الرابح والخاسر في مفاوضات جنيف

الرابح والخاسر في مفاوضات جنيف
هذه الجولة من المفاوضات انتهت رسمياً في 24 من هذا الشهر. ومن المفترض أن يعود الفريقان يوم الثامن او التاسع من الشهر المقبل إلى جنيف لمواصلة المفاوضات. وكانت المعارضة بكافة فصائلها وبشقيها السياسية والعسكرية متفقة في المضي في المفاوضات حيث كان الوفد المفاوض يمثل جميع تيارات المعارضة الديمقراطية السورية.

وإذا سألنا ما ذا تحقق خلال هذه الجولة من المفاوضات يمكن القول بأن المعارضة ربحت في هذه المرحلة والنظام خسر. لأن هذه المفاوضات بدأت في ذروة عمليات القصف الروسية  العنيفة وتقدم، ولو محدود، للقوات الإيرانية على الأرض. إذن جاء النظام إلى المفاوضات في وقت كانت المعادلة على الأرض ضد المعارضة، لكن الذي حدث بفعل مسؤولية وحنكة الممثلين عن المعارضة والهيئة العليا للمفاوضات والفريق المفاوض أن موضوع المرحلة الانتقالية أصبحت القضية المحورية لهذه المفاوضات، وهذا لم يكن في حسبان النظامين الإيراني وبشار الأسد. ولذا لم يتكلم وفد النظام عن هذا الموضوع و لو مرة واحدة.

مبادرة روسيا بسحب قواتها من سوريا ولو بشكل جزئي كان لها أثر فاعل في تحريك عجلة المفاوضات لأنها تعني أن العمليات العسكرية رغم ضخمها وعنفها لم تحقق النجاح المتوخى لها، واستطاع الشعب السوري وأبناؤه في المعارضة المسلحة من الصمود والمقاومة في وجه أشرس هجمة   في عمليات القصف الروسية و كذلك أكثر من ستين ألف شخص جاء بهم النظام الإيراني للتقدم على الأرض تحت مظلة هذا القصف العنيف.

فمن سمة هذه الجولة من المفاوضات أن المعارضة السورية تعاملت بكامل المسؤولية واستطاعت من ترجيح كفة المعادلة لصالحها، حيث أن الممثل الخاص للأمم المتحدة و الوسيط الدولي استفان دميستورا الذي كان منحازا قبل ذلك لصالح النظام السوري والنظام الإيراني هذه المرة وبفعل الموقف المبدئي للمعارضة تغيّر موقفه وأصبح يميل أكثر إلى مواقف المعارضة.

أنه قدّم عددا من الأسئلة إلى الوفدين وطلب منهما تقديم ورقة  تشرح فيها رؤيتهما للمرحلة الانتقالية. ولما قدّم وفد المعارضة رؤيتها وورقتها في هذا المجال بكل دقة وشفافية وبالتفاصيل وصف دميستورا هذه الورقة بأنها دقيقة وعميقة وتتضمن تصورا واضحا للعملية السياسية ولتشكيل الهيئة التي ستتولى مهمة الانتقال. لكن في ما يتعلق بوفد النظام فأن دميستورا اتهمه بالمماطلة وكسب الوقت. ودعا دميستورا أكثر من مرة من وفد النظام التوقف عن الحديث حول القضايا الجانبية والدخول في صلب الموضوع بشأن عملية الانتقال.  الدعوة التي لم تلق ردا ايجابياً من وفد النظام.

لهذا السبب يمكن القول بأن النظام لأول مرة أصبح الطرف الضعيف الذي يلجؤ إلى المناورات بهدف كسب الوقت، ولما طلب وفد النظام أن تكون معاودة المفاوضات بعد 13 من إبريل الذي يريد النظام فيه إجراء الانتخابات لم يقبل به ممثل الأمم المتحدة.

وخلال هذه الأيام كانت الأنظار تتجه نحو موسكو وما سيخرج من لقاء جون كري بلاوروف وبوتين.  وبعد هذين اللقائين اللذين قيل أن كل واحد منهما دام لمدة أربع ساعات لم ينشر تقرير رسمي من قبل الطرفين. لكن ما تسرّب منهما لا يبشّر بالخير. حيث أن نائب وزير خارجية الروس قال أن أمريكا تتفهم الموقف الروسي القاضي بضرورة عدم التطرق لوضع بشار الأسد في هذه المرحلة. وذكر الطرفان أن الحديث كان حول وقف اطلاق النار وضرورة استمراره وتكريسه وإيصال المواد الإنسانية إلى المحاصرين في سوريا وما شابه ذلك.

وفي ما يتعلق بالنظام الإيراني فجميع المعلومات والتصريحات والحقائق تقول بأنه كان وراء كل ما جرى ويجري في طرف النظام السوري على الصعيدين السياسي والعسكري. هذا الواقع كان واضحا في سوريا منذ فترة لكن بشكل خاص بعد ما سحبت روسيا قواتها فأصبح النظام الإيراني هو الداعم الوحيد والأصيل لبشار الأسد، كما أن بشار نفسه أيضا صرّح بهذا الواقع. معنى ذلك أن بعد خروج معظم القوات الروسية فالنظام السوري يعتمد كاملة على النظام الإيراني. فلم يكن مستبعداً عند ما نسمع أن السفير الإيراني في جنيف كان يسكن في الفندق الذي يسكن فيه وفد  النظام السوري.

والمعلومات الواردة من داخل أروقة نظام ولاية الفقيه تفيد أن إيران الملالي كانت ضد الهدنة وضد وقف إطلاق النار وكذلك ضد مجريات المفاوضات في جنيف. وهنا تختلف حسابات النظام الإيراني من حسابات روسيا.

على الصعيد العسكري ووقف اطلاق النار لم تغيّر قوات النظام الإيراني أي شيء في الساحة حيث أن هذه القوات منتشرة في المواقع التي كانت فيها. علي سبيل المثال افراد الحرس موجودون في مدينة نبل ويتنقّل إلى مدينة ماير شمالي حلب ولا تغيير حدث في قوات الحرس في هذه المنطقة. كما ان قوات الحرس احتفظوا بمواقعهم في مدينة ماير وأحدثوا هناك مقرّاً للقيادة. وجاء في تقرير أن قوات الحرس مرغمون في الوقت الحالي على مراعاة وقف إطلاق النار، حيث أن الجيش الروسي هو الذي يقرّر في مجال وقف إطلاق النار وعلى الآخرين تنفيذ القرارات الروسية.

وجدير بالذكر أن المعلومات الموجودة تفيد بأن وتيرة نقل القوات من إيران ومن العراق عبر مدينة عبادان مستمرة.  وهذا معناه أن وقف اطلاق النار فرض على هذه القوات وإنها عمليا تنتهك وقف اطلاق النار باستمرار.

وبشأن آثار الانسحاب الروسي من سوريا هناك عدة تقارير  داخلية في النظام الإيراني تقدّم تقييمات مختلفة عن هذه المبادرة. لكن القاسم المشترك بين هذه التقارير هو أن روسيا قد أخذت مساراً مختلفاً عن مسار النظام الإيراني، وكما كان متوقعاً منذ البداية فإن إنطلاقة روسيا للدخول إلى الحرب السورية كانت مختلفة عن دوافع النظام الإيراني. جميع التقارير متفقة في أن الخاسر الأول لانسحاب روسيا، أياً كان أبعاد هذا الانسحاب، هو النظام الإيراني والحرس الإيراني. وكانت لهذه المبادرة أثراً سلبياً على معنويات قوات الحرس والنظام برمّته.

ويقول أحد قادة الحرس إن سبب دخول روسيا إلى الحرب في سوريا كان شعورها بأن مصالحها تعرّضت للخطر في شرقي البحر الأبيض المتوسط فتدخّلت حتى لا يتم شطبها من الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط. وفي البداية أيضا لم يكن تدخل روسيا في هذه الحرب من أجل إيران. وفي وقت استطاعت فيه من توفير مصالحها فلن تتبع الخطّ الإيراني.

ويقول خبير آخر للنظام في النظام بشأن انسحاب روسيا إن انسحاب روسيا كانت مفاجئة لإيران، وعند ما تدخلّت روسيا في سوريا كان واضحاً أنها تبحث عن مصالحها الخاصة بها ولم تأت للاحتفاظ ببشار الأسد كخط أحمر لكن بالنسبة لإيران فهذا خط أحمر لها.

هذا الخبير وفي معرض تقييمه لمفاوضات جنيف يقول: في مفاوضات جنيف هناك نقاط عمياء عديدة و لن تكون لصالح بشار الأسد وإيران. وبعد دخول أمريكا والأمم المتحدة والمواقف الأخيرة لروسيا فعلى إيران أن تتعامل في هذا المجال بحذر. موقف إيران ضد مفاوضات جنيف ولكن لاتستطيع أن تعارض المفاوضات علناً. على الصعيد السياسي تتحرك إيران على خط المناورة بأن تقول إن المفاوضات دائما جيدة(!) لأنها لا تستيطع أن تعارض، ولهذا السبب لم ندخل في المفاوضات بشكل نشط. من جهة أخرى لم نعلّق أي أمل بالمفاوضات. موقف إيران هو المعارضة وتقييمنا هو أن إيران سيكون الخاسر الأكبر في هذه المفاوضات.

لكن في ما يتعلق بالنظام الإيراني هناك سوآل جوهري امام هذا النظام: ما ذا يريد أن يفعل في سوريا؟ هل يريد المفاوضات والوصول إلى حل سياسي فليتفضل. لأن هذا المسار سيؤدي إلى رحيل بشار الأسد وإلحاق خسارة استراتيجية بالنظام الإيراني. لذا نرى أنه يعمل ضد تقدم المفاوضات وضد الهدنة.

والسؤال الثاني هوإذا عادت الحرب مرة أخرى ففي غياب روسيا ما ذا يريد أن يفعل النظام الإيراني؟ لأنه كان بالكاد أن يخسر المعركة في منتصف العام الماضي ولهذا السبب ألتجأ بروسيا. لكن بعد خروج روسيا من المعادلة العسكرية الفعالة هل تستطيع النظام الإيراني من تحقيق تقدم في ساحة المعارك؟

إذن يمكن أن نقول أن نظام ولاية الفقيه في الوقت الحالي أمام خيارين أحلامها مرّ، ويبدو أن رهانه الستراتيجي على سوريا آل الأسد منذ 37 عاماً على وشك النهاية.

* رئيس لجنة القضاء في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات