بنان الطنطاوي في ذكرى استشهادها: فصل من تاريخ جرائم حافظ الأسد!

بنان الطنطاوي في ذكرى استشهادها: فصل من تاريخ جرائم حافظ الأسد!
رغم القمع والبطش الذي مارسه في الداخل، دأب نظام حافظ الأسد على ملاحقة معارضيه في الخارج... وكانت سياسة الاغتيالات، واحدة من الأدوات التي استخدمتها مخابراته، ضد العديد من الشخصيات والأسماء الهامة سوريا وعربياً... كما حدث مع صلاح الدين البيطار في باريس عام 1980 ومع كمال جنبلاط والصحفي سليم اللوزي في لبنان.. ومع آخرين كثر بعضهم كانوا رفاق درب، ومؤسسين في الحزب الذي حكم الأسد باسمه. 

وفي مثل هذا اليوم (السابع عشر من آذار / مارس) تمر الذكرى الخامسة والثلاثين، لاغتيال السيدة بنان الطنطاوي، زوجة الأستاذ عصام العطار المراقب العام الأسبق للأخوان المسلمين.. في ألمانيا. 

ففي مدينة (آخن) الألمانية، قام مسلح صبيحة يوم الخميس السابع عشر من آذار عام 1981 باقتحام شقة الأستاذ عصام العطار، لتنفيذ مخطط وضعته المخابرات السورية لاغتياله، ولما لم يكن موجودا في البيت.. قام باستهداف زوجته بخمس رصاصات، فارق على إثرها الحياة.. وقد أثار الحادث حينها، صدمة قوية في أوساط السوريين والعرب المقيمين في ألمانيا... وفي الأوساط الإسلامية عامة.. فروى الشيخ عبد الحميد الكشك في مصر، في إحدى تسجيلاته الصوتية النارية التي كانت تلهب الشارع الإسلامي العربي في سبعينيات وثمانينات القرن العشرين.. فيما غص مسجد بلال بن رباح والمركز الإسلامي في مدينة (آخن) بآلاف المشيعين الذين توافدوا من أوروبا وبعض البلاد العربية، للصلاة على الفقيدة عقب صلاة الجمعة.. وعندما وقف الأستاذ عصام العطار ليخاطب الجموع المعزية قائلا: " هذه هي أختكم ورفيقة جهادكم ونضالكم بنان الطنطاوي أم أيمن" سرعان ما تهدج صوته، وغلبه البكاء.. وعلت التكبيرات بين الجموع.. فرد العطار: " الله عندنا أكبر من القتلة والظالمين.. وأكبر عندنا من الحكم الديكتاتوري الطائفي في سورية".

 

رفيقة درب ومنفى!

 

ولدت بنان علي الطنطاوي في دمشق عام 1941 ، والدها هو  الفقيه والعلامة والقاضي والأديب الدمشقي الشهير علي الطنطاوي، أحد أبزر الوجوه الاجتماعية والسياسية والأدبية في دمشق منذ ثلاثينيات القرن العشرين. 

لم يُرْزق الشيخ الطنطاوي بولد ذَكَر، وإنما بخمس بنات... كانت (بَنَان) هي الابنة الثانية في التريتب العائلي، لكنها كانت  أحبهنَّ إلى قلبه كما يقول من عرفوه.  درست علوم الشريعة، وتزوجت بالأستاذ عصام العطار في ستينيات القرن العشرين، وقد عاشت معه، محنة منعه من العودة إلى وطنه سورية بعد انقلاب حزب البعث الأسود، حين ذهب في رحلة حج إلى الديار المقدسة عام 1964، ثم منع من العودة إلى دمشق... كما رافقته وهو يغادر لبنان، إلى بروكسل.. حيث أصيب بالشلل، ومنها إلى ألمانيا..  حيث قدّر لها أن يكون استشهادها عنوانا لفداء زوجها.

الشيخ طنطاوي يروي قصة استشهادها!

ويذكر مشاهدو التلفزيون السعودي في ثمانينات القرن العشرين، أن الشيخ علي الطنطاوي، بكى وهو يرثي ابنته الشهيدة، بعد فترة من رحيلها... في برنامجه الشهير (نور وهداية) الذي واظب على تقديمه نحو عقدين من الزمان.. كما تحدث عنها في الجزء السادس من سلسلة مذكراته التي حملت اسمه فقال يروي مشاعره بعد أربع سنوات من الرحيل، ويذكر تفاصيل تلقيه نبأ استشهادها:   

"لقد كلمتها قبل الحادث بساعة واحد ، قلت :أين عصام ؟ - يقصد عصام العطار زوجها – قالت : خبَّروه بأن المجرمين يريدون اغتياله وأبعدوه عن البيت ، قلت وكيف تبقين وحدكِ ؟قالت : بابا لا تشغل بالك بي أنا بخير ، ثق والله يا بابا أنني بخير ، إن الباب لا يفتح إلا إن فتحته أنا ، ولا أفتح إلا إن عرفت من الطارق وسمعت صوته ، إن هنا تجهيزات كهربائية تضمن لي السلامة، والمسلِّم هو الله. ما خطر على بالها أن هذا الوحش ، هذا الشيطان سيهدد جارتها بمسدسه حتى تكلمها هي ، فتطمئن ، فتفتح لها الباب ومرّت الساعة ... فقرع جرس الهاتف ... وسمِعْتُ من يقول : كَلِّمْ وزارة الخارجية... قلت نعم. 

فكلمني رجل أحسست أنه يتلعثم ويتردد ، كأنه كُلِّف بما تعجز عن الإدلاء به بلغاء الرجال ، بأن يخبرني ... كيف يخبرني ؟؟؟ ثم قال : ما عندك أحد أكلمه ؟ وكان عندي أخي . فكلّمه ، وسمع ما يقول ورأيته قد ارتاع مما سمع، وحار ماذا يقول لي ، وأحسست أن المكالمة من ألمانيا ، فسألته : هل أصاب عصاماً شيء ؟؟ قال : لا ، ولكن .... قلت: ولكن ماذا ؟؟ قال : بنان ، قلت : مالها ؟؟ قال ، وبسط يديه بسط اليائس الذي لم يبق في يده شيء! 

وفهمت وأحسستُ كأن سكيناً قد غرس في قلبي ، ولكني تجلدتُ وقلت هادئاً هدوءاً ظاهرياً ، والنار تضطرم في صدري : حدِّثْني بالتفصيل بكل ما سمعت. فحدثني ... وثِقوا أني مهما أوتيت من طلاقة اللسان ، ومن نفاذ البيان ، لن أصف لكم ماذا فعل بي هذا الذي سمعت. كنت أحسبني جَلْداً صبوراً ، أَثْبُت للأحداث أو أواجه المصائب ، فرأيت أني لست في شيء من الجلادة ولا من الصبر ولا من الثبات......"

جرحٌ لا يلأمُ

أما الشيخ عصام العطار... فقد ظلت زوجته أم ولديه (أيمن وهادية) حاضرة في ذاكرته وذكرياته، وفي شعره الذي تلون بالأسى والصبر، كما اكتسى بثوب الوفاء النبيل.. وقد أصدر مجموعة قصائده عنها في ديوان أسماه (رحيل) إلا أنها ظلت حاضرة في جديد شعره وقديمه، فهي المخاطب ومفتاح الخطاب.. وهي الجرح الذي لم يلتئم كما يقول في آخر قصيدة نشرها الشيخ الجليل على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي: 

تمرّ بنا الأيام - أم أيمن -  بأحداثها الكبرى سِراعاً جواريا

فلا تلأم الأيامُ جرحكِ داميا.. ولا تلأمُ الأيامُ جرحـي داميا

يظلُّ ليومِ الحشرِ ينزفُ داعيا فيبعث نواما ويجلو مواضيا

التعليقات (1)

    احمد جيجل

    ·منذ 8 سنوات شهر
    عندما قرأت عن دكرى رحيل الأم والاخت الشهيدة بنان الطنطاوي وكأناني في اليوم الدي سمعت فيه الخبر ويمها كنت شاب الهم اجعلها مع امهات المومنين واجمعها وزوجها و ولدها واهلها ومحبحها وكدالك للشيخ عبد الحميد كشك
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات