ما كان خارج النقاش، بشأن التدخل العربي، مدعوماً بالقوى الراغبة دولياً وإقليمياً. صار في صلبه. إذ وصفه وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني "بالضرورة الملحة"، على هامش مؤتمر ميونخ. فيما نقلت "فرانس برس"،عن مسؤول تركي، قوله "بأنه من المستحيل وقف المعارك في سورية، دون عملية برية. رغم تأكيد "التصريحين"، على ضرورة توفير مظلة "التحالف الدولي" بقيادة الولايات المتحدة. وهذا ما تعارضه إدارة أوباما، بمواربة أقرب إلى التصريح. كما كان لافتاً، تصاعد انتقادات وزير الخارجية البريطاني ديفيد هاموند في انتقاده الهجمات الروسية. فيما الأهم تأييد المستشارة الألمانية ميركل، لإقامة منطقة عازلة، تريدها تركيا بعمق عشرة كيلومترات، وتشمل إعزاز، بحسب تصريحات نائب رئيس الوزراء التركي يالجين أقدوغان أمس.
التفجير و فحوى الرسالة!
لا شك، بتراجع حظوظ التدخل العسكري البري، في المدى المنظور، أقله ظاهرياً. خصوصاً مع مطالبة مجلس الأمن "مُجتمعاً" تركيا، بوقف قصفها للأكراد الانفصاليين، والتي رفضها الرئيس أردوغان أمس. بيد أن الساحة السورية، لا تزال أرض المفاجآت، المتمردة على كل الحسابات. لذا يبقى الاحتمال وارداً، لدى مختلف الأطراف. أن تُقدم تركيا بالتحالف مع الرياض، على القيام بنقلة خارج المسار، الذي تحاول روسيا مدعومة "بغض نظر" أمريكي، فرضه على الأحداث. وهي مفاجأة، يتحسب لها دعموا بشار الأسد، الذي لم يستبعد بدوره، حدوث تدخل عسكري سعودي – تركي. في حديثه لوكالة "فرانس برس"، ولاحقاً في لقائه بوفد "المحاميين السوريين". بالتالي، لا يُمكن قراءة الرسالة المراد إيصالها لتركيا، من خلال تفجير أنقرة أمس، والذي ذهب ضحيته عشرات القتلى والجرحى. خارج سياق مواصلة محاولات اجتثاث فكرة التدخل العسكري المُباشر من خياراتها. بينما الواضح أن لجميع المتخوفين من تدخلها المُحتمل، مصلحة في تنفيذ التفجير الإرهابي. لاسيما بشار الأسد والعمال الكرستاني، بفرعية التركي، والسوري"جماعة صالح مسلم" بالدرجة الأولى، ثم "داعش"، الذي بات مكشوفاً، متى يتحرك ولصالح من . ولعل ما يؤكد غاية الرسالة. هي طبيعة الهدف الذي تم اختياره "قافلة عسكرية". ما يعني أن ليس المطلوب إرباك الحكومة التركية أمنياً في الساحة الداخلية. بقدر ما هو لجم تحركها عسكرياً خارج الحدود. لكن من غير المُستبعد، أن تعطي الرسالة، مفعولاً عكسياً. وهو ما ألمح إليه الرئيس أردوغان، في بيانه عقب التفجير. "تصميمنا على الرد بالمثل على الهجمات داخل وخارج حدودنا يزداد قوة مع هذه الاعمال. يجب ان يكون معلوماً بأن تركيا. لن تتردد في استخدام حقها، في الدفاع عن النفس. في أي وقت. وأي مكان. وأي مناسبة".
الثمن الباهظ!
عموماً، تدفع الرياض وأنقرة ثمناً باهظاً. لترددهما بإسقاط "الأسد". وثقتهما بوعود واشنطن، و خداع بوتين. حول التوافق الدولي على الحل السياسي وفقاً لجنيف1، بموازاة مواجهة تنظيم الدولة. حين استجابتا مع الدوحة. لضغوط أمريكية – روسية، بإيقاف هجوم مقاتلي المعارضة بالساحل والجنوب، تفادياً لحدوث مجازر طائفية. ومنع الزحف إلى دمشق، تخوفاً من سقوط مفاجئ للأسد. يفتح الطريق أمام "المُتطرفين" للاستيلاء على العاصمة. وكانت "اورينت نت" أول من كشف هذا التفاهم بتاريخ 10/5/20015، تحت عنوان ( صدق أو لا تصدق .. الأسد موقن من انهياره .. وهذا سر تأجيل الزحف إلى دمشق!) ،قبل أن يتم تداول "الضغوط" صحفياً. ثم اعتراف بشار الأسد فيها ضمناً، خلال اجتماعه بوفد المحاميين مؤخراً.
المواجهة مستمرة!
وقف التدخل البري "ضد داعش"، أو تأجيله. تحت ضغط الهستيريا "الروسية – الإيرانية"، والتواطؤ الأمريكي شبه المُعلن، لا يعني انتهاء المواجهة في سورية، أو حسمها لصالح "تحالف بوتين". حيث يعني ذلك استسلاماً سعودياً في المواجهة الإقليمية مع إيران. وهذا ما لن تفعله الرياض. و أكد عليه وزير خارجيتها عادل جبير قبل أيام، بقوله "لا داعي للوساطة مع طهران .. وهي تعرف ما عليها فعله"، أي التراجع عن مشروعها للهيمنة على المنطقة. ونقطة ارتكازه هي دمشق لا صنعاء. كذلك، يؤكده النفي السعودي، لنبأ زيارة الملك سلمان لموسكو، أواسط آذار القادم. والذي نقلته وسائل إعلام روسية، عن مساعد بوتين "يوري أوشاكوف". ما يعني أن الرياض، ليست بوارد الانصياع للضغوط الروسية. أو التراجع أمام تحالف "طهران – موسكو"، وآخر تجلياته، ما أعلنه وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغر، بعد لقاء نظيره الإيراني حسين دهقان في موسكو، بشأن الاستعداد لتعزيز التعاون العسكري بين العاصمتين، في مواجهة التهديدات المشتركة لهما، وتنسيق مواقفهما حيال المسائل العالمية والإقليمية.
فوق السقف الأمريكي!
بجانب الرياض. بدت أنقرة، إلى ما قبل تفجير أمس. أكثر حرصاً على عدم الإنزلاق، إلى مواجهة عسكرية مباشرة مع موسكو، لا يمكن التكهن بنتائجها. وهذا ما عكسته تصريحات مسؤوليها. سواء بشأن التدخل البري بالمشاركة مع السعودية، دون غطاء التحالف الدولي. أو بإشارة رئيس وزرائها داوود أوغلو، إلى أن بلاده ستتجنب الحرب. ويبدو موقف تركيا مفهوماً. إذ تشعر بأن واشنطن لم تتخل عنها كحليف في "شمال الأطلسي" فقط. إنما تشعر أيضاً، بأنها تحاول توريطها في مستنقع عسكري بسورية. كما تتواطأ ضد أمنها القومي مع موسكو، التي اتهمها أوغلو، بالسعي إلى تنفيذ "سايكس – بيكو على الطريقة الروسية. وهو محق، إذ أن تمهيد الطائرات الروسية لأرضية لإقامة كيان كردي انفصالي. يجعل من السهل الإعلان لاحقاً، عن دويلة علوية "سوريا المُفيدة" إذا أمُكن، أو في الساحل، حيث تتركز مصالحها. ولعل سياسة الأرض المحروقة، التي يتبعها "بوتين". كفيلة بتأمين حدود "الكانتونين" الانفصاليين لفترة طويلة.
هذه التعقيدات، والمصاعب. لا تعني فقدان التحالف "السعودي- التركي – القطري" للبدائل. بل على المدى الطويل، ومع اقتراب تحرير صنعاء من قبضة الحوثيين، وزيادة فاعلية التحالف الإسلامي، في اجتماعه المرتقب بالرياض .لن تكون الأوضاع ،لصالح روسيا وحلفائها، على الأرض. حيث لا تحتمل موسكو المنهكة اقتصادياً، الدخول في حرب استنزاف. حتى مع استقرار مُفترض لأسعار النفط، يُتيحه اتفاق الدوحة الرباعي أول أمس "خرقته طهران أمس". لكن قلب الموازين. يتعلق بمدى استعداد المحور المواجه لروسيا، للتحرك فوق سقف إدارة أوباما، وكسر "الفيتو" على تسليح مقاتلي المعارضة بالسلاح النوعي، بما فيها مضادات الطائرات. واستئناف توريد مضادات الدروع "تاو"، وغيرها من العتاد، الذي توقف شحنه كلياً على عتبات فيينا، وجنيف3. كذلك السعي لتوحيد فصائل المعارضة، ورفع وتيرة التنسيق بينها، بعد إهمالها بشكل لافت، و الأفضل تجاهل لائحة التنظيمات الإرهابية" . وتفعيل مبدأ وتكتيك حرب العصابات، والعمليات اللوجستية الأمنية النوعية، على حساب التمسك بالأرض. باستثناء خطوط الامداد، ومحاولة استعادة أهمها.
التدخل القادم!
ما حدث، أن بوتين ذهب إلى أبعد حد في سورية. وألقى بجميع أوراقه السياسية، والعسكرية، بإتباعه سياسة الإبادة بالأرض المحروقة. لكن أقصى ما يستطيع الوصول إليه. هو إطالة أمد الحرب، وزيادة الخسائر الكارثية البشرية والمادية، والأحقاد، والمرجعيات الساسية خارج سورية، وفوضى السلاح . الذي سيكون من المستحيل السيطرة عليه، وسحبه من مختلف الأطراف، بمن فيها الموالية للأسد. إلا بتدخل عربي – دولي. لن يطول الزمن، حتى تتسع دائرة المطالبة به دولياً، بأكثر مما يتوقعه بوتين، وفوق ما يتأمله، من حربه العبثية. لإعادة فرض بشار الأسد وهيبته المدمرة، التي هي أساس "ملكه". وذلك فور مغادرة حليفه أوباما للبيت الأبيض. وربما قبلها.
التعليقات (9)