"لولا إيران" هي المقولة التي أصبح كبار المسؤولين الإيرانيون، فرفسنجاني رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام وفي نفس الإطار أعاد إبتكار المقولة لتصبح: "لولا إيران" لما سقطت كابل وبغداد, ليتبعه الرئيس روحاني بالقول: "لولا إيران" لسقطت بغداد وأربيل بيد داعش، ليغزل وزير خارجيته جواد ظريف على منواله قائلا: "لولا إيران" لسقطت بغداد وكردستان، وكذلك فعل مستشار الرئيس الايراني علي يونسي عندما قال: "لولا إيران" لسقطت بغداد وكربلاء والنجف بيد داعش.
ترديد مقولة "لولا إيران" هذه لم تقتصر على الإيرانيين بل تعدتهم إلى أشياعها في المنطقة العربية لتصبح مصطلحا يستخدمه أذنابها العرب في محاولاتهم إستجلاب تعاطف الشيعة والأقليات العربية مع إيران وترسيخ الإعتقاد بان إيران هي الحامي لهم والمدافع عنهم ضد محيطهم السني، الذي يعتبر أساس مجتمعات المنطقة والذي لم يسجل عليه يوما إضطهادة لأي من الأقليات الدينية والإثنية، حتى في عز حروبه ضد الصليبيين وغيرهم من يهود أو مغول أو تتار، لابل إن الشيعة في ظل حكم الرئيس العراقي صدام حسين شاركوا بفعالية في الحرب العراقية الفارسية، فقد كان إنتماؤهم عربيا خالصا بعكس ما حدث ويحدث اليوم بعد فرسنة العراق.
من المفارقات أن ترديد هذه المقولة التي تروج لإيران لم يقتصر على السياسيين والعسكريين بل تعدتهم إلى فنانين ورجال دين ومثقفين كثر في سورية والوطن العربي، فها هو دريد لحام وفي إحتفال في السفارة الإيرانية وبلسان متلعثم أثقله الكذب لعقود يقول: علي خامنئي المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الإيرانية، في روحك القداسة في عينيك الأمل، في يديك العمل، كلامك أمر يلبى، ازدادت قدسية ترابنا حينما ارتقى عدد من رجالاتك إلى عليائها، لك الحب والتقدير والإجلال من شعب صامد وجيش عتيد، عاشت إيران تحيا سورية، أما مفتي النظام حسون الحسون المتشيع والمحسوب على سنة الشام فقد كانت له صولات وجولات عبر من خلالها عن عقيدته الحقيقية بالقول صراحة: "أنا شيعي الهوى".
بدوره نوري المالكي عميل إيران وذراعها الأطول في العراق، لم يكن ليشذ عن هذه القاعدة، فقد قال: "لولا إيران" لسقطت العاصمة بغداد ونظيرتها في كردستان بيد داعش، وكذلك فعل العامري وكل قادة الميليشيات الشيعية العراقية الذين وحدتهم إيران في حشد شعبي لم يقتصر على الشيعة، بل تعداه إلى ميليشيات مسيحية عراقية تقاتل إلى جانب الحشد الشيعي ضد سنة العراق.
مستشار الخامنئي "علي أكبر ولايتي" وسع إطار الـ "لولا إيران" لتشمل سورية عندما قال: "لولا إيران" لسقطت بغداد ودمشق، وهو ما أكده مساعد وزير الخارجية الإيراني حسين عبد اللهيان، بقوله: "لولا إيران" لسقط نظام بشار الاسد في السنوات الثلاث الأولى، وكذلك فعل نائب رئيس أركان الجيش الإيراني العميد غلام علي رشيد الذي قال: "لولا إيران" لسقط نظام الاسد في سورية وجاء الدور على حزب الله ثم الحكومة الشيعية في العراق.
مصيبتنا لا تكمن في إيران فكل ما تقول أو تفعل يصب في خانة خدمة اهدافها التوسعية واستخدام أشياعها اداة في سبيل تحقيق ما تصبوا إليه، المصيبة الحقيقية تكمن في البعض من المحسوبين على العروبة، الذين يرددون هذه المقولة كالببغاوات دون أن يعلموا أنهم بهذا يجعلون ولاءهم لفارس، فينسفون أسس التعايش مع محيطهم العربي بكافة مكوناته العرقية والمذهبية، ويسهمون في تدمير اوطانهم لصالح المشروع الفارسي، ليس هذا وحسب، فهكذا فعل أسهم في إعطاء إيران حجما أكبر من حجمها الحقيقي، ما جعل منها بعبعا للأنظمة والشعوب على حد سواء، حتى باتت إيران تشارك في زعزعة أمن الدول العربية من خلال إشغال مواطنيها وحكوماتها في حروب طائفية ومذهبية تارة باسم ثارات الحسين وتارة اخرى باسم الموت لأمريكا وإسرائيل.
حقيقة شعارات الموت لأمريكا وإسرائيل
لقد حرص نظام ملالي إيران ومنذ وصول الخميني إلى سدة الحكم على إستقطاب الشعوب الإسلامية وذلك من خلال رفعها لشعارات الموت لأمريكا وإسرائيل ورفع راية التصدي للإمبرايالية وقوى الإستكبار العالمي ممثلا بالولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما نجحت فيه إلى حد بعيد من خلال ممارستها للتقية السياسية والدينية فخدعت البسطاء من أبناء شعبها وشعوب المنطقة من عرب وعجم.
إن الفهم الحقيقي لطبيعة العلاقة الثلاثية بين إيران من جهة وكل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل من جهة أخرى يستلزم منا الغوص قليلا في تفاصيل وطبيعة هذه العلاقة التي تتلخص في أمرين.
الأول: أيديولوجي يتمثل بالحرب الكلامية الإستهلاكية التي تمارسها الأطراف الثلاثة، فإيران ترفع شعار الموت للشيطان الأكبر واخيه الأصغر، في حين أن هذان الشيطانان يعتبران إيران دولة أساسية في محور الشر. مع الأخذ بعين الإعتبار أن هذه الشعارات لم تطبق في يوم من الأيام فتصل إلى مرحلة الصدام بين المحورين، وهو ما يعني أن الأيديولوجيا لم تكن سوى اداة او رافعة تستند إليها هذه الأطراف في الحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب الجيوإستراتيجية بستار أيديولوجي.
الثاني: جيوإستراتيجي وهو الناظم الحقيقي للعلاقة والمصالح المشتركة بين إيران وكل من الولايات المتحدة وإسرائيل وهذا يشمل التفاهمات والإتفاقات السرية والمعاهدات الموقعة بين هذه الدول، وهنا يمكن لنا أن نختصر العلاقة الثلاثية بين هذه الأطراف في مسألة واحدة وهي التنافس على المصالح والنفوذ الإقليمي والإتفاق عليها، وهو ما حدث بالفعل إبان الغزو الأمريكي للعراق حيث قدمت حينها إيران للولايات المتحدة وإسرائيل مشروعا طموحا تمثل في إيجاد حالة من الإستقرار للقوات الأمريكية ومحاربة القاعدة ووقف تمددها، إضافة إلى التعهد بعدم مهاجمة إسرائيل والسماح بتفتيش منشآتها النووية والموافقة على المبادرة العربية القاضية بحل الدولتين ولجم الفصائل الفلسطينية، إضافة إلى تحويل حزب الله من منظمة عسكرية إلى حزب سياسي – عسكري قادر على حماية حدود إسرائيل الشمالية.
يقول الصحفي اليهودي اوري شمحوني: إن ايران دولة اقليمية ولنا الكثير من المصالح الاستراتيجية معها ، فايران تؤثر على مجريات الاحداث وبالتاكيد على ماسيجري في المستقبل، ان التهديد الجاثم على ايران لا ياتيها من ناحيتنا بل من الدول العربية المجاورة فاسرائيل لم تكن ابدا ولن تكن عدوا لايران.
أما الصحفي اليهودي يوسي مليمان فيقول: في كل الاحوال فان من غير المحتمل ان تقوم اسرائيل بهجوم على المفاعلات الايرانية وقد أكد عدد كبير من الخبراء تشكيكهم بان ايران بالرغم من حملاتها الكلامية تعتبر اسرائيل عدوا لها. وان الشيء الاكثر احتمالا هو ان الرؤوس النووية الايرانية موجهة ضد العرب.
التعاون الإيراني الأمريكي قديم جدا ولا أدل عليه من فضيحة إيران كونترا، التي عقدت بموجبها إدارة الرئيس الأمريكي ريغان اتفاقاً مع إيران لتزويدها بالأسلحة بسبب حاجة إيران الماسة لأنواع متطورة منها، حيث كان الاتفاق يقضي ببيع إيران عن طريق الملياردير السعودي عدنان خاشقجي ما يقارب 3,000 صاروخ "تاو" مضادة للدروع وصواريخ هوك أرض جو مضادة للطائرات مقابل إخلاء سبيل خمسة من الأمريكان المحتجزين في لبنان.
ما بين فضيحة "إيران كونترا" وتصريحات المسؤولين الصهاينة وقرارات حكوماتهم مسيرة طويلة من التعاون التجاري والعسكري الأسرائيلي - الإيراني الذي جرى التعتيم على معظمه، ولم يسرب إلا النذر اليسير منه، فحكومة نتنياهو أصدرت عدة أوامر بمنع نشر نتائج التحكيم في قضية العقود النفطية بين إيران والكيان الصهيوني، كما أصدرت قرارا بمنع النشر عن اي تعاون عسكري أو تجاري أو زراعي بين اسرائيل وايران، حيث جاء المنع الحكومي للتعتيم على فضيحة رجل الاعمال اليهودي "ناحوم منبار" المتورط بتصدير مواد كيماوية الى ايران، فقد إعتبرت الحكومة أن هذه الفضيحة تلحق الضرر باسرائيل وعلاقاتها الخارجية، في حين أنه وبعد إنكشاف أمر الفضيحة أدانت محكمة تل ابيب رجل الاعمال اليهودي بالتورط في تزويد ايران ب 50 طنا من المواد الكيماوية لصنع غاز الخردل السام، لتغلق القضية بعد أن تقدم المحامي اليهودي "امنون زخروني" بطلب التحقيق مع جهات عسكرية واستخباراتية اخرى زودت إيران بكميات كبيرة من الاسلحة ايام حرب الخليج الاولى.
المال الإيراني وتصدير الثورة
إيران إستطاعت توظيف إمكانياتها في سبيل تحقيق أهدافها المرسومة وقد انفقت المليارات على مشروع تصدير الثورة، ونجحت في بناء سلسة علاقات وتحالفات مكنتها من تحقيق قدر كبير من التمدد والتغلغل ليس في الدول العربية وحسب بل تعدت ذلك إلى العديد من دول العالم، فمن اللوبي الإيراني الأمريكي إلى فنزويلا فباكستان وأفغانستان وصولا إلى تركيا، حيث كان المال هو الركيزة الأساسية في التحرك الإيراني باتجاه شراء الولاءات، فحتى دول كالسودان ونيجيريا وجزر القمر لم تسلم من محاولات التشييع وتصدير الثورة الخمينية اليها.
إن تحقيق هدف ما يحتاج إلى ادوات منها المال الذي أدركت إيران أهميته، فعملت على إستقطاب وشراء الأحزاب والسياسيين والبرلمانيين ووسائل الإعلام وشيوخ العشائر وحتى المسؤولين الأمنيين في أي دولة او منطقة أرادت التحرك فيها، وذلك لتسهيل مهمتها على الأرض، وهي بهذا لم تفرق بين شيعي وسني ولا مسلم ومسيحي ولا متدين وعلماني فاشترت كل من كان مستعدا لبيع نفسه أو قلمه أو سلاحه، وهو ما كشفته الثورة السورية التي فضحت أذناب إيران في منطقتنا بعد أن إضطروا لترك التقية والكشف عن وجههم الحقيقي المؤيد للمشروع الصفوي في منطقتنا.
صحيح أنه "لولا إيران" لما تمزق العراق ولما دمرت سورية وهجر شعبها ولما صمد الأسد كل هذا الوقت، ولولا إيران لما سيطر حزبها الأصفر على لبنان بعد تحييد المقاومة الفلسطينية، ولولا إيران لما قدر للحوثي السيطرة على اليمن، ولما كان شيعة البحرين يطالبون بضم البحرين لإيران، ولولا إيران لما كان هناك طابور خامس وخلايا مسلحة نائمة ومستيقظة في معظم الدول العربية .. ولكن هل كانت إيران لتنجح في مخططاتها لولا إهمالنا وغفلتنا أنظمة وشعوب؟
في الحقيقة إن مصطلح "لولا إيران" الذي بتنا نردده اكثر من إيران وأشياعها، ليس سوى شماعة نعلق عليها إخاقاتنا، وورقة توت تستر عوراتنا وتقاعسنا وحتى عجزنا لعقود عن التصدي لمشروع المد الصفوي الذي إبتلع المنطقة او يكاد، رغم علمنا بمشروع تصدير الثورة الخمينية إلى دولنا.
التعليقات (14)