بيد أن اللافت، هو تعهد بوتين شخصياً، في القيام بكل ما يلزم، لكي تتقيد سلطة بشار الأسد بالاتفاق، مُطالباً واشنطن بتولي الضغط على المعارضة، وهذا ما لا يحتاج الحريص إلى التوصية فيه. عدا أن تداخل تواجد عناصر"النصرة" مع الفصائل الأخرى في الجبهات، يجعل جميع هؤلاء هدفاً مشروعاً للطائرات الروسية والأمريكية بآن معاً. أو يتسبب بمواجهة دامية بين تلك الفصائل. وهذا ما يُسعد بوتين وأوباما معاً، الذي سيتولى عسكره للمفارقة، مهمة تحديد مناطق تحرك تلك الفصائل، في غياب أي مصداقية، يمكن التعويل عليها، لتحييد قصف الفصائل المعتدلة، أو مراعاة ظروف وضرورة اختلاطها مع النصرة.
معجزة بوتين .. والسباق مع الزمن!
عموماً يعتقد الرئيس الروسي، بأن الوقت مُناسب، لترجمة انجازات سياسة الأرض المحروقة، إلى اتفاق سياسي. حرص بيان الهدنة المُشترك، على استمرار غموض مرجعيته. وهل هو بيان جنيف1، أم بيان ميونخ المُستند إلى قرار مجلس الأمن 2245، المستوحى بدوره من مخرجات فيينا. والتي تنسف بالمحصلة جنيف1، و مبدأ هيئة الحكم الانتقالية بصلاحيات كاملة، لحساب حكومة "وحدة وطنية"، يقودها بشار الأسد إلى أجل غير مسمى، وهذا ما يستحيل تمريره على غالبية السوريين، حتى لو هضمته "هيئة التفاوض".
يُدرك بوتين، أن "أسده"، والميليشيات المذهبية الإيرانية. أعجز من الاحتفاظ بالأرض، والإمساك بها لفترة طويلة. كما ينسحب العجز على ميليشيا "مسلم – مناع" الإرهابية الانفصالية. لذا يسعى في التعجيل بانعقاد جنيف3، إلى محاولة تحقيق مُعجزة، بإعادة إنتاج النظام الأمني. من خلال دمج "باستثناء النصرة" مقاتلي المعارضة، "بعد ما تم تأديبهم"، مع بقايا جيش الأسد، تحت مظلة حكومة "وحدة وطنية"، بعيداً عن مبادئ جنيف1 . وهي الطريقة الوحيدة في حساباته، التي تفرض في حال نجاحها، ضرورة تغيير بشار الأسد، في مرحلة ما لاحقة، لا يستطيع حالياً تقدير الزمن اللازم للوصول إليها . ذلك أنه من المستحيل، الإبقاء عليه "رئيساً للأبد" مثلما يرغب بشار. إذا أراد بوتين فعلاً استعادة الاستقرار كاملاً.
ما تحتاجه موسكو هو الوقت. ولا يسير في صالحها. إذ إضافة إلى الضغط الأوروبي غير المسبوق بسبب موجات اللجوء. هناك صعوبة كبيرة، إن لم يكن استحالة، في مواصلة عملياتها العسكرية، مع ما تعنيه من نفقات مادية، لا يحتملها اقتصادها شبه المنهار طويلاً. مع تزايد مؤشرات تورطها في حرب استنزاف عسكري، لا تستطيع الانتصار فيها، خصوصاً، مع احتمال دخول مضادات طائرات. ألمح إليها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، قبل أيام.
الذيل يتمرد بمعية خامنئي!
بالمقابل، لن يوفر بشار الأسد، الذي أعلن سلفاً موافقته على الهدنة. أي وسيلة، لإجهاض السير بعملية سياسية، تُفضي عاجلاً أم آجلاً إلى تنحيته. أو تتيح لموسكو، تجهيز البديل منه. وهذا ما حرص الأب حافظ، على عدم وجوده في "المزرعة العائلية" المُسماة بالنظام. وهو ما يلعب عليه الوريث، وما يزال منذ خمس سنوات.
هذه الحقيقة، يدركها بوتين. ولعل ظهوره بالأمس، ليعلن شخصياً عن الاتفاق بوصفه "فرصة حقيقية لإنهاء سنوات من سفك الدماء" ، هو رسالة موجهة لبشار الأسد، وبكل الأحوال لم تكن الأولى، حيث سبقها رسائل روسية حملت خليطاً من التوبيخ والتهديد المُعلن والرسمي، جاء أكثرها صراحة على لسان السفير لدى مجلس الأمن فيتالي تشوركين، حين دعاه إلى (إتباع تعليمات موسكو للخروج من الأزمة بكرامته). ما يعني، إما الانصياع أو اقتلاعه من السلطة ببهدلة، ومحكمة الجنايات الدولية جاهزة، رغم طمأنته بأن الأمريكيين خففوا موقفهم من تنحيه . قبل أن يحاول نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، التأكيد على الرسالة ، بأخرى أقل حدة، وموجهة إلى جميع أطراف "الصراع"، بضرورة الاستماع، إلى نصائح موسكو، بشأن سبل وقف القتال في سورية.
ذاك التهديد والتوبيخ، أعقب تصريحات بشار الأسد، لوكالة فرانس برس. حول نيته مواصلة القتال، حتى استعادة سيطرته، على كامل المناطق. كما في حديثه لصحيفة "إلبايس" الإسبانية. والتي تعني انه متمسك بالسلطة ليس لعشر سنوات (يكتشف فيها الناس أنه هو من أنقذ البلاد، بمن فيهم أكثر من نصف مليون ضحية سورية). إنما للأبد، عندما ألمح إلى نيته "الترشح" للانتخابات بعدها.
تلويح الأسد الدائم بعدم وجود البديل الضامن، لمصالح روسيا، وأمن "إسرائيل". هو ما أضاق صدر موسكو. وعبر عنه رئيس مركز "كارنيغي" الروسي "أليكسي مالاشينكو"، بتصريحاته المنشورة أمس، في صحيفة "كوميرسانت" الروسية، المقربة من الحكومة، والتي وصف فيها تصريحات بشار الأسد الأخيرة " بمحاولة الذيل التحكم بالكلب"، من خلال الإيحاء لموسكو، بأنه الوحيد القادر على استمرار مصالح روسيا، طالما هو باق في السلطة. وهي ذاتها ما دفع السفير "تشوركين" قبله، للتلويح بخروج مُذل "للأسد"، في حال عصيانه الأوامر
الواقع، أن طهران، التي تعتبر بشارالأسد، استثمارها الذي لا بديل عنه. تتشارك معه، بعدم الثقة بنوايا الروس ، الذين من الممكن أن يعثروا، على بديلهم المنشود في النهاية. ولا شك أن "الأسد" يُفضل رعاية خامنئي الأبدية، على رعاية "بوتين" المؤقتة. ربما بسبب أوهامه، بأن الطائرات الروسية، أنهت مهمتها، بحرق مقاتلي المعارضة في الشمال. بالتالي يُمكن للميلشيا الإيرانية، مدعومة بمليشيا صالح مسلم الإرهابية، أن تحكم سيطرتها على المنطقة، ولعله لم يجد وسيلة، يستفز فيها بوتين لسحب رعايته وطائراته. أفضل من التمرد على أوامره. وهذا ما سيستمر بفعله حتى إشعار آخر.
التعليقات (4)