لن ينسوا...

لن ينسوا...

ربما هي من المرات النادرة التي يتحدث فيها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بواقعية فيما يتعلق بالأزمة السورية، فلم ينف قبل أيام إمكانية لجوء الرئيس بشار الأسد إن استدعت الضرورة، وهي ربما المرة الأولى التي يُلمح فيها الرئيس الروسي لإمكانية بحث هذا الأمر مع تأجيله زمنياً لضرورات استراتيجية تتعلق بمصالح روسيا وحدها.

بعد خمس سنوات من التدمير والقتل، واهم من يعتقد أن للسوريين ذاكرة السمكة، أو من يعتقد أن الذاكرة الجمعية السورية ستنسى أو أن كل ما جرى لسورية سيذهب أدراج الرياح، هكذا ببساطة كما بدأ، أو أن العصافير ستعود لـ (الزقزقة) فوق المدن السورية التي دُمّرت دون أن تقتص العدالة ممن دمرها واحداً تلو الآخر.

يؤكد المناوؤون للنظام وكل من تضرر من حله الحربي أنهم لن ينسوا من قلع أظافر الأطفال وعذّبهم، ولا من أطلق الرصاص على تظاهراتهم التي كانت تُغني للوطن والمستقبل والإنسان، ثم دفن المتظاهرين أحياءً، أو أدخل دباباته إلى درعا ليقصفها ليُنهي تظاهرات سلمية، وعذّب النساء واستغلّهن، وقتل على الهوية عائلات بكاملها، ثم شرّد خلال خمس سنوات أربعة ملايين سوري إلى خارج سورية، وضعفهم داخلها، ويستذكرون من تحدثت مستشارته عن الحرب الطائفية بينما كان كل متظاهري سورية ينادون بتظاهراتهم (الشعب السوري واحد).

يؤكد أولئك أنهم لن ينسوا من استخدم الطيران لقصف المدن والقرى، وألقى 18 ألف برميل متفجر على المدن السورية، منها 1200 على داريا وحدها، ثم أتبعها باستخدام الصواريخ البالستية، ودمّر بمدافعه وبراميله المتفجرة 60% من مشافي ومستوصفات سورية، وأكثر من ثلاثة آلاف مدرسة، ومثلها من المساجد، ونحو أربعين كنيسة، ومئات الأسواق بمن فيها من أناس بسطاء مساكين، فضلاً عن تدمير أكثر من ثلاثة ملايين مبنى بين منزل ومصنع ومحل تجاري، كما لن يسنوا 1466 سورياً قتلوا في لحظة واحدة بالسلاح الكيماوي في الغوطة الشرقية، و11 ألف سجين قتلوا تحت التعذيب في معتقلات الأجهزة الأمنية موثّقة صورهم وأسماؤهم وتواريخ وفاتهم بما باتت تُعرف باسم (وثائق قيصر)، ولا مائة شاب سوري ألفوا بعد قتلهم وأيديهم مقيدة خلف ظهورهم في نهر بحلب، ولا عشرات الذين قتلوا بمجزرة (جديدة الفضل)، ولا 145 سورياً قتلوا بمجزرة بانياس، ولا 191 قتلوا بمجزرة (رسم النفل) بريف حلب، والآلاف غيرهم ممن قتلوا في مجازر عديدة في درعا وحمص وإدلب وريف دمشق وحلب ودير الزور وغيرها.

سيتذكر السوريون دائماً من نهب سورية وثرواتها، واستولى على أملاك الدولة، وامتلك أبشع سجون العالم لمعاقبة كل من يتحدث عن ذلك، ووضع مخططات لتوسعة دمشق الجديدة لصالحه بينما السوريون يقتلون بالمئات كل يوم، وأخيراً حاصر السوريين وجوّعهم وحرمهم من الماء والكهرباء.

يؤكّد السوريون من جديد أنهم لن ينسوا من سمح لجيوش الاحتلال الفارسية والروسية بدخول سورية واستباحتها، وسمح للميليشيات الطائفية اللبنانية والعراقية بعبور الحدود لقتل السوريين في انتقام طائفي بغيض، وقايض (حرائر) سورية ونسائها المعتقلات بجنود وأسرى إيرانيين، وزاد ترحيبه بإيران حين قالت إنها تعتبر سورية محافظة إيرانية، وكذلك فعل حين قالت الميليشيات الشيعية إنها ستنتقم للحسين وزينب عبر قتل السوريين، وحين قالت روسيا أنه لولا دعمها لانهار النظام منذ فترة طويلة، كما لن ينسوا من سمح لنصر الله أن يمر على جثث السوريين ليصل إلى القدس، وسمح لآيات الله ومجالس قم أن تحوّل (شام شريف) لمزار شيعي كبير، ثم توّج الفارسي قاسم سليماني حاكماً عسكرياً على سورية، وبدأ بفرز الشعب السوري طائفياً بشكل علني ومستفز.

وفي هذا السياق، من الصعب تجاهل إدانة من انتهكت إسرائيل بزمنه حرمة بلده مرات عديدة ولم يرد عليها لا (في الزمان والمكان المناسب) ولا في غيره، وتباهى بأن أمن إسرائيل من أمنه، وسلّم الأسلحة الكيماوية التي يُفترض أنها رادع استراتيجي مُلك للدولة مقابل أمن نظامه، ودعم وسلّح ميليشيات كردية تضع الانفصال نصب عينيها ولم يأخذ هذا الخطر بعين الاعتبار.

يؤكد الكثير من السوريين إنهم لن ينسوا من افتتح حديقة للأطفال في دمشق باسم دكتاتور كوريا السابق سيء الصيت كيم إيل سونغ فيما كانت طائراته تقصف حديقة للأطفال بحي الوعر وتقتل عشرين طفلاً، ولا من سرقت أجهزته الأمنية المساعدات الإغاثية الدولية وباعتها بالأسواق فيما يتضور الناس جوعاً في منطق يُحاصرها، ولا من أقام عروضاً للأزياء الفارهة على بعد كيلومترات من آلاف الأطفال المرتعشين الذين لا يملكون ثياباً تدفئهم.

من الصعب نسيان من أفرغ سجونه من المجرمين والقتلة والنصابين ليتحولوا لقطّاع طرق برابرة يدّعون أنهم من الجيش الحر، ثم مهّد الأرض والظروف لزحف التنظيمات الجهادية على المدن السورية لتستبيحها باسم الدين، ومن ادّعى العلمانية فطرد الأب باولو الذي عاش بسورية نحو 35 عاماً وكان يحلم بجنسيتها، ثم أخفى عبد العزيز الخيّر وفائق المير وخليل معتوق ورجاء الناصر والآلاف غيرهم.

هذه المعطيات تُفسّر إصرار المعارضة على تغيير النظام والقول إنه حتمية يفرضها المنطق والإنسانية والضرورة، وتفرضها الأخلاق والقوانين، وتشديدها على أنه أمر آت لا محالة، لكن من الضروري أن يقتنع المجتمع الدولي بهذا الأمر حتى يتوقف نزف الدماء التي تسيل عبثاً لمنع أمر حتمي.

التعليقات (1)

    محمد علي

    ·منذ 8 سنوات 3 أشهر
    لن ننسى والحق سينتصر مهما طال الباطل والتشبيح
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات