الفيدرالية المعلنة.. هل تنقذ الأسد؟!

الفيدرالية المعلنة.. هل تنقذ الأسد؟!
منذ الأيام الأولى للثورة السورية، بدأت تظهر في أحادينا مفاهيم تطرح بحذر شديد وربما نخاف من الكلام فيها، ليس خوفاً من الاعتقال أو القتل وإنما الخوف على سوريا من المشاريع الإقليمية والدولية، وربما الداخلية. هكذا كنا دائماً حذرين في طرح الأفكار، متشبثين بمفهوم الوحدة الوطنية التي كانت شمّاعة المحاصصات الطائفية والدينية التي أسّس لها "حافظ الأسد" خلال ثلاثين عاماً من الحكم، وقبلها بأربع سنوات، عندما انقضّت الطائفية  البعثية على حكم سوريا، ثمّ توريث البلد بأمراضه للوريث العاجز عن إصلاح أي فكرة. 

في شتاء عام 2013 ألقى محاضر عربي  - وهو شخصية معارضة معروفة جداَ - محاضرة في أحد بيوتات الثقافة في تركيا، أسهب فيها الشرح عن تجربته في المعارضة، وهو مسلّح بمفاهيم الفيدرالية واللامركزية، ما شجعّ بعض الأصدقاء الأكراد أصحاب المكان  إلى الذهاب في المحاضرة باتجاه الفيدرالية والاستقلال، وقد أورد المحاضر جملة من الأمثلة العالمية عن فيدراليات ناجحة ومهمة مثل فيدرالية سويسرا وفيدرالية بليجكا والولايات المتحدة، والبرازيل والأرجنتين، مسترسلاً في القول أن سويسرا التي تحوي على عدة كانتونات ومقاطعات، لا تتجاوز مساحتها مساحة محافظة حمص، وبالتالي فإنّ نموذج الفدرلة وارد جداً، وأنّه يشجعه بقوة، خاصة وأنّ القضية الكردية بحاجة إلى حلول، وطبعاً دون ذكر تلك الحلول إلا بفكرة "الفيدرالية ".

في واقع الأمر استغربت جداً مفهوم المعارض المشهور للفيدرالية الذي تحدث عنه، خاصة وأني بدأت أشكّك بأفكاري حول هذا المصطلح الذي أعرف بدون شك أنه يعني "تجميع المتفرق" وليس "تفريق المنطقة الموحّدة"، ربما مفهوم اللامركزية سيكون أنجع في تلك الحالات، وأعتقد أن معظم السوريين يعرفون أن أوربا ذهبت باتجاه الفيدراليات بسبب انتشار المقاطعات الصغيرة التي عاشت على مدى مئات السنين في خلافات دائمة، وحروب طاحنة. ولعلّ معاهدة "وستفاليا" الشهيرة عام 1648 التي وضعت حداً لحرب الثلاثين عاماً، هي من أوجد هذا التمزيق في الدول الكبرى التي تتنازع فيها الدّوقيات للاستقلال بأموال تلك المنطقة، هو ما دعا للوحدة ضمن فيدرالية، بعد أكثر من ثلاثمائة عام لتؤسس دولاً جديدة بنظام حكم يضمن السلطة للجميع، وفي المقابل أيضاً اشتعلت الحروب ومزقت أوربا، التي هي المثال الدائم لمن يريد ان يتكلم عن "الفيدرالية "، و كان آخرها حرب البلقان التي مزّقت يوغسلافيا إلى عدة دول بعد حرب طاحنة قتل فيها مئات الآلاف من الأوربيين، وقبلها تمزيق الاتحاد السوفياتي وكونفدرالية تشكوسلوفاكيا.

الفيدرالية التي أعلن عنها "حزب الاتحاد الديمقراطي"، الذي أسس قبل عامين إدارة ذاتية في مناطق الجزيرة السورية، بالإضافة إلى المناطق ذات الغالبية الكردية، ضمن مفهوم "الكانتونات" من نموذج (القامشلي - عين العرب - عفرين). في هذا الإعلان، اعتبر صالح مسلم رئيس حزب الاتحاد الديموقراطي، الذي لا يحمل تسمية حزبه (الكردي) أن الإدارة الذاتية هي الشكل الأنجع لإدارة المناطق ذات الغالبية الكردية، بعد أن تخلّى عنها النظام، فكان لابدّ من حمايتها عبر قوات حزبه، وإعلان هذه الإدارة، كما أنّ "مسلم" يعتبر من الأكراد الذين لا يؤمنون بمفهوم الدولة الكردية أو كردستان سوريا، وهذا ما كان يؤخذ أساساً على الحزب من قبل الأكراد، والذي يصادر رأيهم بقوة السلاح بحسب أغلبيتهم، لأنه لا يريد وطناً كردياً مستقلاً عن النظام السوري. 

هنا لابدّ من السؤال لإيضاح الفكرة: هل اعتبر صالح مسلم أن الفيدرالية التي أًعلن عنها تشمل الكانتونات الثلاث؟

 هذا يعني أنّه يعتبر هذه الكانتونات مستقلّة على الرّغم من وجود الأفرع الأمنية للنظام السوري في الحسكة وعفرين، وهي من يدير الوضع الأمني فيها وترفع صور بشار الأسد حتى في احتفالات الإدارة الذاتية،  ومؤتمرات حزب البعث التي تعقد في الحسكة، هذا الحزب (الشوفيني) الذي جرّد آلاف الأكراد السوريين من الجنسية، وأوجد الحزام العربي لإنهاء الغالبية الكردية ،بحسب تصريحات كل المواطنين والمسؤولين الأكراد! 

أما الاحتمال الثاني لمفهوم الفدرالية هو اعتراف "صالح مسلم" بشرعية حكومة دمشق التي يقودها بشار الأسد، وهو يريد أن يقيم فيدرالية ولامركزية مع حكومة دمشق، التي تعني له الحكومة الشرعية، خاصة ًوأن "بشار الأسد" نفسه قال أن "قوات حماية الشعب الكردية" تقاتل إلى جانب قواته، وظهر هذا فعلياً في معارك ريف حلب الشمالي التي سيطر جيش سوريا الديمقراطية، الذي تشكّل "قوات حماية الشعب الكردية" عمودها الفقري. 

إنّ الإعلان عن الفيدرالية التي رفضها شريك "مسلم" في مجلس سوريا الديمقراطية (هيثم مناع)، جاء بعد الانسحاب الروسي من سوريا، وبدء المفاوضات التي وصفها المبعوث الدولي "ستافان دي ميستورا" بأنها يجب أن تكون جدّية، ويجب أن تفضي إلى انتقال سياسي، فكان لابدّ من إيجاد معضلة سورية جديدة، كتلك التي أعلن فيها عن الإدارة الذاتية قبيل جنيف2، فكان الإعلان عن الفيدرالية وتشجيع الخلاف العربي - الكردي ضمن الشعب السوري، وربمّا الدّخول في مواجهات عسكرية، وبالتالي تتحول الثورة السورية إلى حرب أهلية واقتتال داخلي عربي – كردي،  ليس لـ"بشار الأسد" فيه يد من براميل أو قصف طائرات، وبالتالي هو شخص يريد السلام كما قال الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين"، ا يعني أنّ التفاوض على رحيله لا معنى له، طالما أنّ الحرب أهلية، وهو رئيس شرعي عبر انتخابات، وبالتالي جاءت هذه الفيدرالية طوق نجاة جديد لنظام الأسد في وجه المفاوضات، التي قد تنهي حكمه.

الحقيقة، إن الخلاف حول الفيدرالية قد طغى على أي حديث عن رحيل الأسد، وباتت الكواليس الدولية تناقش نظام الحكم في مستقبل سوريا، دون الحديث عن رحيل النظام، وربما تفضي خارطة الطريق إلى أن رحيل الأسد يحب أن يكون عن طريق الانتخابات، بعد ثمانية عشر شهراً، خاصة وأن الخلاف الأساسي هو على نظام الحكم ولا خلاف على النظام الحاكم!

التعليقات (1)

    ابو جانو

    ·منذ 8 سنوات شهر
    هل يعقل الاخذ ب القشور وترك اللب يعني تفسير الفيدرالية على اساس انه مفروض يكون مقسما اولا ثم يتحد ما هذا الهراء ومنذو متى كان البلد واحدا سايكس بيكو رسمها دون استشارة احد ثم المهم المضمون وليس الشكل والمفروض ان نرى ماهي الايجابيات والسلبيات ولن ترى في النتيجة اي سلبية والخوف من الانفصال حجة مقصودة للبلبلة ونقولها بصراحة لا يوجد لا رغبة ولا مقومات لل انفصال ولذا استغرب لماذا الاصرار على جلد الذات ومطالبة الدكتاتورية المركزية
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات