لا شك، أن ما تضمنته الوثيقة المُسربة. هي الحقيقة بعينها. لكنها ناقصة، ذلك أنها تتجاهل، الدور المُعطل لإيران، وميليشياتها الإرهابية المذهبية، وللأسد وبقايا جيشه، ولروسيا، و"لإسرائيل". وهي لاعب رئيسي غير مرئي، لم يكتفِ بعد، من تدمير "الأسد الصغير" لبلاده مجتمعاً واقتصادً وجيشاً. نيابة عنها، وبأكثر وحشية، مما كانت تحلم، أو تستطيع يوماً.
نعم سورية، تحولت إلى مسألة إقليمية – دولية. لم يعد ينفع معها علاج، من عيار فيينا. أو حتى جنيف1 ، ربما كانا مُجديين عام 2012. لذا ما يجري الآن في جنيف3، لا يعدو كونه تقطيعاً لوقت. تحتاجه الأطراف الفاعلة، وكل لحساباته المختلفة، والمُتضاربة.
بالنسبة لإيران، انهيار الأسد. يعني انهيار مشروع إمبرطوريتها الفارسية في المنطقة، والتي تخلت عن مشروعها النووي لصالح استمراره، بالتفاهم مع إدارة أوباما، وبقبول "تل أبيب" الضمني. وهذا ما ستحاول السعودية، ومن خلفها دول خليجية مواجهته، ومنعه بكل طريقة. في حين أن موسكو تتمسك بالأسد، لحين تأمين بديل من داخل جيشه. يضمن حضورها السياسي، ومصالحها الاقتصادية "غاز ونفط"، حاضراً ومُستقبلاً. فيما تتعامل تركيا مع سورية كتهديد، لأمنها القومي. ولن تتساهل بإقامة كانتون كردي، في شرق وشمال سورية. أو إقامة دويلة علوية، لا تقل خطورة على وحدة أراضيها. والمفارقة أن طهران، التي تسعى بالتهجير الديمغرافي لتقسيم سورية، وإقامة تلك الدويلة، تحت مُسمى "سورية المُفيدة". هي ذاتها من يُمانع بإقامة كانتون كردي، لأنه يُهدد أمنها القومي ووحدة أراضيها لاحقاً. لذا، لم يتردد مستشار خامنئي والناطق باسمه، علي أكبر ولايتي أول أمس، من تأييد حق أنقرة بالدفاع عن وحدة بلادها. والمفارقة الأكبر أنه يُسجل بذلك، تناقضاً إضافياً مع موسكو. التي تتشارك مع واشنطن "السعيدة باستنزاف الجميع"، في تشجيع ودعم الانفصاليين الأكراد، مثلما هو ظاهر من سلوكهما.
عموماً، لا تملك القوى المتصارعة في سورية، رفاهية الحرب إلى مالا نهاية. وما يدركه الجميع دون استثناء، أن الأسد فقد صلاحيته الفعلية، وأن تمديد إقامته في قصر المهاجرين، مرهونة بتسوية الملفات العالقة، والتي تحاول موسكو تفصيلها على مقاسها، قبل مُغادرة أوباما للبيت الأبيض. واضطرارها للعودة إلى حجمها الطبيعي. وهذا ما يُفسر إتباعها سياسة الأرض المحروقة، في قصفها للمعارضة المُعتدلة، وقتل المدنيين للتهويل.
موسكو شبه الُمفلسة، تُدرك أن مكاسبها العسكرية على الأرض مؤقتة. بل تحت رحمة خصومها الإقليميين. الذين يتجنبون مؤقتاً على الأقل، تحويل احتلالها لأجزاء من سورية، إلى مستنقع استنزاف لهيبتها وخزينتها و طائراتها وعسكرها. وهي مضطرة في لحظة ما، للمفاضلة بين صفقة معقولة تضمن مصالحها، مقابل التخلي عن بشار الأسد وإيران في سورية. أو الانسحاب منها مهزومة.
الثابت الوحيد، أن إنقاذ سورية، لن يكون بحلول على شاكلة جنيف1، وفيينا. إذ أن إحلال السلام بدلاً من الفوضى. يتطلب مواجهة متطرفين سُنة، وشيعة من مرتزقة خامنئي، وعلويين. بالتالي يحتاج إلى إمكانيات أكبر، مما تملكه فصائل المعارضة المؤمنة بالحل السياسي، وبقايا جيش الأسد، في حال اقتناعها طبعاً، بضرورة التخلي عن بشار خلاصاً للجميع ، وانتصاراً لفكرة الوطن.
ما تحتاجه سورية بالنهاية، وبعد التوصل إلى حلول وسط، للملفات المُتشابكة. هو وضعها تحت وصاية عربية – دولية مؤقتة، بقرار من مجلس الأمن. وإدخال قوات عربية بالدرجة الأولى، مُدعمة بقوات أوروبية، وأخرى من الدول الراغبة. تحت قيادة مباشرة لرئيس أو ملك عربي. يُدير مرحلة انتقالية محدودة المدة. ويشرف على حكومة تكنوقراط سورية مستقلة عن المولاة والمُعارضة. تضع دستوراً مدنياً. وتشرف على انتخابات برلمانية ورئاسية، برقابة دولية. مع ضرورة تنفيذ العدالة الانتقالية، وشمولها جميع مرتكبي الجرائم دون استثناء، تمهيداً لمصالحة وطنية.
لا يعني ذلك، سهولة تنفيذ الفكرة، أو تمريرها في مجلس الأمن. ليس لأنها ستواجه بالفيتو الروسي حالياً. إنما لعدم القبول الأمريكي أيضاً، وهو ما أعلنته خارجية أوباما، في رد غير مباشر على استعداد السعودية، وحلفائها لإرسال قوات إلى سورية. عدا ما يتطلبه المشروع، من تنقية الأجواء بين الدول العربية، المُنقسمة فوق الطاولة وتحتها، وذلك استعداداً لبلورته وطرحه والضغط لتبنيه دولياً. إنقاذا للعرب، ودولهم ووجودها ذاته. قبل أن يكون انتشالاً لسورية وعروبتها من الجحيم.
المؤكد، أن جنيف، ليست محطة تسوية مستدامة، كما يدعي ديمستورا. وأن الحل بعيداً عن وضع سورية تحت الوصاية. هو استمرار المذبحة إلى ما لا نهاية. وصولاً إلى انفجار مواجهة إقليمية شاملة، إن لم تكن أبعد بمراحل.
التعليقات (2)