لعل المفردة الوحيدة ذات الدلالة، التي تضمنها النعي الرسمي لأنيسة مخلوف. هي توصيفها بزوجة "القائد المؤسس" حافظ الأسد". وهي كذلك فعلاً. ذلك أنه أسس "مزرعة الأسد". حين انتقل بالبلاد، من حكم نظام حزب البعث الديكتاتوري "أجنحة ومراكز قوى"، إلى حالة عجيبة فريدة من نوعها. أقرب إلى مافيا يقودها عراب، منها إلى سلطة الفرد الواحد. إذ اختزل مؤسسات الدولة، في غرفتين بقصر المهاجرين. إحداهما حيث يجلس ويُصدر الأوامر. فيما الثانية لمدير" المكتب الخاص"، الذي يتولى مهمة تبليغ تلك الأوامر للمعنيين، من أعضاء المافيا، المُكلفة بالاستيلاء على الدولة. دون أدنى مراعاة، لبروتوكول مُفترض، أو تسلسل وظيفي.
ورثة العراب!
ورث بشار الأسد، عن أبيه حافظ الغرفتين، ومدير مكتبه الخاص "أبي سليم دعبول". بيد أنه لم يرث صلاحياته المطلقة، حيث توزعت بالتوريث، على أفراد "البيت"، ليأخذ كل منهم نصيبه من الجاه والمال، وبطبيعة الحال السلطة ( بشار المُعد سلفاً لتصدُر واجهتها. ماهر المُكلف بحمايتها. بشرى، وأنابت عنها زوجها اللواء المغدور آصف شوكت. أنيسة صاحبة الحصة الوازنة كونها أرملة العراب وأم الأولاد. في حين نال مجد الفتات، بسبب إدمانه على الهيروين، حيث تسببت جرعة زائدة من المادة بمقتله 2009).
لم تكن حظوة "أنيسة" قليلة، أيام حافظ "الزاهد" بالمغامرات النسائية. لكنها لم تتجاوز سقف تعيين مدراء عامين، أو ضباط في أجهزة الأمن والجيش. دون تدخل مؤثر، بالقرار السياسي و الأمني. عدا ما تقتضيه الحياة الزوجية من مشورة. حتى أن شقيقها محمد مخلوف والد رامي، رغم قربه الشخصي من حافظ، التزم حدود النهب المالي المفتوح "نفط، تبغ، حبوب، مصرف عقاري". إما من خلال توليه إدارة بعضها بشكل مُباشر، أو عبر تعيين المدراء لها، باسمه والنيابة عنه.
حاكمة الظل!
حكاية "أبو رامي – أبناء". تُكثف حكاية السلطة، وانتقالها إثر وفاة العراب حافظ، إلى مجلس العائلة. وجلوس "الخال" محمد مخلوف على كرسي "حصة" شقيقته أنيسة. ليتمدد نفوذه الاقتصادي بشخص ابنه رامي. كما الأمني ممثلاً بولديه " العقيد حافظ، والنقيب إياد". على حساب عائلة شاليش، أبناء أخت حافظ الأسد "رياض، ذو الهمة"، علماً أن ابنة رياض، تزوجت العقيد حافظ.
ما حدث بدايات الثورة 2011، وبالتزامن مع مطالبة المتظاهرين بمدينة دوما، بمحاسبة الفاسد رامي مخلوف. أن "الخال أبو رامي"، ترأس اجتماعاً عائلياً. لمناقشة الوضع واتخاذ القرار النهائي، بشأن كيفية المواجهة . وخلاله، رجحت الكفة باعتماد الحل الأمني، بدلاً من محاولة المُصالحة. وعقب الاجتماع، تولى النقيب إياد محمد مخلوف، مهمة إبلاغ قائده المُفترض العميد مناف طلاس، المُكلف بالتواصل مع المُحتجين، في بعض مناطق ريف دمشق آنذاك. بأن مهمته انتهت، وبوجوب التزام منزله. بينما امتنع بشار، عن تلقي اتصالات صديقه مناف.
هذه الحالة "المافياوية"، تُعريها أكثر حكاية العميد الشهير عاطف نجيب، ابن فاطمة مخلوف، شقيقة أنيسة ومحمد، وللتذكير "والده سني". وكان برعاية وحماية خالته أنيسة منذ تخرجه برتبة ملازم. وشهرته سابقة لحكاية "أطفال ووجهاء درعا". خصوصاً بالفساد العلني غير المسبوق. ما اضطر بشار الأسد 2001 ، وتحت ضغط اللواء "المُنتحر" غازي كنعان رئيس شعبة الأمن السياسي حينذاك، إلى الموافقة على تشكيل لجنة من ضباط الأمن السياسي، للتحقيق بفساده، لتكتشف اللجنة مثلاً، بأن المساعد أول "أكرم أبو حمرا"، وهو أحد معاوني "المقدم" عاطف نجيب رئيس قسم العمال في فرع الجبة. حصد وحده بالفساد، عدة شقق سكنية ومحال تجارية، في مدينة دمشق. وكانت النتيجة، أن أكُتفي بتسريح المساعد، بينما نُقل المقدم الذي حصد مئات الأضعاف، إلى مقر الداخلية. قبل عودته مُجدداً للأمن السياسي. و معاقبة كافة ضباط لجنة التحقيق، بإبعادهم خارج ملاكها. بينما لخص بشار الأسد، أمام أحد أصدقائه، سبب إعادة المقدم الفاسد بجملة "زعلت خالتي".
ضبط الإيقاع .. التحالف مع بشرى!
لطالما لعبت أنيسة مخلوف كأي أم، دور ضابط الإيقاع بين أبنائها. لذا كان طبيعياً، أن تتعاطف مع ابنتها البكر الوحيدة بشرى ، في علاقتها بضابط حمايتها آصف شوكت. وتمنع "جبروت" حافظ من البطش بالضابط الذي تجرأ عليه، وعلى منزله. كما منعت ابنها الرائد باسل من قتل "العميد آصف" حينها. والاكتفاء بتجميده، وسحب سياراته وعزله، في قريته "المدحلة" بطرطوس، والتنكيل بكل ضابط يزوره، أو يتواصل معه. ثم إقناع الأب، الذي يحمل عاطفة خاصة لابنته، لطالما أثارت غيرة بشار، بإتمام زواج صامت بين بشرى وآصف، بعد الرحيل المُفاجئ لباسل 1993. وفرضه صهراً على العائلة. دون الالتفات لما يُمكن أن يُلحقه الارتباط، بهيبة الزوج حافظ ، أو الاكتراث برأي "الابن الشرس" ماهر. الذي يُقال أنه أطلق الرصاص، على قدم الصهر الإجباري.
نجح تحالف الأم وابنتها، وعلى مبدأ الحصة "بالورثة"، بعد وفاة الأب. من إعادة اللواء آصف، إلى دائرة النفوذ والسلطة. واقتطاع منصب رئيس شعبة المخابرات العسكرية. غير أنهما فشلتا بانتزاع، ثقة بقية أعضاء المافيا فيه. إذ بقي الارتياب والخوف منه قائماً. بل وضع تحت رقابة شبه دائمة، من زميله ضابط الأمن العسكري علي يونس، يُحصي عليه أنفاسه، وزواره. كما سُحب منه ملف التحقيق بمقتل القائد العسكري لحزب الله عماد مغنية، الذي اغتيل بدمشق، قرب مكتب اللواء آصف في كفر سوسة. ليُعهد بالتحقيق للعقيد حافظ مخلوف. ولا شك أن الارتياب المتواصل، انتهى بتصفية آصف على أيدي شركائه بالمافيا، في تفجير خلية الأزمة 2012. وهو ما تعرفه بشرى تماماً. لذلك سرعان ما غادرت بأولادها إلى دبي. و المرجح أن وجود والدتها أنيسة، . لعب دوراً حاسماً، بامتصاص نقمتها على قتلة زوجها. وكبح رغبتها بفضح حقيقة ما جرى. وربما كان تدهور صحة الأم، السبب وراء عودتها مُجدداً إلى سورية. وتهدئة الأجواء المتوترة مع أشقائها. بل وقيامها بإرسال ابنها باسل شوكت، موفداً لتهدئة خاطر عائلة العقيد حسان الشيخ، الذي قتله سليمان هلال الأسد بأربع رصاصات، في اللاذقية، لمجرد خلاف على أحقية المرور.
لا شماتة بالموت لكن!
تتشابه بشرى مع أمها، بقوة الشخصية. إذ من المعروف أن أنيسة ، وكان عمرها "24 عاماً" سنة 1958 . أصرت على الزواج من الملازم أول حينئذ حافظ الأسد . رغم معارضة عائلتها، بسبب الفارق الاجتماعي بين عائلة مخلوف، وعائلة الأسد المغمورة. و لعلها أخذت عنها أيضاً تفضيل الضباط، على سواهم بالزواج. لكن ليس من السهولة أن يتحجر قلب إنسان، مثلما تحجر قلب أنيسة مخلوف، كتب الإعلامي محمد منصور في صفحته الشخصية:
( لا شماتة في الموت.. فموتها ليس إنجازاً لأحد ، لكن سيذكر تاريخ الثورة، أنه في يوم السادس من شباط /فبرايرعام 2016، ماتت أنيسة بنت أحمد مخلوف، زوجة القاتل المجرم حافظ الأسد. وأم القتلة ماهر وبشار.. والمرأة الحقود ذات القلب الأسود، التي لم تصفح عن الفارس عدنان قصار، لأن فرسه سبق فرس ابنها باسل في السباق، ودفّعته (25) عاماً من حياته في سجن، كان يمكن لقلب أم أن يخرجه منه، على الأقل بعد وفاة باسل الذي سجنه.. لكن أنيسة ربت أسوأ أنواع البشر في التاريخ السوري).
قالت يومها لمن توسلها إخلاء سبيل السجين "يلي حبسه هو بيطلعه".
التعليقات (16)