أثر ظاهرة الإرهاب على الفاعلية الأوروبية في الملف السوري

أثر ظاهرة الإرهاب على الفاعلية الأوروبية في الملف السوري
يسود اعتقاد أن أحد أبرز الأسباب الداعية للانسحاب الروسي من سوريا، إدراك بوتين بضرورة تحسين العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، الذي بدأت تظهر عليه ملامح موقف حازم من السياسات الروسية، تجاه أوكرانيا أو سوريا، فقبيل أيام من الانسحاب، كان الأوروبيون قد عقدوا اجتماعاً في باريس بحثوا فيه مدى صمود الهدنة التي دخلت حيز التنفيذ في سوريا منذ 27 شباط/ فبراير، وإذا كانت الأمور تتقدم كما يأمل القادة الأوروبيون، لتشجيع المعارضة على العودة إلى المفاوضات. 

وبعد أسبوع من الانسحاب العسكري الروسي، بدأت ملامح ترتيب البيت الداخلي الأوروبي تظهر من خلال التوصل لاتفاق مع تركيا؛ ينهي مشكلة اللاجئين التي يمثل السوريون سقفها، والتي أنهكت كاهل العواصم الأوروبية، فيما اعتبر مراقبون أن تفاقمها أغرق الاتحاد بمشاكل بينية، أبطأت من دوره الفاعل في الملف السوري أمام الدور الروسي والأمريكي. ولذا فإن ضبط أزمة اللاجئين قد تدفع الزعماء الأوروبيين للالتفات أكثر إلى مجرى المفاوضات السورية. 

بيد أن ازدياد منسوب القلق لدى المسؤولين الغربيين هذه الفترة من إقدام تنظيم داعش على تنفيذ المزيد من الاعتداءات على المنشآت الحيوية في أوروبا، نبّه إلى مشكلة جديدة يتعرض لها الأمن القومي الأوروبي غير تدفق اللاجئين إلى أراضيه؛ فالعمليات التي وقعت في بروكسل تدلل بأن تنظيم "داعش"، قادر على رفع مستوى عملياته ضد أوروبا؛ باعتبار أن مكان الاستهداف هو "موطن ومقر حلف شمال الأطلسي". إضافة إلى تردد أنباء عن مقتل حارس أمن منشأة نووية في العاصمة البلجيكية بروكسل وسرقة بطاقته والعثور على صورة مسؤول نووي بلجيكي رفيع المستوى في منزل أحد المشتبه بتورطهم في هجمات باريس. 

تجديد موقف الاتحاد الأوروبي من الملف السوري

على خلفية تفجيرات بروكسل الماضية، كان المتوقع حصول جمود في التحركات الأوروبية إزاء الملف السوري، إلّا أن تصريحات الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي فديريكا موغريني، تظهر خلاف ذلك، حيث شددت على أن "موقف الاتحاد الأوروبي من النظام السوري لم يتغير، وأن القضية الوحيدة التي ناقشناها مع الوفد السوري هي العملية السياسية والمحادثات، ودعم الاتحاد الاوروبي لها". كما وأكدت أن "دعم الاتحاد الأوروبي للمعارضة سيتواصل في المستقبل"، وأنهم ناقشوا ذلك مع وفد المعارضة، كما أن هناك دعماً سيقدم لهم بأشكال مختلفة. معتبرةً أن "التهديدات التي طالت أوروبا والعالم مرتبط بتوسع تنظيم داعش، وأن التصدي لهذه التهديدات، يتطلب القيام بأمور داخلية على مستوى الاتحاد الأوروبي، وأيضاً، تسريع حل الصراع السوري.

ويُنبّه عضو المجلس الاستشاري للشبكة الأوروبية لمناهضة العنصرية "طرفة بغجاتي"، خلال اتصال مع "أورينت نت" أن هجمات بروكسل أتت في وقت ضغط سياسي غير مسبوق على النظام ووفده في جنيف، كما أن هجمات باريس الأخيرة كانت أيضاً في ليلة ما قبل لقاء فيينا2، فيما يشير وكأن العمليات الانتحارية، التي نفذها تنظيم داعش، هي الرئة التي يتنفس منها النظام في أحلك الأوقات. وبعيداً عن التفسير وفق نظرية المؤامرة، يمكن القول بأن "هؤلاء الإرهابيون مثلهم مثل النظام السوري غير مهتمين بأي حل سياسي للشأن السوري بل العكس ترى فيهم الخوف الشديد والارتباك من قرب أي حل؛ لأنهم يعرفون أنه لن يكون هناك وجود لداعش وأخواتها في دولة سورية وطنية تحترم حقوق الإنسان وتضع كرامة جميع المواطنين السوريين دونما استثناء على سلم أولوياتها".

ويؤكد "بغجاتي" أن موقف المفوضة موغريني، يؤكد على اليقين الأوروبي بضرورة تقوية دوره، وعدم الوقوف، فهي تسعى لتوحيد جهود وخطى أكبر ثلاث دول أوربية فرنسا، ألمانيا، وبريطانيا وتحويل الاتحاد الأوروبي من شبه متفرج ومدير لأزمة اللاجئين وممول إلى لاعب أساسي في هذه المنظومة. مشدداً على أنه "ليس لأوروبا خياراً آخر من وضع كل ثقلها على طريق حل سوري يخلص سورية من الأسد وداعش على حد سواء، ليس فقط للعلاقات التاريخية والثقافية بين أوروبا وسورية بل كحماية لأوروبا نفسها المهددة مباشرة بالإرهاب من جهة أمنية وبزعزعة النظام التكاملي الأوروبي عبر أزمة اللاجئين من ناحية اجتماعية. ونحن اليوم بحاجة كسوريين إلى تعامل براغماتي مباشر مع الأوربيين الذين يمكن أن يكونوا أيضاً صلة الوصل لأمريكا وروسيا وإيران أيضاً".

من جانبه، يعتبر عضو الأمانة العامة لحزب الجمهورية السوري الدكتور "هيثم خوري"، أن فاعلية الاتحاد الأوروبي على التأثير بمسار الحل في القضية السورية لن يتغير رغم المخاطر الإرهابية التي انتشرت داخله مؤخراً، مقارنة مع الدورين الروسي والأمريكي، معتقداً أن أي تأثير للأوروبيين على القضية السورية يجب أن يمر عبر الشريك الأمريكي، الذي أخذ الدروس من ليبيا، بعدما ورطه الأوروبيون بحرب هناك ذهب ضحيتها السفير الأمريكي، ولهذا السبب تحاول الإدارة الأمريكية وضع الشريك الأوروبي بعيداً عن مركز التأثير في القضية السورية. ويمكن استشفاف ذلك من خلال الجهود المضنية لأوروبا في إقامة منطقة آمنة أو عازلة في سوريا، إلا أن الفيتو الأمريكي منع ذلك؛ لأنه لا يريد أن يتم إسقاط النظام عسكرياً. 

ومن هذا المنطلق، يتوقع الأكاديمي السوري خلال حديثه مع "أورينت نت"، بأن الحل الوحيد الذي يمكن أن يتحرك الأوربيون ضمنه هو "إزاحة رأس النظام (وحفنة من عائلته) عبر اتفاق سياسي، ومن ثم تشكيل هيئة حكم انتقالي (أو حكومة انتقالية) من بقايا النظام والمعارضة والتيار الثالث، ويليها كتابة دستور جديد وعقد انتخابات نيابية وربما رئاسية". لافتاً أن "أي ضغط عسكري على النظام لن يكون بهدف إسقاطه بل بهدف الضغط عليه للقبول بهذا الحل، كما لا أظن أن أي تغيير سيطرأ على الدور الأوروبي بعيداً عن هذا السياق". 

وفي استدراك من المعارض السوري، يؤكد أن "ظاهرة الإرهاب في أوروبا، ستجعل قضية إنهاء داعش أكثر إلحاحاً، ولكن لا لن يتم ذلك قبل الوصول إلى اتفاق فيما يخص القضية السورية، والبدء بالعملية الانتقالية، فلا أحد يرغب أو حتى يستطيع القضاء على داعش الآن؛ فذلك يحتاج لقوات عسكرية على الأرض ولتضافر كل الجهود الإقليمية والدولية، وطالما لم يتم الوصول إلى اتفاق في القضية السورية، فكلا العاملين غير متوفرين". معتقداً أن "مصير الأسد أصبح محتوماً، وأن الأوروبيين جميعاً أدركوا ذلك، وأن تصنيف الجماعات الإرهابية أصبح تقريباً مقرراً، وسيقتصر على الفصائل التي تضم عناصر أجنبية، وتحديداً داعش والنصرة من الطرف "السني"، والقرار النهائي في الموضوعين هو بيد واشنطن.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات