل الاستفتاء الذي يصر عليه البارزاني والحرب المذهبية الطائفية العاصفة بالعمق العراقي بين وسطه وجنوبه, فهل سيكون المشروع المطروح في المناطق الكوردية بداية النهاية للخرائط القديمة.

أما مصر فهي الأخرى لن تكون مكتوفة الأيدي جراء ما يحصل في المنطقة وخاصة مع إقدامها على تأسيس جبهة معارضة جديدة على الرغم من تبنيها للامركزية, لكن رفض مصر للمشروع الجديد يطرح تساؤلا مهماً حول مدى إمكانية التحرك المصري لإفشال  خطوة حزب الاتحاد الديمقراطي, والحفاظ على فرصة الخلاص الأخيرة لتشكيل جسم معارض جديد, وربما إشراك الاتحاد الديمقراطي في هذا الجسم.

التعليقات (1)

    مستقل

    ·منذ 8 سنوات 3 أسابيع
    التجارب التاريخية والواقع الحالي أثبتوا للكرد وللعالم أن جيران الكورد لا يعترفون بالوجود الكوردي إلا في حالة الإنصهار الطوعي أو القسري في شعوبهم (أي الجيران) والتنازل عن كل مايعني قضية كوردية وحقوق كردية، الأحلام بالإعتراف الدستوري للحقوق القومية والسياسية للكورد أمر شبه مستحيل لأن منطلقات الجيران شوفينية عدائية وتعتمد الهيمنة على الكورد بأعدادهم وعساكرهم، فحلول الأمر الواقع هي الأنسب لبعض مناطق كوردستان وبإستخدام كل وسائل فرض الوجود والحقوق، عدا ذلك أوهام وخيال!
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات