أفق ومستجدات الحل السياسي في سوريا

أفق ومستجدات الحل السياسي في سوريا
مع اختتام الجولة الثانية من مفاوضات جنيف الغير مباشرة بين المعارضة السورية ونظام الأسد، وإعلان دي ميستورا عما بات يعرف بوثيقة المبادئ المشتركة، والمؤلفة من إثني عشر بنداً، وما تلاها من حراك دولي فإن صورة الجولة القادمة من المفاوضات والتي من المتوقع أن تبدأ بتاريخ التاسع من شهر نيسان \\ أبريل المقبل، قد باتت شبه واضحة المعالم حيث سيجلس فيها الطرفان وجها لوجه ودون وسيط، ليبحثا ولأول مرة في مسائل تتعلق بعملية انتقال السلطة، أو بشكل أدق عملية تشارك السلطة.

لو تأملنا في تصريحات كافة الأطراف التي أعقبت المفاوضات لوجدنا أن جميعها تؤكد على ضرورة العمل الجاد على نقل السلطة وبدء مرحلة سياسية لا يكون الأسد جزءاً منها، فمن دي ميستورا إلى الولايات المتحدة الأمريكية إلى الإتحاد الأوروبي، حتى روسيا فانها بدت وعلى غير عادتها متقبلة لمسألة انتقال سياسي من نوع ما ينهي الأزمة السورية ويوحد الجهود في محاربة الإرهاب، ربما وحده نظام الأسد بدا مغردا خارج السرب ورفض حتى مجرد النقاش في الأمر معتبرا أن الخوض في هذه المسألة مساً غير مقبول بمقام الرئاسة السامي، ربما لعلمه بأن أي تسوية لابد وأن تطيح بالأسد.

الجميع يطالب بعملية انتقال للسلطة في سورية، فمن هو الذي يعيق هذه العملية؟ وهل نظام الأسد قادر حقا على تحدي الإرادة الدولية هذا إن وجدت؟ أم أن هذه الدعوات ليست سوى ذر للرماد في العيون وإبراء ذمة اللاعبين الكبار وتنصلهم من المسؤولية الإنسانية والأخلاقية عما يحدث في سورية؟

حقيقة مواقف الدول الكبرى ومنذ بداية الأزمة السورية تمثلت في أمرين، الأول: تنسيق مواقف وتبادل أدوار عمل على استنزاف الأطراف المتصارعة على الساحة السورية واضعافها من خلال السماح لها بالاقتتال، ومن ثم الاكتفاء بإدارة الأزمة عن بعد. أما الأمر الثاني: فقد تمثل في عدم السماح بسقوط الأسد وانهيار منظومة حكمه، وهذه حقيقة لم تعد تخفى على أحد، وبالتالي فقد كان الهدف من ذلك هو عدم تمكين الأغلبية السنية من الإمساك بزمام الحكم، وهو تماماً عكس ما فعله الاحتلال الأمريكي في العراق، حيث قام بحل مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والأمنية، وتسليمها لميليشيات إيران الشيعية التي وضعت يدها على كافة مفاصل الدولة، فأقصت المكون السني، لا بل وشنت عليه حملة تهجير ممنهجة.      

نبوءة الوزير كيري

أحداث كثيرة وفرت عددا من المعطيات للجولة الثانية المنصرمة من جنيف-3 لعل أهمها ما أفرزه التدخل الروسي الذي بشرنا به وزير الخارجية الأمريكي عندما قال قبل حوالي الشهرين على هامش مؤتمر المانحين في لندن "إن الأسوأ لم يحدث بعد وأنه سيتم اقتلاع المعارضة المسلحة خلال ثلاثة أشهر"، نبوءات كيري صدقت وآتت أكلها فقد كانت معلومات منسقة روسياً ورسالة للمعارضتين المسلحة والسياسية أكثر منها نبوءة، فقد نجح التدخل الروسي على مدى أكثر من خمسة أشهر ونصف، مع ما صاحبه من تحركات سياسية إقليمية ودولية في تطويع المعارضتين السياسية والعسكرية، خاصة بعد أن تم دحر فصائل المعارضة المسلحة شمالا على يد "وحدات حماية الشعب الكردية" المدعومة من "الحلف الروسي"، و"التحالف الدولي"، وجنوبا على يد جيش الأسد وأيضا بدعم جوي روسي ولكن بتخاذل فصائلي لا تخطئه العين.  

لعل أبرز ما صاحب مفاوضات جنيف من أحداث هو تفجيرات بروكسل التي دفعت مفوضة السياسة الخارجية في الإتحاد الأوروبي فريدريكا موغريني للسفر إلى جنيف في زيارة مفاجئة اجتمعت خلالها ببشار الجعفري، هذه الزيارة التي يمكن تفسيرها على أنها كسر لقطيعة الإتحاد الأوروبي الرسمية مع نظام الأسد، لكنها وفي نفس الوقت تندرج في إطار التحرك الأوروبي للعب دورٍ ما في الدفع باتجاه تسريع إيجاد تسوية للأزمة في سورية، خاصة بعد تفجيرات بروكسل، فأوروبا اليوم تجد نفسها ضحية سياسات دولية خاطئة انعكست على أمنها واستقرارها بل وباتت تهدد وحدة اتحادها، وهو ما أكد عليه كل من موغريني وميستورا خلال مؤتمرهما الصحفي المشترك، من ضرورة التوصل إلى تسوية للأزمة السورية والتفرغ لمواجهة التنظيمات الإرهابية.

زيارة جون كيري إلى موسكو

لم تكد تنقضي الجولة الثانية من مفاوضات جنيف-3 حتى طار الوزير جون كيري "اليهودي الأمريكي إيراني الهوى والمراهن على الدور الروسي"  إلى موسكو حاملا معه حقائبه التي أغرت بوتين فسأل عما إذا كانت تحتوي على الكثير من المال، ليجيبه كيري بأنك ستفاجئ مما تحتوي عليه الحقائب، وهو ما حدث فعلا، إذ أن ربطاً بسيطاً بين هذا الحوار مع ما صدر من تصريحات عقب مباحثات كيري – بوتين سيظهر أن كيري قد استطاع فعلا مفاجأة بوتين الذي عبر عن ارتياحه من الموقف الأمريكي واصفاً إياه بالإيجابي حيث قال: "الآن يمكننا الحديث عن تسوية سياسية في سورية بعد أن تخلت الولايات المتحدة عن مطلبها القاضي برحيل الأسد".

هل هناك ما هو أكثر وضوحا من هذه التصريحات؟ هي حتى ليست تلميحات يمكن الخوض في تأويلها أو تحليلها، فأي حديث عن تنحي الأسد في هذه المرحلة على أقل تقدير هو حديث بات مرفوضا حتى أمريكيا، ولا أدل على ذلك من وثيقة دي ميستورا التي ساوت الجلاد بالضحية، والتي يمكن اعتبارها وثيقة استسلام وتصفية لثورة الشعب السوري الذي ضحى بالغالي والنفيس في سبيل الإنعتاق من نير نظام ظالم مجرم جثم على صدره لنصف عقد من الزمان.

وثيقة دي ميستورا

عندما توافق المعارضة على وثيقة دي ميستورا فعلينا أن نعرف أولاً ما الذي دار في غرف الإجتماعات المغلقة، وما الذي تم الاتفاق عليه بين دي ميستورا ووفدي المعارضة والأسد، وما هو سر ترحيب وفد المعارضة هذا؟ فترحيب وفد الأسد بالوثيقة أمر مفهوم، بل من حقه أن يرحب بها لأنه ما كان ليحصل على أفضل من هكذا وثيقة مبادئ، أما أن تخرج علينا المعارضة مرحبة فهذا مالا يمكن فهمه.

في الحديث عما ورد في وثيقة دي ميستورا التي لا تلبي حتى الحد الأدنى من مطالب الشعب السوري، فإن أول ما يلفت الانتباه هو أمران:

الأول: أنها قد فرغت القضية السورية من مضمونها، واختصرت نضال وتضحيات السوريين على مدى خمس سنين بعدد من الشروط التي ستكبل يد أي سلطة قادمة وتمنعها من القيام بأي تغيير سياسي حقيقي يستطيع تحقيق العدالة التي ينشدها السوريون وعلى رأسها الحديث صراحة عن موعد تنحي الأسد ومسألة تقديمه مع باقي القتلة والمجرمين إلى المحاكمة، أما المثير للسخرية فعلا فهو الحديث في هذه المرحلة عن التمثيل النسائي، وتشكيل دي ميستورا لمجلس شبيحاته الاستشاري، وكأن مشاكل سورية كلها قد حلت ولم يتبقى علينا إلا القلق حول مسألة تمثيل الشبيحات وزوجات مسؤولي النظام وأقطاب المعارضة وادعيائها، لكن ما لفت انتباهي فعلا هو غياب التمثيل النسائي لعاهرات قاعدة حميميم العسكرية.

الثاني: حرص الوثيقة على حماية منظومة الحكم الأسدي بكافة مستوياتها، من خلال التأكيد على المحافظة على مؤسسات الدولة وعلى رأسها مؤسسات الجيش والأمن، وكذلك مساواة الجلاد بالضحية من خلال القول بتكافؤ الفرص ورعاية وانصاف كل من تضرر من الحرب، وهو ما ستستغله منظومة الحكم الأسدي للحصول على امتيازات جديدة لحاضنتها الشعبية وشبيحتها التي لم تتضرر كما تضررت المناطق الثائرة التي قتل وهجر أهلها وسويت معظم أبنيتها بالأرض، أما الأخطر فهو بند عدم السماح بحدوث اعمال انتقامية، وهذا قد ينطبق على أي محاولات لاعتقال وتقديم مجرمي الحرب للعدالة، وبالتالي فإن غياب العدالة هو ما سيفتح الباب أمام الأعمال الانتقامية وليس العكس، فالعدالة هي السبيل لتحقيق مصالحة وبالتالي سلم أهلي.        

هل سيكون انتقال للسلطة في سورية؟

الجواب هو نعم سيكون انتقال للسلطة، ولكن ما هو شكل ونوع هذا الانتقال، فالسر الحقيقي يكمن في تفسير معنى الانتقال السياسي وطريقة فهم الأطراف الراعية له وخاصة كل من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، اللتان وعلى ما يبدوا أن موقفيهما بات شبه موحد، وبالتالي فإن القرار قد حسم ولم يتبقى إلا مسألة إخراجه بطريقة دبلوماسية لائقة بعد توزيع الأدوار على الصغار في الجولة الثالثة من مسلسل جنيف-3.

"من المتوقع أن يكون التغيير السياسي أو نقل السلطة حسب الفهم الأمريكي – الروسي هو الانتقال من الحكم الشمولي لنظام الأسد إلى الحكم التشاركي الصوري الأقل شمولية، وذلك من خلال المحافظة على نفس منظومة الحكم بل وتحصينها بأطياف مما يسمى المعارضة المعتدلة وذلك منعاً لانهيارها، أما الحديث عن تغيير جذري لمنظومة الحكم الحالي فقد بات ضربا من الخيال".

مسألة بقاء الأسد من عدمها باتت محسومة، فهو سيبقى بقدر المدة التي يقتضيها بقاؤه فقط، ففي حال نجحت الجولة المقبلة من جنيف-3 في الاتفاق على تشكيل هيئة حكم مشتركة فمن المرجح أن يتم الاستغناء عنه خلال فترة من ستة أشهر إلى سنة، وهذا الأمر مرتبط أيضا بمدى تجانس هيئة الحكم ونجاحها في فرض نفسها كسلطة انتقالية.

   

إن مجمل التطورات بدءاً من نتائج اجتماعات كيري – بوتين، ووثيقة دي ميستورا، وصولا إلى ما حققه نظام الأسد مؤخراً من تقدم في تدمر وبدعم جوي "علني" من التحالف الدولي، وروسي بري – جوي، مرورا بسلسلة هزائم المعارضة المسلحة شمال سورية وجنوبها، وانتقالها من قتال الأسد إلى قتال تنظيم الدولة الإسلامية، وتوقف فصائل الشمال عن محاولة استعادة ما خسرته على يد وحدات حماية الشعب الكردية، كل هذه التطورات والأحداث تشي بأن هناك العديد من الصفقات التي تم إبرامها، وهو ما لا يبشر بخير فلا هيئة التفاوض في وضع يسمح لها بتلبية شروط الثورة خاصة بعد أن غاصت في مستنقع التنازلات، ولا الفصائل المسلحة في وضع يمكنها تقديم الدعم لهيئة المفاوضات.

قبل الجولة الثانية من المفاوضات الغير مباشرة صرحت هيئة المفاوضات أنها لن تذهب إلى جنيف-3 إلا بعد تلبية مطالبها المتمثلة بالإفراج عن المعتقلين ورفع الحصار عن المناطق المحاصرة والسماح بإدخال المساعدات الإغاثية، لكنها ومع ذلك ذهبت بعد أن تم إدخال شيء من المواد الإغاثية إلى بعض المناطق.

اليوم ومع اقتراب موعد الجولة الثالثة من المفاوضات المباشرة، فإن المعارضة تعيد طرح نفس شروط الجولة الماضية وتقول إن مشاركتها من عدمها مرتبطة بمدى التزام نظام الأسد بتلبية مطالبها المتمثلة بالإفراج عن المعتقلين ورفع الحصار عن المناطق المحاصرة والسماح بإدخال المساعدات الإغاثية، لكنها وبكل تأكيد ستشارك لأنها لا تملك إلا أن تشارك، فقد صدق فيهم قول المتنبي إذ يقول:

مَنْ يَهُنْ يَسْهُلِ الهَوَانُ عَلَيهِ   ما لجُرْحٍ بمَيّتٍ إيلامُ

التعليقات (4)

    مهند أبو فلاح

    ·منذ 8 سنوات شهر
    الشعب العربي السوري الحر الأبي الذي ثار من أجل حريته يجد نفسه اليوم أكثر من آب وقت مضى بحاجة إلى إعادة الروح إلى الحراك الشعبي المدني السلمي ضمن إطار وطني جامع لكل مكوناته الطائفية بعيدا عن اي أجندة خارجية مشبوهة و هذا الأمر أن تم كفيل بسحب البساط من تحت أقدام عصابة الاسد و رعاتها الصهاينة الذين سعوا جاهدين عل مدار سنين لتدمير كل ما في سورية خدمة لاجندة حكام تل أبيب القاضية بمنع تحول هذا القطر العربي الأصيل إلى قاعدة انطلاق لتحرير فلسطين مستقبلا

    عبد

    ·منذ 8 سنوات شهر
    المهم في الامر ليس بحكم من يحكم بل كما قال قذافي الدور جايي عالكل..فالدور الآتي... على من ..حتما على لبنان ...ومزيد من الاضعاف ل ايران وبالتالي انفجار الداخل الايراني......اما سورية...يلزمها احقاب...واصبحت هزيلة

    نادر

    ·منذ 8 سنوات شهر
    اي حل سياسي سيقوم علي انقاض المدن التي دمرت بلطاءرات والصواريخودم الاطفال العالم سيعطي بهزا الحل مكافاءه للارهابيين والسارقين والقتله هل جنون الاسد وحقده كشف غباء الامم وقاده العالم والسياسيين

    صدقت

    ·منذ 8 سنوات شهر
    فقد صدق فيهم قول المتنبي إذ يقول: مَنْ يَهُنْ يَسْهُلِ الهَوَانُ عَلَيهِ ما لجُرْحٍ بمَيّتٍ إيلامُ
4

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات